حلو المذاق

26 نوفمبر 2016
لم تجد الحياة التي تليق بها (من الفيلم)
+ الخط -
إذا ما اضطررنا إلى استخدام عبارة مكرّرة ومملّة، نقول إن الحياة كانت تليق بآنّا. ما من ميزة في هذه المرأة التي تجسّد شخصيّة البطلة في الفيلم الإسباني "الجريح"، ليمنحها أياً كان الحقّ في الحياة بالصور الورديّة التي نتخيّلها حين نستخدم عبارة "تليق بها" أو أنّه "لا ينقصها شيء". وأيّ نقصٍ ضمن مفاهيم غير منطقيّة قد يحرم شخصاً ما من حياة يريدها. الاستسلام إلى هذه المفاهيم، والتي قد تشمل المستوى التعليمي والجمال والذكاء، تستوفيها آنّا. لكنّ الفيلم انتهى من دون أن تجد الحياة التي تليق بها.

في طريق جبلي، كانت تقود سيّارتها الجديدة، التي خالت أنّها قد تكون جزءاً من هذه الحياة، وتبكي. بكاءٌ يشبه رشّ مياه على بقعة مغبرّة. أرادت تنظيف جسدها من جروح مختمرة. وفي النهاية، عليها أن تعتذر من الآخرين استجابة للوم الذات. فهي حقدت على الجميع بعدما تخلّى عنها والداها، ولأنها لم تجد حباً كانت تبحث عنه طوال الوقت. أرادت عناقاً. رغبت في أن تنسى جسدها ملقىً على جسد آخر لبعض الوقت. هذه الحياة التي أرادتها، والتي كانت بعيدة عنها. تسير في الشوارع وتضرب بيديها واجهات المحلات. تغضب وتعتذر. هذه الملامح الكئيبة لا يريدها أحد، وإن كانت جميلة. حين يسقط حزنٌ فوق جسد، قد يتكسّر. وهذه القصائد عن عيون حزينة هي مثل حياة نردّد أنها تليق بنا. هي ملكنا أصلاً. وأيّة تتمّة تفسد كل شيء.

كانت آنا تعاني من اضطراب نفسي. تنتقم من الحياة فتجرح جسدها. والألم؟ ينتهي. ربّما ينسيها ولو قليلاً ألماً داخليّاً. هل نتعاطف معها؟ وهل يتعاطفون معنا؟ مثل آنا كثيرون. ردود أفعالهم تُترجم جروحاً ينفيها أصحابها أو يتعايشون معها أو يعترفون بها. يتصرّفون ويعتذرون. ومن حين إلى آخر، يضيفون، أو يضاف إلى حياتهم، أشخاصاً جدداً. أولئك القدامى سئموا من جروحهم وباتوا يبحثون عن حياة تليق بهم. وأولئك المجروحون يقضون أوقاتهم في معالجتها.. ويعتذرون.

من السهل القول إن أشخاصاً كثيرين يعانون من مشاكل نفسية، أو إن ظروفهم الاجتماعية جعلت منهم كائنات لا تعرف أن تعيش. الحياة تليق بنا. وحين يموت شخص نحبّه، نفرغ الحياة من كل شيء. نحوّلها إلى شجرة ونقتلعها. نحن كما نحن. نضحك ونغضب ونصرخ ونجرح ونتألم ونبكي ونرقص ونحب ونكره ونعتذر. نحن كما نحن.

وفي الحياة كلّ شيء. ربّما يمكننا إعداد المربى، فمذاقه حلو. وكلّما تناولنا المزيد منه، هدأت ملامحنا وهدأت معها حياتنا. كان يمكن لآنّا أن تجد الحياة التي كانت تبحث عنها، لو أنها شغّلت الراديو في سيارتها الجديدة.

دلالات
المساهمون