غداً

25 مارس 2017
يوم جميل (تيم إيرلاند/ فرانس برس)
+ الخط -
الغدُ قريب. المستقبل أيضاً. قريبٌ إلى درجة الالتصاق بهذه اللحظة وكلّ لحظة. وعادة لا يغفل عنّا. يُلاحقنا وإن ظنّنا أنّنا نصنعه. لا نختار أن نرمي شيئاً الآن، فربّما يلزمنا يوماً ما. وحين يأتي هذا اليوم، الأفضل أن نكون مستعدّين، ولو بقماش مهترئٍ، أو ثيابٍ بهتت ألوانها، أو أثاث قديم قد يعود جديداً. في كلّ عام، يعود المستقبل إلى جزءٍ من الماضي، كما هو حال الموضة. على أيّ حال، الغد لناظره قريب. الأفضل إذاً أن نحتفظ بأشيائنا، فربّما نستخدمها.

لا نفهم هذا الغد أحياناً. يفترض ألّا يختلف عن اليوم الذي قبله. هو مجموعة من الأفعال، منها ما نجبر عليه، وأُخرى نختارها بإرادتنا بعد تأثيرات كل ما سبق وعشناه. هو أفعال تشبه بعضها بعضاً. مع ذلك، نصف كلّ غدٍ باليوم الجديد ونعلّق عليه آمالاً. غدٌ مثل ورقة "لوتو" ننتظر أن نربحها، ويتغيّر غدُنا المملّ، حتّى بمفاجآته.

ماذا يُخبّئ الغد القريب؟ فرصٌ أو نجاحات أو إخفاقات أو حزن أو أمراض أو حياة جديدة. أحياناً، نحمّله أكثر من قدرته. مجرّد يوم أو 24 ساعة، قد ينتهي فيه العالم، ويذوب الناس دفعة واحدة، وقد يكون مجرّد يوم عادي. أفعاله هي هي. استيقاظ وتمارين رياضيّة ربّما وعمل وطهي ولقاء أصدقاء وحمام ساخن ونوم. وقبل أن نغفو، ربّما نفكّر في الغد القريب. مفاجأة واحدة فقط، مثل هديّة تغلّف بورقة جميلة. وها نحن نغمض عيوننا طوال الليل، وقد أتقنّا ما يجب فعله للحصول على المفاجأة. ربّما لهذا السبب ننام. وللسبب عينه، نُطيل إغماض عيوننا.
بعضُنا ربّما يفضّل ألّا يستيقظ، ويحلم في ذلك الغد الذي ينتظره، وفي تلك الهديّة المغلّفة بشكل جيّد.

الغد قريب كتوقيت ليس إلّا، بعد 24 ساعة، 20 ساعة، ساعتين فقط. غدٌ بات يوماً جديداً، أو عبئاً على أعمارنا، وإن حاولنا تجميل الصورة وقلنا إنها خبرة. نحنُ اليوم أو الغد سابقاً أجمل. نظهرُ مثل غدٍ نتمنّاه لأنفسنا، مثل صورنا على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل لقطة جميلة، مثل عينٍ تقرّر الانفصال عن بقية الحواس.

غداً نشتري الأثواب في المحال، ونأكل ما نشتهيه من حلويات، من دون أن ننتظر غداً جديداً لنقيس أحجامنا الجديدة. غداً نفكر في غدٍ يليه، أو نتبرّأ منها جميعاً، ونهرب إلى أماكن لا يتحرّك زمن فيها. لا ساعات ولا شمس تشرق وتغيب. لا ماضيَ ولا مستقبل. لا أحلام تولد كبيرة بعكسنا، ولا نلتقي فيها إلّا مرّة واحدة في حياتنا.

لن يحصل شيء غداً. كلّ شيء عادي. لا فرادة. لا هدايا لا نتوقّعها، أو نختارها قبل أن تُغلّف، ونُفاجأ ببلاهة. غداً قريب، ومعه اليوم الجديد وأحلامنا التي تصغر قبل أن نلتقي بها.

المساهمون