الإجازة المدرسية الفصلية في قطاع غزة بدأت، لكنّها لا تحمل كثيراً من الفرح للتلاميذ الذين يعانون للحصول على فرصة لهو في ظلّ أزمات متباينة هناك.
في العاشر من يناير/ كانون الثاني الجاري، بدأت الإجازة المدرسية الشتوية الرسمية لمدارس قطاع غزة والضفة الغربية، في فلسطين المحتلة، لكنّها في غزة ليست سعيدة كالأعوام الماضية، نتيجة الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وهكذا بات أطفال القطاع يفضلون الدوام المدرسي عليها، إذ إنّها بعيدة عن اللعب والبهجة.
في عام 2018 وحده، أقفلت خمس وعشرون منشأة سياحية وترفيهية في غزة، بحسب الغرفة التجارية، في ظل عدم قدرة هذه المنشآت على تغطية التكاليف التشغيلية، وضعف الإقبال عليها. وهكذا لم يبقَ في القطاع بأكمله غير خمس منشآت ترفيهية مخصصة للأطفال. كذلك، يشهد قطاع غزة، نتيجة الزحف العمراني والازدحام السكاني وقلة المتنزهات العامة والترفيهية في العديد من المحافظات، اكتظاظاً كبيراً في الأماكن التي ما زالت متاحة للأطفال، كما في ساحة الجندي المجهول. يضاف إلى ذلك ضعف القدرة المالية لدى الآباء لاصطحاب أبنائهم إلى بعض الأماكن الترفيهية ذات الكلفة البسيطة حتى. وهكذا بات الأطفال، في معظمهم، يجدون في الشارع ملاذهم، لكنّه لا يكفي شغفهم، ولا يملكون المال لشراء بعض الألعاب الصغيرة، أو البنانير (البيل) حتى.
سالم صيام (7 أعوام) في الصف الثاني الابتدائي، يقيم في حي النصر، غربي مدينة غزة. يكره الشارع ويفضّل المدرسة عليه وعلى المنزل. يحب تحديداً الفسحة المدرسية التي تمتد إلى نصف ساعة، كما يحب وقت المغادرة لأنّه يلعب في هاتين الفترتين مع أصدقائه. بات يعرف جواب والده مسبقاً إذا طلب منه الخروج للترفيه: "لا أملك المال وأنتظر عودة راتبي كاملاً". يقول سالم إنّ والده يقول ذلك طوال العام. أما عن نشاطاته، فيشير إلى "العربي الجديد" إلى أنّه يشاهد التلفزيون، خصوصاً أنّه إذا ذهب مع أهله إلى منطقة الميناء أو الجندي المجهول أو السرايا لا يفرح بذلك بسبب الاكتظاظ وعدم نظافة المكان.
أحمد شهاب (8 أعوام) في الصف الثالث الابتدائي، يقيم مع أهله في مخيم الشاطئ. لا يريد الإجازة المدرسية، لأنّ أسرته تمنعه من لعب البنانير في الشارع، إذ إنّ شوارع المخيم مليئة بالمياه الآسنة. يتمنى أن يكون هناك متنزه بالقرب من منزلهم، ففي المخيم لا وجود إلّا لمتنزه واحد دمره القصف الإسرائيلي عام 2009 ولم تجرِ صيانته بعد. يقول أحمد لـ"العربي الجديد" إنّ أصدقاءه أيضاً يكرهون الغياب عن المدرسة، فهم يريدون أن يلعبوا معاً فيها وراء دورات المياه، بعيداً عن قذارة شوارع المخيم.
لكنّ يوسف رضوان (9 أعوام) في الصف الثالث الابتدائي، من مخيم الشاطئ، يحبّ الإجازة المدرسية لأنّه يقضيها في منزل جدّته، ويجتمع مع أبناء أعمامه وخالاته ويلعبون داخل المنزل، لكنّ والديه يمنعونه من النزول إلى شوارع المخيم، ويذكر أنّ المرة الأخيرة التي ذهب فيها إلى "مدينة السندباد للألعاب" كانت قبل عام ونصف العام. يعبّر لـ"العربي الجديد" عن سعادته بإمضاء الإجازة المدرسية هذا العام في منزل جدته، واللعب فيه مع أقاربه. يؤكد أنّ المدرسة مملّة، وليس فيها من شيء جميل غير الفسحة. عدد حصص الرياضة والرسم قليل جداً في مدرسته، بل إنّ بعض هذه الحصص يحتله معلمو الرياضيات واللغة العربية. يتابع أنّه لطالما طلب من والده الخروج إلى الأماكن الترفيهية، لكنّ والده أخبره أنّه لا يملك المال، وأن لا مكان جيداً للأطفال في غزة سوى الميناء المزدحم بالناس.
تلاحظ المرشدة التربوية، فدوى الأطبش، من مدرسة "غزة الجديدة المشتركة، أ" أنّ التلاميذ لا تتاح لهم الفرصة لزيارة أماكن ترفيهية جديدة تلبّي فضولهم، وتساهم في نموهم وتنشئتهم، في ظل الأزمات في القطاع، والحرمان من الحاجيات الأساسية والترفيهية لدى الأسر الغزّية. قبل الإجازة مباشرة، كانت الأطبش في أحد فصول الصف الثالث الابتدائي، في جلسة تربوية مع التلاميذ، وأرشدتهم فيها إلى بعض النصائح لاعتمادها خلال الإجازة المدرسية، بهدف تجديد نشاطهم الدراسي خلال الفصل المقبل. لكنّ بعض التلاميذ سألها عن المكان الذي سيذهبون للعب فيه، بل ضحك أحدهم وهو يقول إنّ مياه الصرف الصحي تملأ الشوارع عندما تمطر، وغزة صغيرة ولا مكان جميلاً فيها. وتقول الأطبش: "أطفال غزة مجبرون على أن يعيشوا حياة الكبار، كنتيجة للظروف السياسية التي تحيط بهم، والحرمان من حاجاتهم، مع العلم أنّ عدم زيارتهم أماكن ترفيهية ينعكس سلباً على أدائهم المدرسي، ويؤدي إلى إحباط بعضهم، بل يجد الطفل نفسه يبني أحلاماً للخروج من مدينته التي حرمته من كلّ شيء".