العمالة الماهرة... ألمانيا تغري المهاجرين المتخصصين

12 اغسطس 2019
الأولوية للمهاجرين المتخصصين من الآن فصاعداً (أليكساندر كويرنر/ Getty)
+ الخط -

تستعدّ ألمانيا لاستقبال موجات كبيرة من المهاجرين، لكنّها هذه المرة تريد أن تختارهم اختياراً علمياً، هدفه رفد سوق العمل بالعمالة الماهرة

انتهى النقاش المستمر منذ عقود بشأن قانون الهجرة الجديد في ألمانيا، بعدما أقرّه البوندستاغ (البرلمان الاتحادي) أخيراً. يسمح القانون بإعطاء فرص قانونية إضافية للهجرة الشرعية وكبح هجرة اللجوء، بعدما جرى حذف بعض القيود المفروضة ليتسنى لكثيرين من أصحاب الكفاءات الوصول إلى ألمانيا.

وفي حال سارت الأمور كما هو مخطط لها، فقد يصل عدد العمال الأجانب المهرة إلى عشرات الآلاف سنوياً، وهدفهم تولّي وظيفة أو بدء تدريب مهني أو البحث عن عمل بإقامة لمدة ستة أشهر. ومن المتوقع أن يترجم ذلك فعلياً، بعد إلغاء حق الأولوية لمواطني الاتحاد الأوروبي بالوظيفة، شريطة أن يجيد أصحاب المهن اللغة الألمانية، ويكونوا مؤهلين بدرجة كافية للعمل أو البحث عن وظيفة مناسبة تبعاً للاختصاصات المطلوبة.



يأتي هذا القانون، بعد الكشف عن توقعات بتقلص عدد المواطنين في سنّ العمل، ستة ملايين شخص خلال الأعوام الخمسة عشر المقبلة، مع نموّ عدد المتقاعدين بنفس المعدل، وهو ما سيزيد العبء على الصناديق الاجتماعية، ويدفع للرهان بأن تساعد العمالة المتخصصة الآتية إلى ألمانيا في الحدّ من التكاليف، فتدفع الضرائب بعد حصولها على عقود التوظيف. ولتحقيق هذه الخطة، بات ينبغي على السفارات في الخارج أن تواكب قرار البرلمان بالتنفيذ وإعطاء تأشيرات، على الرغم من أنّها تعاني من نقص الموظفين، وما يتطلبه هذا الأمر من تعزيز للكادر البشري لمعالجة الطلبات في أقصر وقت ممكن، وإلّا فإنّ قانون الهجرة الجديد سيكون مهدداً.

بدورها، حثّت غرفة التجارة والصناعة الألمانية الحكومة الاتحادية، على تسهيل الآليات واتخاذ كلّ ما يلزم لتسريع الإجراءات في ظلّ الاستعدادات القائمة لبدء العمل بقانون الهجرة الجديد. وقال رئيس الغرفة، إريك شفايتسر: "مطلب الشركات اعتماد إجراءات سريعة وفعلية مع العمالة الماهرة من خارج الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2020"، مشيراً إلى أنّه يتعين زيادة عدد الموظفين في السفارات والقنصليات في الخارج، بهدف تقليص فترة الانتظار للحصول على المواعيد، على أن تستتبع بإصدار تأشيرات خلال أسابيع قليلة. وكشف أنّ مثل هذه الإجراءات تتطلب حالياً مدة عام كامل تقريباً، علماً أنّ الترجيحات تفيد بأنّ أكثر المتقدمين قد يكونون من أصحاب الكفاءات في دول العالم الثالث.

يأمل رؤساء القطاعات الصناعية أن يحقق قانون الهجرة الجديد، المقرر البدء في تطبيقه بداية من العام 2020، المطلوب، وهو أن يبرهن العمال الماهرون كفاءتهم ومؤهلاتهم، وذلك بعدما جرى تقليص العقبات بموجب القانون الجديد بشكل كبير، في ظل النقص الفادح الذي يشكل تحديات كبيرة للشركات والمصانع في ألمانيا. تشير الأرقام إلى 1.5 مليون وظيفة شاغرة في المؤسسات والشركات والقطاعات الإنتاجية، لا تتمكن القوة العاملة الداخلية من سدّها.

عامل نيجيري في ألمانيا (Getty)


في المقابل، هناك خشية من الرابطة المركزية لصناعة البناء والتشييد الألمانية، من عدم تمديد نظام العمل لمواطني دول غرب البلقان مثل كوسوفو وألبانيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا والجبل الأسود وصربيا، الساري حتى نهاية عام 2020، لكون قانون الهجرة الجديد لم يعطِ فرصة لأصحاب المهارات المنخفضة، ولم يتضمن استثناءات. وبينت التقارير أنّه في ظلّ طفرة البناء في ألمانيا، والاتكال شبه الكلي على مواطني هذه الدول وعدم قدرة النشاط التدريبي لتلك القطاعات في البلاد على تغطية النقص الحاصل، يعتبر وجودهم أمراً بالغ الأهمية، إذ عمل قرابة 40 ألف شخص عام 2018 في هذا القطاع عمالاً مساعدين بعدما حصلوا على تصاريح إقامة بموجب عقود عمل ملزمة. وفي هذا الإطار، اعتبرت خبيرة السياسة الاجتماعية كاترين كاندوروف، المنتمية إلى الرابطة، أنّ القطاع سيتعرض لنكسة كبيرة ما لم يتم تجديد قانون عمالة دول غرب البلقان، والبديل خلق المشرعين استثناءات إضافية لصناعة البناء والتشييد، أي تأمين استمرارية العمل وعدم تحميل المطورين في هذا القطاع خسائر عن التأخر في إنجاز المشاريع.

وفي ظل جهود السلطات الألمانية لإدارة الهجرة وانخراط اللاجئين في سوق العمل، برز مؤشر جيد أخيراً عن المعهد الألماني لأبحاث سوق العمل والتوظيف، يفيد بأنّ نحو 35 في المائة من اللاجئين الذين وصلوا إلى البلاد منذ عام 2015، يعملون حالياً. وبينت صحيفة "دي فيلت" أنّ هذه النسبة قد تصل إلى حدود 400 ألف شخص، مشيرة إلى أنّ الوضع يتجه نحو التحسن. وشملت الوظائف قطاعات الإنتاج والخدمات اللوجستية وأعمال النظافة والمطاعم، ما يشير إلى تقدم جزئي للاندماج الذي تسعى إليه المؤسسات في ألمانيا، الذي يترجم بشكل مؤكد في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام.



من جهتها، بينت صحيفة "تاغس شبيغل" أخيراً أنّ 25 في المائة من اللاجئين الشباب يحملون شهادات جامعية، أو شهادة علوم مهنية أو تقنية، من بينهم نسبة كبيرة من أصحاب الخبرة، وهو ما بيّنه هربرت كروكر، مدير "معهد برلين لدراسات الهجرة والاندماج". وأكد للصحيفة نفسها أهمية الخبرة التي يمتاز بها هؤلاء، وهي تزيد في كثير من الحالات عن عشر سنوات، وهو مطلب أساسي ويتوافق مع هيكلية وحاجات سوق العمل الألماني، كاشفاً أنّ 36 في المائة من اللاجئين الذين وصلوا منذ عام 2015 يعملون بأجر أو حصلوا على تدريب مهني، من بينهم 80 في المائة يتكفلون بالالتزامات الضريبية والتأمين الاجتماعي. تابع أنّ سوق العمل الألماني في حاجة إلى 400 ألف مهاجر سنوياً، من أجل تعويض النقص في اليد العاملة، لكنّه تخوف في الوقت عينه من تداعيات نقص العمالة وتأثيرها على نظام تعويض البطالة وأنظمة التأمين الصحي والتقاعدي، التي تزيد تكاليفها مع تقدم الأفراد في السنّ.

من جهتهم، يؤكد الخبراء أنّ المطلوب هو الاهتمام بسياسة التوظيف بعيداً عن عشوائية فتح الأبواب، التي من شأنها أن تترك انعكاساتها السلبية على المجتمع عموماً، وهو ما أوضحه السياسي الاقتصادي المنتمي إلى الحزب المسيحي الديمقراطي يواخيم فايفر. من هنا، يعوّل الائتلاف الحاكم بعد إقرار القانون الجديد على استقطاب عشرات الآلاف من العمال المهرة والمتخصصين، ومن المتوقع استقدام نحو 25 ألفاً منهم سنوياً بعد تسهيل وصولهم إلى ألمانيا.
المساهمون