السعودية بين مواجهة الطائفية وحرية التعبير

22 أكتوبر 2015
لم تشهد البلاد مثيلاً لظاهرة أحداث الكراهية (فرانس برس)
+ الخط -

يتكرر في السعودية الحديث عن سنّ قوانين تجرّم الكراهية والطائفية، خصوصاً مع ظاهرة الحوادث التي تستهدف مساجد للشيعة شرق المملكة في العامَين الأخيرين، والتي لم تشهد البلاد مثيلاً لها من قبل، وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".

وتُنشر المقالات في الصحف السعودية التي تربط ما بين العمليات الإرهابية، وبين ما يُطلق عليهم اسم "المحرّضين" و"دعاة الكراهية" الذين ينشرون خطاباً طائفياً في المجتمع يتنافى وقيم التعايش والسلم الأهلي.

ويرى الداعون إلى قانون يجرّم الكراهية والطائفية، أنه سوف يحلّ أزمة عاجلة تتمثل بخطاب كراهية وتحريض ضد المختلفين مذهبياً، أدّى إلى تجنيد شباب لارتكاب عمليات إرهابية، بينما يقبع "المحرّض" في منزله وسط عائلته حراً طليقاً من دون أي حساب، ويستمر في نشر الطائفية عبر منابر المساجد أو مواقع الإنترنت.

ويشدد البعض على أن أي تأخر في سنّ مثل هذه القوانين، يعني التعرّض إلى مزيد من العمليات الإرهابية ذات الصبغة الطائفية. يُضاف إلى ذلك أن نشر الكراهية والتحريض الطائفي جريمة بحد ذاتها، وإن لم تؤدّ إلى عمليات إجرامية.

وكانت خطوات أكثر جدية قد اتخذت في سبيل إقرار قوانين تجرّم الكراهية والطائفية في السعودية، في إطار ما عُرف بقانون الوحدة الوطنية، إلا أنه رُفض في يونيو/حزيران الماضي بتصويت أغلبية أعضاء مجلس الشورى، بدعوى أن النظام الأساسي للحكم يكفل تساوي المواطنين أمام القانون، ويرفض التمييز بينهم طائفياً أو مذهبياً. بالنسبة إلى الأعضاء، هذه القوانين موجودة أساساً، وسنّ أي أنظمة إضافية قد يفتح ثغرات قانونية بدلاً من تعزيز السلم الأهلي.

أما مؤيدو القانون، فيشدّدون على أن السعودية في ظل الصراعات الأهلية التي تضرب المنطقة، في حاجة إلى مواد تفصيلية لمواجهة الكراهية والطائفية، من أجل القضاء على الخطاب الديني المتطرّف وتعزيز خطاب آخر متسامح مذهبياً يعزز التعايش في المجتمع بين مختلف المذاهب والطوائف. من جهة أخرى، يظنّ آخرون أن استحداث قوانين ضد الكراهية والطائفية، يمكن أن يُستغل في التضييق على هامش حرية تعبير الذي لم يترسخ في السعودية.

يقول المحامي بدر الجعفري لـ "العربي الجديد" إن "تعزيز الوحدة الوطنية مسألة خارج دائرة الجدال، إذ هي غاية جوهرية لدى كل النخب الشرعية والقانونية والثقافية، بالإضافة إلى كونها الغاية الأولى للسياسي ومبتغى سعيه إلى المحافظة على مكونات المجتمع بكل أطيافه". ويرى أن "النقاش هو حول مدى الحاجة إلى تشريع قوانين أو قانون لتعزيز الوحدة الوطنية".

يضيف أن من ناحية المبدأ، سن قوانين من هذا النوع هو "أمر سائغ ومشروع. وتشريع القوانين يقتضي فرض حزمة من القيود والالتزامات على المشمولين به، إذ إن الإلزام صفة لصيقة بالقاعدة القانونية، ولا معنى للقانون إذا لم يكن ملزماً. ويبقى أنه عند تشريع أي قانون جديد، يجب التأكد من الحاجة إليه، ومن أن أحكامه تؤدّي إلى أهدافه وغاياته".

اقرأ أيضاً: نسويات سعوديات يخضن معركة الانتخابات في وجه المحافظين

ويوضح الجعفري أن ثمّة "نوعَين من الإلزامات في قانون الوحدة الوطنية المفترض. الأول، إلزامات إيجابية تلزم المشمولين بالقانون (أفراداً كانوا أم مؤسسات حكومية أو خاصة) باتخاذ تدابير ووضع برامج لحماية الوحدة الوطنية وتعزيزها. أما الثاني، فإلزامات سلبية تلزم المشمولين بالقانون بالامتناع عن أفعال وأقوال تؤثر على سلامة الوحدة الوطنية". ويؤكد على أن ما من جدال حول الإلزامات الإيجابية، فهي الخطوات التي تؤدي إلى تعزيز الوحدة الوطنية. ويبقى النقاش حول الإلزامات السلبية، أي تجريم الأفعال والأقوال التي تنتهك الوحدة الوطنية وتؤثر عليها سلباً.

ويتابع الجعفري أن "مخالفة الممارسات التي قد تكون مشمولة بالتجريم، يترتّب عليها فرض عقوبات هي في الغالب أفعال وأقوال بطبيعتها من النوع الذي يتعلق بالتعبير عن الرأي، من قبيل نشر مقالات وإلقاء محاضرات ونشر مواد عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتجمّع في مكان عام للتعبير عن رأي، وما إلى ذلك". ويلفت إلى أنه "من البديهي أن تكون الأفعال التي تنطوي على اعتداء مادي على الأشخاص أو الممتلكات، أفعالاً مجرّمة".

لكن الجعفري يحذّر قائلاً إن "موطن القلق هو الخشية من تضييق دائرة حرية التعبير عن الرأي، وتجاوز الحد الدقيق الفاصل بين حرية التعبير عن الرأي المسوح بها وبين الاعتداء اللفظي الذي قد يكون سبباً في بث الكراهية الاجتماعية أو التأثير على اللحمة الوطنية". يضيف أن "حق حرية التعبير بوصفه الحق الرئيسي الذي تتفرع منه سائر حقوق الإنسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية والشريعة الإسلامية، لم يأخذ حقه من النضج والاستقرار في المملكة سواءً على المستوى التشريعي أو القضائي أو الفكري. والمطمح هو أن يترسخ حق حرية التعبير ابتداءً في التشريعات الوطنية والأحكام القضائية والوجدان الوطني. حينها نتفهّم إصدار تشريعات تجرّم الممارسات التي تؤثر على الوحدة الوطنية وتبث الكراهية الاجتماعية".

اقرأ أيضاً: الزواج يحكمه النسب