مدارس مصر... أزمات تستكمل في "الترم الثاني"

11 فبراير 2019
انطلق الفصل الثاني (محمد حسام/ الأناضول)
+ الخط -

لا يبدو أنّ مشكلات التلاميذ المصريين وأولياء أمورهم قد انتهت مع انطلاق العام الدراسي الجاري في سبتمبر/ أيلول الماضي. وها هم في "الترم الثاني" من عامهم يواجهون التحديات.

انطلق الفصل الثاني من العام الدراسي في مصر، فاستقبلت المدارس في خلال اليومَين الماضيَين، السبت التاسع من فبراير/ شباط الجاري والأحد العاشر منه، تلاميذها بعد إجازة تراوحت مدّتها ما بين أسبوعَين وثلاثة أسابيع. يأتي ذلك وسط مشكلات بالجملة لم تستطع الحكومة المصرية ممثّلة بوزارة التربية والتعليم حلّها، في حين يواجه وزير التربية والتعليم الدكتور طارق شوقي انتقادات لم تطاول وزير تعليم من قبل، إلى درجة أنّ البعض يصفه بـ"الوزير الفاشل" و"الوزير الذي دمّر ما بقي من التعليم". ويطالب أولياء أمور وأعضاء من مجلس النواب بإقالته من منصبه، فيما يؤكد آخرون أنّه مدعوم من النظام.

يمكن وصف أوضاع المدارس في مصر بالمتردية، نتيجة تهالك فصولها (غرف الصفوف) ومبانيها، ومحاصرتها بأكوام النفايات، والعجز في عدد مدرّسي بعض الموادّ وعمّال الخدمات، إلى جانب عدم جاهزية تلك التي تخضع إلى عمليات صيانة شاملة. كل ذلك أدّى إلى اللجوء إلى نظام الدراسة على فترتَين، الذي يرهق التلاميذ والمدرّسين وأولياء الأمور على حدّ سواء. بالإضافة إلى ذلك، ازدادت مستلزمات المدارس 10 في المائة مع بداية الترم الثاني، وعادت لتبرز أزمة نظام "التابلت" (الأجهزة اللوحية)، التي ما زالت قائمة منذ بداية العام الدراسي الجاري، وسط مطالبات بعدم تطبيقه.

ويتوقع مراقبون فشل نظام الثانوية العامّة الجديد، وعدم قدرة المدارس على تقبّل نظام "التابلت" الذي أصرّ الوزير الحالي على تطبيقه مع بداية العام الدراسي، وأقلق أولياء الأمور والتلاميذ والمدرّسين بذلك قبل ترحيله إلى الترم الثاني. ويؤكد مديرو مدارس، خصوصاً في محافظات الصعيد وفي القرى والأرياف عموماً، عدم جاهزية أكثر من 70 في المائة من المدارس لتشغيل نظام الأجهزة اللوحية فور تسلّمه، مشيرين إلى أنّ توزيع الأجهزة على التلاميذ فقط يُعَدّ هدراً للمال العام. فتلك المدارس غير متصلة بالشبكات اللازمة لذلك، على الرغم من انطلاق الترم الثاني، الأمر الذي سوف يؤدّي إلى استمرار الفوضى المسجّلة في المدارس منذ بداية العام الدراسي في سبتمبر/ أيلول الماضي.

انتهت إجازة "الترم الأوّل" (العربي الجديد)

يقول مسؤول حكومي فضّل عدم الكشف عن هويته لـ"العربي الجديد"، إنّ "مدارس مصر غير مؤهّلة للتعامل مع التابلت حالياً، وسرعة الإنترنت في المدارس لا تكفي لذلك. وحتى في حال زيادة السرعة، فإنها لن تكفي بسبب اكتظاظ المدارس بالتلاميذ. كذلك، ثمّة أزمة كهرباء في بعض القرى". ويسأل: "هل وفّرت وزارة التربية والتعليم مهندسي اتصالات لمواجهة أيّ مشكلة طارئة في التعامل مع الإنترنت؟"، مشدداً على أنّ "مدارس مصر كلها غير مهيّأة لتطبيق هذا النظام، لكنّ الوزير يخشى التراجع بعد الاستعراض الإعلامي اليومي حول التابلت، وأهميته من أجل الاستغناء عن الكتاب". لكنه يؤكد أنّ "خبراء التعليم في مصر يرفضون توجّه الوزير إلى الاستغناء عن الكتاب، وأنّ دول العالم تهتم بالكتاب المدرسي والورقة والقلم إلى جانب الوسائل التعليمية الحديثة".

ويتابع المسؤول الحكومي نفسه، أنّ "أولياء الأمور والمدرّسين والتلاميذ غير مؤهّلين لاستقبال مناهج إلكترونية من دون الاستعانة بالكتاب المدرسي، فيما الوضع الحالي يتطلّب مليارات الجنيهات وزيادة جديدة على موارد الدولة المنهكة"، لافتاً إلى أنّ "تحميل وزارة التربية والتعليم أولياء الأمور تكاليف التابلت يزيد أعباءهم، في ظل الوضع المتردي لعدد كبير من الأسر". ويكمل أنّ "المناهج التعليمية في البلاد عموماً في حاجة إلى تغيير، وما يُزعَم أنّه تطوير ليس سوى ترقيع وفشل لمنظومة التعليم التي تستوجب تغييراً كاملاً".




يتهم أحد مديري المدارس الذي فضّل الإشارة إلى نفسه باسم ياسر، خشية من اتخاذ أيّ تدابير بحقّه، وزير التعليم بـ"تدمير منظومة التعليم في مصر بالكامل"، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّ "تعليمات صدرت بمساعدة تلاميذ الصف الأول الثانوي في خلال امتحانات الترم الأوّل وتسهيل الغشّ، وقد وصل الأمر إلى حدّ تسريب أسئلة الامتحانات قبل بدايتها بساعات أو أيام من دون أن تأتي الوزارة بأيّ تحرك. وهذا ما يؤكد فشل المنظومة التعليمية، علماً أنّ تلاميذ الصف الأول الثانوي هم الذين يُطبَّق عليهم النظام الجديد للثانوية العامّة، أي النجاح بالمجموع التراكمي في خلال سنوات الدراسة الثلاث". يضيف ياسر أنّ "ثمة مدارس في صعيد مصر بمناطق جبلية، وأخرى لا تعرف شيئاً عن التكنولوجيا، من ثم كان من الأجدى تدريب المدرّسين تدريباً جيّداً على الوسائل العلمية الحديثة قبل تطبيقها". ويتابع أنه "في حال تطبيق التكنولوجيا الجديدة، سوف تعتمد مدارس قليلة جداً في مصر النظام الجديد، بينما الأكثرية لا تعرف شيئاً عن الخطط الجديدة لوزارة التربية والتعليم".

تجدر الإشارة إلى أنّ ثمة مدارس خاصة في المحافظات المصرية تعاني من جرّاء المشكلة نفسها، لجهة وصلها بشبكات الإنترنت، وقد طالب أصحاب تلك المدارس وزارة التربية والتعليم بإعفائهم من تكاليف الوصلات الخارجية على أن يتحمّلوا تكاليف الوصلات الداخلية في مدارسهم، التي تزيد عن مائة ألف جنيه مصري (نحو خمسة آلاف و500 دولار أميركي) على أقلّ تقدير، لتشغيل أجهزة التابلت أسوة بالمدارس الحكومية. وثمّة توقعات بفرض رسوم جديدة على التلاميذ من المدارس الخاصة، الأمر الذي سوف يؤدي إلى استياء أولياء الأمور.

عودة "حماسيّة" إلى المدرسة (العربي الجديد)

وكان عضو لجنة التعليم العالي والبحث العلمي في مجلس النواب، النائب مصطفى كمال الدين حسين، قد قال في تصريح سابق إنّ مشروع التعليم الجديد تجربة فاشلة بكل المقاييس، وإنّ حديث الوزير عن عدم استعداد المدارس لتطبيق هذه التجربة خير دليل على هذا، مطالباً الوزير بالرحيل قبل أن يدمّر منظومة التعليم. ولفت إلى أنه كان من الواجب إقامة حوار مجتمعي يجمع كل معنيّ بالتعليم، وتوفير بنية أساسية سليمة ومتكاملة، فضلاً عن تدريب المدرّسين ومنحهم حقوقهم المادّية والمعنوية قبل بداية المشروع. أضاف كمال الدين أنّ ثمة تخبطاً كبيراً في داخل الوزارة وتضارباً في تصريحات الوزير، فهو أعلن في السابق استعداد المدارس والوزارة لتطبيق المنظومة الجديدة للتعليم ودراسة متكاملة، لكن مع مرور الوقت وبداية العام الدراسي صرّح بعدم استعداد المدارس لذلك.

من جهته، صرّح عضو اللجنة ذاتها النائب فتحي ندا، بأنه كان يجب على الوزارة قبل البدء بتلك التجربة القيام ببحوث تجريبية قبل تطبيقها، ومعرفة العراقيل التي تحول دون التنفيذ. أضاف أنّ تطبيق منظومة التعليم الجديدة قبل دراستها بصورة كافية، دليل على أنّ التخطيط في داخل الوزارة يتم بطريقة خطأ، ومن ثم أتى التفعيل على أرض الواقع خطأً وواجه عدداً كبيراً من العراقيل. وتحدّث ندا عن إمكانية التراجع عن تطبيق هذه المنظومة إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وخصوصاً أنّ الأوضاع على أرض الواقع تبدو أكثر صعوبة وتعقيداً ممّا هي على الورق وفي التقارير، في ظلّ غياب البنية التحتية التي تسمح بتطبيق هذه الاستراتيجيات الحديثة في المدارس والمباني التعليمية.




في السياق، تتوقع مصادر في وزارة التربية والتعليم "أزمات عديدة في داخل المدارس عند تسليم أجهزة التابلت إلى التلاميذ، من بينها ثمن الجهاز الذي يقدّر بـ 4500 جنيه (نحو 250 دولاراً) الواجب سداده فوراً". تضيف المصادر لـ"العربي الجديد" أنّ "ذلك سوف يسبّب أزمة مالية لأولياء الأمور، نظراً إلى عدم قدرة كثيرين على الدفع. ومن المشكلات المتوقعة رفضهم التوقيع على إيصال يحمّلهم مسؤولية فقدان الجهاز أو حدوث عطل مفاجئ فيه وتصليحه على نفقتهم الخاصة". وتلفت المصادر ذاتها إلى أنّ "وزارة التربية والتعليم قد تصرّ على تطبيق قراراتها، وتؤكد أن التلاميذ الذين سوف يرفض أولياء أمورهم تسلّم التابلت لن يتمكّنوا من الخضوع إلى الامتحانات الإلكترونية".
دلالات