حضانات لبنان.. الترخيص أيضاً لا يمنع الإهمال

20 ابريل 2015
المسؤولية تقع على الحضانة والأهل معاً (حسين بيضون)
+ الخط -

مع ازدياد حالات الإهمال في دور الحضانة في لبنان، والحديث عن وجود حضانات غير مرخصة، طلب وزير الصحة وائل أبو فاعور إجراء مسح شامل، وإقفال تلك الدور فوراً، بانتظار استيفائها الشروط.

ورغم ذلك، فإنّ القطاع الذي يعتبر أساسياً للبنانيين، لا يعاني الإهمال في الحضانات غير المرخصة فقط، بل يلحق بعض المرخص من بينها شيء منه أيضاً. وتدور التساؤلات في لبنان حول كيفية تمكن تلك الحضانات من العمل لسنوات، من دون أيّ ترخيص، ويذهب البعض إلى أنّها محميّة سياسياً.

تقول سلوى صفير، وهي أم لثلاثة أطفال لـ"العربي الجديد": "كلما علمت بحادث وفاة طفل في إحدى دور الحضانة أخاف على أطفالي". تضيف: "كلنا نضع أطفالنا في الحضانات، لكي نستطيع العمل وتأمين المعيشة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. إلاّ أنّنا نصدم بمثل هذه الحوادث التي تدفعنا إلى إعادة التفكير بإرسالهم إليها".

من جهته، يروي عفيف خوري تجربته الشخصية. فهو كاد يخسر طفلته التي تبلغ سنة ونصفاً. يقول لـ"العربي الجديد": "ما إن دخلت الى إحدى الحضانات، حتى وجدت ابنتي سارة مغطاة بالكامل بغطاء النوم حتى تكاد تختنق. صرخت على المسؤولين هناك، وحمّلتهم مسؤولية أيّ مكروه قد يحصل لها. ربما هو القدر الذي أنقذ ابنتي وسط هذا الإهمال الواضح".

لا تستوفي الشروط

توفي أخيراً الطفل أ. س. في إحدى الحضانات في محافظة جبل لبنان. فيما سارعت وزارة الصحة إلى إقفال الدار، خصوصاً أنّها لا تحمل ترخيصاً.

في هذا الإطار، تبدي نقيبة أصحاب دور الحضانة في لبنان، هناء جوجو، استياءها من "هذا الوضع السيئ الذي وصلت إليه دور الحضانة غير المرخصة". تقول لـ"العربي الجديد": "للأسف، الإهمال في دور الحضانة ليس جديداً. فكثيراً ما سمعنا بمثل هذه الحوادث، من دون أن نجد حلاًّ جذرياً تلجأ إليه الدولة. ولهذا نطلب من وزارة الصحة الحسم نهائياً في هذا الملف، ووضع حد للحضانات غير المرخصة. فتلك الحضانات لا تستوفي الشروط من ناحية الاعتناء بالأطفال، ومبانيها غير صالحة".

من ناحية أخرى، تدعو جوجو الأهالي إلى "التروّي قبل إرسال أطفالهم إلى أيّ حضانة، حتى المرخص منها، لأنّ من الضروري جدا أن يكون لدى الأهل كافة المعلومات حول سلامة الغذاء، ووجود الكهرباء، بالإضافة إلى موضوع أكثر حساسية وهو معرفة من يقوم بتنظيف الطفل وتغسيله، خصوصاً أنّ من يتولى المهمة سيلمس الأعضاء التناسلية للطفل. كما من الضروري أن يعرف الأهل الأشخاص الذين يعتنون بأطفالهم، وكيف يمسكونهم ويحتضنونهم".

تضيف جوجو: "هذه النقاط أساسية، ومن الواجب على الأهل معرفتها. فالمسؤولية لا تقتصر على دور الحضانة وإداراتها، بل تمتد إلى الأهل الذين يتوجب عليهم مراجعة الحضانة بشكل دائم، للاطلاع على حسن سير الأمور والاطمئنان على أطفالهم". وفي هذا الإطار، تقول: "بكل أسف نسمع بين الحين والآخر عن تكتم بين الأهل وأصحاب دور الحضانة، في حال حصول أيّ خطأ في الاعتناء بأطفالهم. وقد يكون هنالك تواطؤ مع الطبيب الشرعي الذي يعدّ تقارير حالات الوفاة. كما قد يكون هنالك اتفاق ضمني بين الأهل وصاحب دار حضانة في التستر على أيّ مخالفة، مقابل المال".

كذلك تشير إلى أنّ "من المهم جدا أن يكشف الأهل عن الحالة المرضية لطفلهم لإدارة الدار، بهدف التعامل معه بما يتناسب مع حالته، تجنباً لأيّ ردود فعل سلبية على صحة الأطفال". وفي هذه النقطة بالذات، تطالب جوجو وزارة الصحة بتشديد الرقابة على دور الحضانة، مع استمرار تلك الرقابة بشكل دائم، لا لفترة قصيرة فحسب".

بدوره، يقول نقيب أصحاب الحضانات المتخصصة في لبنان، شربل أبي نادر لـ"العربي الجديد": "السبب الأساسي في تكرار مثل هذه الحوادث الأليمة، يتعلق بوجود دور حضانة غير مرخصة. المطلوب من وزارة الصحة أن تحسم الملف نهائياً، من دون إعطاء أي مهلة للحضانات غير المرخصة لتسوية الأوضاع. هناك تجاوزات عديدة في هذه القضية، لا فقط بخصوص دور الحضانة غير المرخصة، إنما أيضاً في وجود دور حضانة داخل المدارس. وهو ما يعتبر غير قانوني".

رقابة مشددة

يشير القانون إلى أنّ المطلوب من كل دار حضانة، عرض رخصتها خارج المبنى، عبر إلصاقها على الحائط. وتتولى وزارة الصحة وكذلك البلديات متابعة هذا الإجراء. ويلحظ القانون ضرورة توفر مساحة معينة لدار الحضانة، ووجود ممرضة فيها، وأمينة سر، وغيرها من الإجراءات حتى تستوفي الشروط.

وبخصوص إجراءات وزارة الصحة، تقول رئيسة دائرة صحة الأم والطفل في وزارة الصحة، باميلا زغيب منصور لـ"العربي الجديد": "منذ عام 2010 نشدد على ضرورة ضبط دور الحضانة غير المرخصة، لأنّ الحوادث الأخيرة جرت في مثل هذه الدور. فواحدة من الحوادث جرت داخل منزل يتخذ كحضانة. وأخرى في مدرسة. وكلاهما مخالف ولا يملك الترخيص".

تضيف: "وزارة الصحة تشدد على الرقابة ووضع الشروط اللازمة لكي تستحق أي حضانة العمل. وحسم وزير الصحة وائل أبو فاعور الملف منذ ثلاثة أشهر، طالبا من أصحاب دور الحضانة غير المرخصة تسوية أوضاعهم، والتقيد بالشروط القانونية التي وضعتها وزارة الصحة للحفاظ على سلامة الأطفال، سواء لناحية تأمين البناء السليم ووجود ممرضة ومتخصصة في التربية الاجتماعية، أو لناحية عدد الأطفال الذي يحدده القانون بعشرة في كلّ دار. لكنّ العدد أكبر من ذلك بكثير في بعض الحضانات، وبذلك لا يخضعون للعناية الكافية". وتشير زغيب إلى وجود 380 دار حضانة مرخصة في لبنان. وكذلك 189 حضانة غير مرخصة.

تلك الحضانات أعلن أبو فاعور أخيراً عن إجراءات بحقها. وقال: "طلبنا إجراء مسح شامل لدور الحضانة، وإقفال كل الدور غير المرخص لها، من دون مهل. وعندما تستوفي الشروط المطلوبة ستتم إعادة فتحها فورا. كما سيتم الكشف على الأطعمة المقدمة للأطفال في جميع الحضانات للتأكد من استيفائها الشروط".

وبالفعل، واصل مراقبو الوزارة، في الأسبوعين الأخيرين إقفال حضانات غير مرخصة في بيروت وضاحيتها الجنوبية، وطرابلس (شمال)، وصيدا (جنوب)، والشوف (جبل لبنان).
دلالات