جامعات بديلة.. واقع طلاب تركيا بعد محاولة الانقلاب

09 اغسطس 2016
طلاب يتظاهرون مندّدين بمحاولة الانقلاب (آدم ألتان/ فرانس برس)
+ الخط -

اليوم، بعد محاولة الانقلاب في تركيا، يخاف طلاب جامعيون كثيرون على مستقبلهم، الدراسي وكذلك المهني، خصوصاً هؤلاء الذين كانوا يقصدون جامعات "حركة الخدمة" التي أُغلِقت. كذلك يخشون من التعرّض لتمييز ووسمهم بالانقلابيين.

امتدت انعكاسات المحاولة الانقلابية في تركيا، في منتصف يوليو/ تموز الماضي، إلى كلّ مؤسسات البلاد. وقطاع التعليم الجامعي واحد من أكثر القطاعات تأثراً بها، خصوصاً أنّ "حركة الخدمة" بزعامة فتح الله غولن والمتهمة بمحاولة الانقلاب، كانت قد عملت منذ بداية سبعينيات القرن الماضي على توسيع نفوذها عبر بناء المدارس والمساكن الطالبية والجامعات. فعمدت الحكومة التركية إلى مصادرة كل الجامعات التابعة للحركة، والتي يصل عددها إلى 15 جامعة على الأراضي التركية كافة.

تضمّ الجامعات التابعة لحركة الخدمة نحو 65 ألف طالب، وتتوزّع على أكبر المدن التركية. فنجد جامعتين في العاصمة أنقرة، وثلاث جامعات في مدينة إسطنبول، وثلاث أخرى في مدينة إزمير، وجامعة واحدة في كلّ من بورصة وسامسون ودياربكر وقايسري وقونيا وعنتاب وأضنة.

أغلق مجلس التعليم العالي التركي كلّ هذه الجامعات بموجب مجموعة من القرارات السريعة، قبل أن يتراجع عن بعضها ويعدّل بعضها الآخر، وذلك في محاولة لتخفيف أيّ ضرر قد يلحق بطلاب هذه الجامعات. وبعدما صدر القرار الأول بنقل جميع الطلاب في الجامعات التابعة لحركة الخدمة إلى الجامعات الحكومية في الولايات ذاتها، عاد مجلس التعليم العالي عن قراره على خلفية اعتراضات الطلاب. وأعلن أنّه سوف يعيد توزيع الطلاب بحسب درجاتهم والمفاضلة التي كانت معتمدة عند دخولهم إلى الجامعة، على أن يبقوا في الاختصاص نفسه والسنة الدراسية نفسها، ويكملوا دفع الأقساط المالية التي كانوا يسددونها لجامعاتهم المغلقة.

على الرغم من ذلك، ما زالت تحديات وصعوبات كثيرة تواجه طلاب هذه الجامعات، وكذلك أسئلة كثيرة لم يجدوا لها أجوبة بعد. وقد أطلِقت حملة على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي شارك فيها طلاب وبعض الأكاديميين، تحت وسم "مجلس التعليم العالي لا تظلمنا".

وتطالب مجموعات كبيرة من هؤلاء الطلاب مجلس التعليم العالي بالعودة عن قرار إغلاق الجامعات والاستعاضة عن ذلك بتحقيقات وإعادة هيكلة في كوادر هذه الجامعات التي تُصنّف بحسب القانون التركي "جامعات وقفية"؛ أي الجامعات غير الربحية. وتطرح تلك المجموعات اقتراحاً آخر يقضي بإبقاء الطلاب مع أساتذتهم في المباني التي كانوا يدرسون فيها، مع إيجاد صيغة لإلحاقها بأي جامعة حكومية أخرى.




يوضح الأكاديمي إبراهيم شفيق وهو أستاذ مساعد في قسم الهندسة الطبية الحيوية في جامعة غيديز التي أغلقت، أنّ قرارات مجلس التعليم العالي كانت سريعة وغير مدروسة بشكل كافٍ. يقول لـ "العربي الجديد": "من الواضح أنّهم لا يعرفون على وجه الدقة ما يفعلونه في الجامعات التي أغلقوها. ثمّة الكثير مما يمكن القيام به، وهي إجراءات ليست صعبة. من الممكن إعادة تسمية هذه الجامعات، وتعيين عمداء جدد لها وكذلك مجالس إدارة جديدة، وتحويلها إلى جامعات مستقلة تابعة للدولة".

أينور إقبال طالبة في السنة الرابعة في كلية الطب في جامعة الفاتح، تقول: "لم أختر جامعة الفاتح انطلاقاً من أيّ اعتبارات سياسية. كلّ ما في الأمر هو أنّني كنت أريد أن أصبح طبيبة، وتقدّمت في المفاضلة إلى جامعات مدينة إسطنبول، لأنّني أقيم وأهلي في المدينة". تضيف: "اليوم، سوف يعيدون توزيعنا على الجامعات. لا أودّ مغادرة إسطنبول، خصوصاً أنّ من شأن ذلك أن يزيد الأعباء المالية على والدي. إلى جانب القسط الجامعي الذي سوف أستمر في دفعه، قد أضطر إلى دفع مصاريف سكن ومعيشة، بالإضافة إلى الخوف من بدء حياة جديدة بعيداً عن الأهل". وتتابع: "سجّلت نفسي في الفصل الصيفي ودفعت ما يتوجّب عليّ، لكنّني لم أستطع إنهاءه بعد. لا أعرف مصير هذه الأموال".

ويتخوّف بعض الطلاب من أن يؤثّر توزيعهم على جامعات أخرى على المستوى التعليمي الذي كانوا يحصلون عليه. ويقول محمد ألتنداغ وهو طالب في السنة الرابعة في كلية الهندسة الصناعية في جامعة غيديز في إزمير: "لقد تقدّمت إلى جامعة غيديز بعدما بحثت مطوّلاً حول الكادر التعليمي في الكلية. واستطعت الحصول على إعفاء قدره 25 في المائة من قيمة المصاريف. لا أعرف الآن إن كان هذا الإعفاء سوف يؤخذ بعين الاعتبار، أثناء تحويلي إلى جامعة أخرى". يضيف: "أتلقى التعليم بأكثر من 30 في المائة باللغة الإنكليزية، وهذا أمر سهّل عليّ البحث في المراجع. لكنّني لا أعرف إن كنتُ سوف أرسل إلى جامعة تقدّم التعليم باللغة الإنكليزية، أو حتى تمتلك الإمكانات نفسها لجهة الكوادر والخدمات والمختبرات المتوفّرة في جامعة غيديز".

كذلك لم تجب قرارات الحكومة عن أسئلة كثيرة متعلقة بمستقبل الطلاب الذين كانوا في مرحلة الدراسات العليا. ويقول مراد (تحفّظ على ذكر اسمه كاملاً) وهو طالب دراسات عليا في كلية التعليم في جامعة الفاتح في إسطنبول: "كنت قد أنهيت المواد المتوجّبة عليّ في إطار الدراسات العليا، ودخلت مرحلة كتابة رسالة الماجستير. الآن لا أعرف ما الذي سوف يحصل، من يشرف على رسالتي، هل أستمرّ في كتابتها، أم عليّ إعادة الدراسة من البداية؟ قصدت مجلس التعليم العالي، لكنّ الأمور غير واضحة بعد".

تلت محاولة الانقلاب حملات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي ضدّ الجامعات التابعة لحركة الخدمة، ووُصِف طلابها بالانقلابيين. يقول ألتنداغ: "قبل إصدار مجلس التعليم العالي قراراً بإعادة توزيعنا وفقاً لدرجاتنا والمفاضلة في السنة التي تقدّمنا فيها إلى الجامعة، بحثتُ عن جامعة أخرى. لكنّ تمييزاً لم أتوقّعه، واجهني. تحدّثت عبر الهاتف مع جامعة ياشار في إزمير التي تضمّ اختصاصي نفسه، لكنّهم أبلغوني بأنّهم لن يقبلوا أيّ طالب من الجامعات المغلقة". يضيف: "أكثر ما يخيفني هو احتمال تعرّضنا لتمييز مثل هذا في الجامعات الجديدة، ووسمنا بلقب الانقلابيين. كذلك الأمر بالنسبة إلى العمل في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص، خصوصاً أنّ مجلس التعليم العالي أقرّ بأنّ الشهادات الممنوحة لنا سوف تكون باسم الجامعات التي أغلقت".