أطفال القدس في محكمة الصلح

05 فبراير 2017
سيدخل قاعة المحكمة قريباً (حازم باد/ فرانس برس)
+ الخط -
عادة ما تكون ردهات محكمة الصلح الإسرائيليّة في القدس الغربيّة مزدحمة. داخل المحكمة، وهي مبنى قديم تابع للكنيسة الروسيّة، تنتظر عشرات الأسر الفلسطينيّة قرارات القضاة بشأن أطفال وشباب يُساقون إلى المحكمة مكبّلي الأيدي والأرجل، مع مرافقة أمنية من وحدة القمع الإسرائيليّة "نحشون"، المعروفة بوحشيّتها، وهي الوحدة المكلّفة بقمع احتجاجات الأسرى في داخل السجون.

يظهر شاب في مقتبل العمر لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، محاطاً بأربعة من أفراد وحدة "النحشون"، وقد جلبوه مقيّداً بالحديد. عبثاً، تحاول والدته الاقتراب منه ومعانقته. أفراد الوحدة يحولون بينهما. في النهاية، لا تستطيع الأمّ غير الدعاء له. "الله يرضى عليك يا ابني. ولا يهمّك. شدّ حيلك. إحنا بخير، كلنا بخير". أمّا الابن الذي لا تفارقه الابتسامة، فيُطمئن والدته ويطلب منها أن تلتقط له صورة وهو يمشي بين الحرّاس. لكنّ الصورة ممنوعة أيضاً، هذا ما يقوله مرافقوه الذين يظهرون فظاظة كبيرة في التعامل مع الأسرى الفلسطينيّين وإن كانوا أطفالاً.

إلى إحدى قاعات المحكمة، يدخل ثلاثة فتية كانوا قد اعتُقلوا قبل أيام بتهمة رشق الحجارة على مركبة إسرائيليّة. هم يتحدّرون جميعهم من بلدة بيت حنينا شمال القدس، وهم ليث عبد ربه ومحمد طنطش ونديم مجاهد. هؤلاء لم يتجاوزوا الثامنة عشرة من العمر. سُمح فقط لوالد ليث بالدخول إلى قاعة المحكمة، ليتغيّب عنها والدا محمد ونديم. يُذكر أنّهما لم يبلّغا باعتقال نجليهما والتحقيق معهما وتوقيفهما.

في القاعة، كان الفتية الثلاثة محاصرين من قبل أربعة من أفراد "نحشون"، وقد مُنع والد ليث من الحديث مع ابنه حتّى بالإشارات. سُمح فقط للمحامي بالتحدّث معهم وسؤالهم عن التهم الموجّهة إليهم، والتي نفوها. ولم يتمكّن المحامي من الادعاء عليهم بسبب عدم وجود أدلة، فطالب بإمهاله يوماً إضافياً، على أن يُفرج عنهم في اليوم التالي في حال عدم توفّرها. مجدّداً، أعيد الفتية الثلاثة إلى السجن لعلّ المحققين يأتون بدليل إدانة.

لم يكن اليوم التالي أفضل من سابقه. أُحضر الثلاثة من جديد. هذه المرّة، قدّم الادعاء ما قال إنّها بيّنة لم ترها القاضية لتقرر ما إذا كانت تصلح كإثبات أم لا، وقرّرت إرجاء إصدار القرار يوماً إضافياً لدراسة الدليل، في حين رفضت طلباً للادعاء بتمديد اعتقالهم خمسة أيام.
يتكرّر هذا المشهد في محكمة الصلح، التي غالباً ما تستجيب لطلبات الادعاء العام وتمنحه الوقت الكافي لتوفير دليل إدانة، حتى لو كان المتّهم من الفلسطينيين بريئاً، أو يمكن إطلاق سراحه بشروط. في العادة، لا تكترث المحكمة لمخالفة المحققين قوانين التوقيف والاعتقال في حق القاصرين من الفتية الفلسطينيين.

هكذا تسير الأمور في قاعات المحاكم الأخرى التي تضمّ قضاة من أحزاب سياسية مختلفة. وعادة ما يتمنّى أهالي الأسرى المقدسيّين ألّا يقعوا تحت رحمة قاض يميني، والذي إما أن يصدر أحكاماً بالتمديد والتوقيف لفترات طويلة، أو يحوّل المعتقلين إلى المحكمة المركزية الإسرائيلية بعدما تتوفر لديه لائحة اتهام وإدانة.


بالنسبة إلى أهالي الأسرى الفلسطينيّين، يبدو مبنى المحكمة قاسياً بقساوة الاحتلال وأنظمته وأدواته. هناك، تتجلى بوضوح عنصرية الاحتلال. فالمعاملة التي يلاقونها في ردهات الانتظار مذلّة ومهينة، من دون أن تكون هناك أيّ مراعاة للوالدة المسنّة أو الأب العجوز. في بعض الأحيان، ينتظر الأهالي ساعات طويلة، وهو أمر اعتاده الفلسطينيون، إذ يعدّ من يومياتهم. وباتت رؤية طوابير من الأطفال المعتقلين أمراً عادياً، ليخيّل إليك أنّ الاحتلال اعتقل أطفال القدس جميعاً حتى لم يبقَ أحد منهم خارج السجن.

هكذا، يساق الأطفال والشباب إلى قاعات المحكمة، ثم يعودون إلى السجن. وحين تصدر أحكام مخفّفة بحقّ أطفال بالحبس المنزلي أو التوقيع على كفالة أو دفع غرامة، تفرح العائلات ويتعانق أفرادها، وهي تدرك أن عقوبة الحبس المنزلي ستحوّلهم إلى "سجّانين". تجدر الإشارة إلى أنّ عقوبة السجن الفعلية لا تسقط عن الأطفال بالمطلق، إذ يقضونها مجدداً، وهو ما حدث مع الطفل عمر أشتي من سكان بيت حنينا، وهو أحد أبرز الأطفال الذين حكم عليهم بالسجن، على الرغم من أنّه يعاني من مرض السكري.

ويبقى أنّ الاعتقالات والتهم في حقّ الأطفال تحدث في كلّ يوم. ودائماً ما تعجّ قاعات المحاكم بالمعتقلين وأهلهم.