بعدما كانت مكاناً لا يمكن الاقتراب منه لقذارة رائحته، تحولت ضفاف "الخليج" إلى أحد أهم مراكز إسطنبول
باتت منطقة الخليج أو القرن الذهبي في مدينة إسطنبول في تركيا، بعد عمل دؤوب منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، مكاناً جميلاً يستقطب كثيراً من الزائرين. ويضم المكان حدائق جميلة ومطعماً والعديد من ساحات ممارسة مختلف أنواع الرياضات، في إطلالة ربما تكون الأجمل في المدينة كلّها، وهو ما ساهم كذلك في تغيير عادات الناس، وحوّل الحدائق إلى جزء لا يتجزأ من يومياتهم خصوصاً في الصيف.
تمتد الحدائق من جسر "أتاتورك" حتى حي "علي بي كوي" على امتداد الضفة الغربية للخليج بطول أكثر من 7 كيلومترات، على مساحة تتجاوز 4 آلاف متر مربع لا يقطعها إلاّ بعض المناطق الأثرية ككنيسة سانت ستيفان التابعة للكنيسة البلغارية، ومستشفى يهودي، ومكتبة تاريخية، وبعض المساجد الأثرية، ومنطقة فيس خانه التي كانت المكان الأهم لتصنيع بدلات وطرابيش الجيش العثماني قديماً. المنطقة مليئة بالأشجار ومجهزة بمطعم تابع لبلدية إسطنبول وملاعب لكرة السلة والقدم والتنس وساحات للركض وممارسة الرياضة ومراكز لعب للأطفال. في الخلف يقع سور المدينة الأثري وما يضمه من أحياء قديمة كانت مساكن لليهود واليونانيين الإسطنبوليين قبل أن يهاجروا بدءاً من خمسينيات القرن الماضي. وما زالت تضم بطريركية الروم الأرثوذكس التاريخية. أما على الضفة الشرقية للخليج فهناك مركز الخليج للمؤتمرات وبعض الحدائق وجامعة.
اقــرأ أيضاً
يقول محمد علي (70 عاماً) بينما يجلس على أحد المقاعد في الحديقة الرئيسية يتأمل "الترس خانه" أي ميناء تصنيع السفن العثماني: "أتذكر جيداً عندما جئت إلى مدينة إسطنبول من ريف قونيا في السبعينيات بحثاً عن عمل. لم أجد مكاناً أسكن فيه، فسكنت في منزل صغير في أعلى منطقة سلحدار آغا، وكانت ضفاف الخليج مليئة بالمعامل القديمة، والمياه ملوثة والرائحة تملأ المكان. كنت أعود إلى المنزل متأخراً لتجنب الرائحة الكريهة. لكنّ الأمور تغيرت خلال العقدين الأخيرين، فقد جرى تنظيف المياه وبنيت هذه الحدائق، والآن أخرج كلّ يوم صباحاً لأسير عدة كيلومترات في الحديقة، وأرتاح قليلاً، ثم أعود إلى المنزل. المكان مسلٍ للغاية وأراقب الناس فيه وأتنفس الهواء النظيف". يبتسم ويضيف: "التلاميذ المراهقون كذلك يملؤون الحديقة عند الظهيرة".
يشير محمد علي إلى الأساطير التي تتحدث عن قعر الخليج المليء بالذهب البيزنطي، وعن سفن الغنائم العثمانية التي غرقت في الخليج قبل تفريغها. وتقول الرواية الشعبية إنّ البيزنطيين بعد دخول العثمانيين إلى القسطنطينية رموا الذهب الذي يملكونه في الخليج كي لا يقع في يد العثمانيين، وكذلك أغرق الجنود العثمانيين سفينة الإمبراطور البيزنطي الأخير أثناء هربه من المدينة بكلّ ما كانت تحمله من ذهب وأموال، لكن لا أثر في المراجع التاريخية لمثل هذه الواقعة، فالإمبراطور البيزنطي الأخير قسطنطين الحادي عشر رفض عرضاً لمغادرة وتسليم المدينة وقاتل، وبالرغم من محاولات السلطان العثماني البحث عن جثته إلا أنه لم يتم التمكن من ذلك وبقيت نهاية الإمبراطور مجهولة. في كلّ الأحوال لم يخرج من قاع الخليج أثناء تنظيفه لأول مرة في التسعينات سوى خمسة ملايين متر مكعب من الوحل.
في الحديقة العديد من مراكز الحراسة وكاميرات المراقبة التي تعمل ليلاً ونهاراً لمنع حصول أيّ اعتداءات، أو تهديد أمن المكان. ولا يكاد المرء يجد له مكاناً في الصيف داخل الحديقة إذ تعج بآلاف الزائرين الذين يفترشون الأرض. تقول سميحة (40 عاماً): "الحديقة أهم مكان في هذه المنطقة، وبالإضافة إلى قرب المكان من وسط المدينة، كانت حدائق الخليج السبب الأهم لرغبتي في السكن هنا. في الصيف، لا أبالغ حين أقول إنّنا نقضي العصر والمساء في هوائها نجلس ونتحدث بينما يلعب الأطفال. باتت بالنسبة لي جزءاً من شهر رمضان أيضاً، ففي السنوات الأخيرة، وبما أنّ رمضان كان يحلّ في الصيف، كنا نفطر في الحديقة، إذ نأتي بالطعام والشاي معنا ونجلس قبل الإفطار بأكثر من ساعة وحتى صلاة التراويح التي نقضيها في مسجد أيوب، قبل أن نعود إلى منزلنا". تقاطعها جارتها: "بالنسبة لي، أتعامل مع الحديقة في الصيف وكأنّها منزلي، وأدعو الأصدقاء حتى إليها. هناك مشكلة وحيدة وهي مواقف السيارات القليلة، وعدا عن ذلك فهذه الحديقة أجمل حدائق إسطنبول بشكل عام".
لم تعد العلاقة مع حدائق الخليج تقتصر على كونها مكاناً للتنزه، بل باتت مكاناً مهماً لممارسة الرياضة أيضاً، وهو ما يشير إليه محمد (45 عاماً) في قوله: "منذ عرفت إصابتي بارتفاع الكولسترول في الدم، تحولت الحديقة إلى مكان مركزي في حياتي. ما لم يكن الجو ماطراً أو مثلجاً، أخرج كلّ يوم في الصباح الباكر، لأركض في مسارات الحديقة، ثم أستخدم الآلات الرياضية في المكان. لا أفهم لماذا يذهب البعض للتسجيل في النوادي المغلقة لممارسة الرياضة بينما لديهم حديقة نظيفة ومجهزة قرب المنزل".
اقــرأ أيضاً
باتت منطقة الخليج أو القرن الذهبي في مدينة إسطنبول في تركيا، بعد عمل دؤوب منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، مكاناً جميلاً يستقطب كثيراً من الزائرين. ويضم المكان حدائق جميلة ومطعماً والعديد من ساحات ممارسة مختلف أنواع الرياضات، في إطلالة ربما تكون الأجمل في المدينة كلّها، وهو ما ساهم كذلك في تغيير عادات الناس، وحوّل الحدائق إلى جزء لا يتجزأ من يومياتهم خصوصاً في الصيف.
تمتد الحدائق من جسر "أتاتورك" حتى حي "علي بي كوي" على امتداد الضفة الغربية للخليج بطول أكثر من 7 كيلومترات، على مساحة تتجاوز 4 آلاف متر مربع لا يقطعها إلاّ بعض المناطق الأثرية ككنيسة سانت ستيفان التابعة للكنيسة البلغارية، ومستشفى يهودي، ومكتبة تاريخية، وبعض المساجد الأثرية، ومنطقة فيس خانه التي كانت المكان الأهم لتصنيع بدلات وطرابيش الجيش العثماني قديماً. المنطقة مليئة بالأشجار ومجهزة بمطعم تابع لبلدية إسطنبول وملاعب لكرة السلة والقدم والتنس وساحات للركض وممارسة الرياضة ومراكز لعب للأطفال. في الخلف يقع سور المدينة الأثري وما يضمه من أحياء قديمة كانت مساكن لليهود واليونانيين الإسطنبوليين قبل أن يهاجروا بدءاً من خمسينيات القرن الماضي. وما زالت تضم بطريركية الروم الأرثوذكس التاريخية. أما على الضفة الشرقية للخليج فهناك مركز الخليج للمؤتمرات وبعض الحدائق وجامعة.
يشير محمد علي إلى الأساطير التي تتحدث عن قعر الخليج المليء بالذهب البيزنطي، وعن سفن الغنائم العثمانية التي غرقت في الخليج قبل تفريغها. وتقول الرواية الشعبية إنّ البيزنطيين بعد دخول العثمانيين إلى القسطنطينية رموا الذهب الذي يملكونه في الخليج كي لا يقع في يد العثمانيين، وكذلك أغرق الجنود العثمانيين سفينة الإمبراطور البيزنطي الأخير أثناء هربه من المدينة بكلّ ما كانت تحمله من ذهب وأموال، لكن لا أثر في المراجع التاريخية لمثل هذه الواقعة، فالإمبراطور البيزنطي الأخير قسطنطين الحادي عشر رفض عرضاً لمغادرة وتسليم المدينة وقاتل، وبالرغم من محاولات السلطان العثماني البحث عن جثته إلا أنه لم يتم التمكن من ذلك وبقيت نهاية الإمبراطور مجهولة. في كلّ الأحوال لم يخرج من قاع الخليج أثناء تنظيفه لأول مرة في التسعينات سوى خمسة ملايين متر مكعب من الوحل.
في الحديقة العديد من مراكز الحراسة وكاميرات المراقبة التي تعمل ليلاً ونهاراً لمنع حصول أيّ اعتداءات، أو تهديد أمن المكان. ولا يكاد المرء يجد له مكاناً في الصيف داخل الحديقة إذ تعج بآلاف الزائرين الذين يفترشون الأرض. تقول سميحة (40 عاماً): "الحديقة أهم مكان في هذه المنطقة، وبالإضافة إلى قرب المكان من وسط المدينة، كانت حدائق الخليج السبب الأهم لرغبتي في السكن هنا. في الصيف، لا أبالغ حين أقول إنّنا نقضي العصر والمساء في هوائها نجلس ونتحدث بينما يلعب الأطفال. باتت بالنسبة لي جزءاً من شهر رمضان أيضاً، ففي السنوات الأخيرة، وبما أنّ رمضان كان يحلّ في الصيف، كنا نفطر في الحديقة، إذ نأتي بالطعام والشاي معنا ونجلس قبل الإفطار بأكثر من ساعة وحتى صلاة التراويح التي نقضيها في مسجد أيوب، قبل أن نعود إلى منزلنا". تقاطعها جارتها: "بالنسبة لي، أتعامل مع الحديقة في الصيف وكأنّها منزلي، وأدعو الأصدقاء حتى إليها. هناك مشكلة وحيدة وهي مواقف السيارات القليلة، وعدا عن ذلك فهذه الحديقة أجمل حدائق إسطنبول بشكل عام".
لم تعد العلاقة مع حدائق الخليج تقتصر على كونها مكاناً للتنزه، بل باتت مكاناً مهماً لممارسة الرياضة أيضاً، وهو ما يشير إليه محمد (45 عاماً) في قوله: "منذ عرفت إصابتي بارتفاع الكولسترول في الدم، تحولت الحديقة إلى مكان مركزي في حياتي. ما لم يكن الجو ماطراً أو مثلجاً، أخرج كلّ يوم في الصباح الباكر، لأركض في مسارات الحديقة، ثم أستخدم الآلات الرياضية في المكان. لا أفهم لماذا يذهب البعض للتسجيل في النوادي المغلقة لممارسة الرياضة بينما لديهم حديقة نظيفة ومجهزة قرب المنزل".