"يا ابن الذين".. هل صدمتكم الشتيمة؟

26 نوفمبر 2016
راسم الجداريّة لم يلجأ إلى الشتيمة (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -
في لحظة غضب، وربّما مزاح، قد تتحوّل أو يتحوّل إلى "ابن/ بنت الذين" وأكثر. وهذه شتيمة ملطّفة لما هو أبعد من ذلك. لهذه اللغة، أي لغة الشتائم، تدرّجاتها. منهم من يحتالون عليها ويستبدلون أحرفاً بأخرى ليكونوا مجرّد إيحائيّين. وهذا الاحتيال يؤمّن لهم "فشّة الخلق" التي يحتاجونها. من هنا، يبدو أن الشتائم تعيد إليهم توازناً ما، أو تجعلهم منسجمين في المجتمع اللبناني الذي بات أكثر تقبّلاً، أو متقبّلاً تماماً، بغالبيّته، للشتائم.

ولن يسكت "ابن الذين"، وسيردّ بقسوة ويذكر شقيقة الآخر أو والدته. وهذه من الكبائر في حال كان الحديث جديّاً، والإهانة أو انتهاك العرض مقصوداً. واليوم، كثيراً ما يستخدم الرجال عضوهم الجنسي في"الشتيمة". في هذه اللغة، تصير العلاقة الحميمة إهانة.

بلال ليس شتّاماً ويكره الشتّامين. ولأنه كذلك، يقول إنه ليس مستعداً لتحمّل أي أحد يسبّ أمامه، حتى لو لم تكن الشتائم موجهّة ضدّه. وفي حال كان أحد أصدقائه من "هواة الشتم"، يوضح أن علاقتهما لن تتوطّد لأنّ كليهما لن يكون مرتاحاً. كما يأسف إذا ما كان الأشخاص الذين يحبّهم من الشتّامين. فالسبّ بالنسبة إليه هو "عجز عن الفعل الذي يتطلّب عملاً، وليس مجرّد كلام".

من جهتها، ترى رنا أيضاً أنه ليس هناك من مبرّرات للسبّ، حتّى الغضب. في ما مضى، كانوا يغضبون أيضاً من دون أن يطلقوا العنان لعبارات بذيئة لا تخدم أي موضوع يناقش. أما بالنسبة إلى ماهر، فالموضوع "عادي". مع ذلك، فإنّه لا يشتم أمام الجميع، إذ يرى أنه لا بدّ من مراعاة مشاعر الآخرين. وهو ليس من الذين يحكمون على فتاة تشتُم. فذلك لا يقلّل من احترامها أو أنوثتها، برأيه. "بل قد يصبح للشتيمة رونقاً خاصاً في حال كانت الفتاة التي أطلقتها جميلة مثلاً"، يضيف.

في هذا السياق، يُلاحظ أستاذ اللّسانيات الاجتماعية والباحث والكاتب، نادر سراج، أن النساء والرجال، سواء في وعيهم أو لاوعيهم، يشعرون أن في مقدورهم استخدام قاموس الشتائم ليس بهدف دعم موقفهم أو إبراز "عضلاتهم" اللفظية في موقف صدامي فحسب، بل أيضاً بهدف خرق المحرّمات والمحظورات التي يفرضها المجتمع على الأشخاص المسالمين أو المنتمين إلى الأكثرية الصامتة.

ويلفت إلى أنّ العامة يستحضرون "سلاح الشتيمة الجاهزة" في خطابهم اليومي، بهدف التنفيس عن كبت اجتماعي أو جنسي أو معيشي، من خلال التمادي في استخدام كلمات بذيئة تمنحهم سلطة لغوية معينة، أو هيمنة وهمية بحق الآخر، بغض النظر عن الأسباب. يتابع أن للطبقة الوسطى، التي تهتمّ في انتقاء مفردات خطابها بعناية، مقاربة مختلفة، مشيراً إلى لجوئها إلى "الشتائم" أحياناً من باب التحبّب والتقرّب، وقد تكون إحدى الوسائل للإفصاح عن المكنونات.


من جهة أخرى، يشير سراج إلى أنه "في ظلّ زيادة الضغوط في لبنان، يبقى لدى الناس سلطة الكلام". واللافت، بحسب سراج، أن "الشتيمة لم تعد تصدم المتلقي العادي، وباتت تضحكه بعدما خرجت من دائرة المحرّمات".

كلّ ما قيل عن الشتم سابقاً في كفّة، والسبّ أثناء قيادة السيارة في كفة أخرى. وكأنّه باتت هناك عبارات جاهزة، ما على السائق إلا التفوّه بها لحظة الغضب. يقول سراج إنه في ما مضى، كان الناس يلجأون إلى الحيوانات للشتم. وكانت كلمات مثل "يا حيوان" أو "يا جحش" وغيرها مهينة. لكن اليوم، لم يعد لهذه الكلمات أي مردود، فكان الانتقال إلى مستوى آخر.

من الناحية الإيجابية، يرى سراج أن "الشتائم كسرت الفوارق الجندريّة". يذكر أنه في ما مضى، كانت النساء يضعن إصبعاً من أصابعهن في أفواههن أثناء الحديث على الهاتف، حتى لا يبدو صوتهن واضحاً، فقد كان صوت المرأة "عورة". إلّا أنهن بتن أكثر اقبالاً اليوم على كسر "التابوهات".

يتطرّق في شرحه إلى الشتائم التي تتضمّن الأعضاء الجنسية، ويصفها بـ"الذكورية". اللافت أنه حتى النساء يستخدمنها. إلّا أنه يرى أن "الرجال أكثر ميلاً إلى هتك أعراض الآخرين" في الشتائم. في المقابل، عادة ما تكون النساء أقل هجوماً، إلا أنهن يهاجمن الرجل بأدواته اللغوية.

وفي ظل الذكورية المهيمنة، ولجوء نساء كثيرات إلى الدفاع عن حقوقهن في وجهها، يبدو لافتاً لجوءهن إلى الشتم بلغة الرجل التي تدينهن. فكيف لامرأة إذاً أن تسبّ باللغة التي وضعها الرجل؟ والأهم، أو الأكثر وضوحاً، هو أن الشتيمة، بحسب سراج، هي تعبير سلطة، أي أنها موقف استباقي دفاعي ضدّ المعتدي. لذك، ليس مستغرباً حرص آباء كثيرين في مجتمعنا على تعليم أولادهم السبّ.


دلالات