اليوم، في الأول من سبتمبر/ أيلول، يتوجّه التلاميذ السوريون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، إلى مدارسهم ليبدأوا عاماً دراسياً جديداً، على الرغم من كلّ ما عانوه وما زالوا يعانونه.
في الشمال السوري، ينطلق العام الدراسي الجديد في إدلب وفي المناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة القوات التركية والجيش السوري الحر، في كل مراحل التعليم الأساسي والإعدادي والثانوي. وهذا العام، تبدو الأعباء متزايدة على مديريات التربية والمدرّسين بسبب العدد الكبير للمهجّرين الذين وصلوا إلى مناطق الشمال وتوزُّع كثيرين منهم في المدن والبلدات، مع تسجيل تراجع كبير بالدعم المقدّم من قبل الجهات المانحة والمخصص التربية والتعليم في تلك المناطق.
ويبدو الأهالي في إدلب وريفها قلقين ومرعوبين من الغارات الجوية المحتملة التي قد تشنّها طائرات النظام السوري أو المقاتلات الحربية الروسية على المدراس، في حين يعيش السوريون في منطقتَي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" مخاوف من نوع آخر تتمثل بالعبوات الناسفة وتسلل خلايا تنظيم "داعش" أو خلايا "حزب الاتحاد الديمقراطي" إلى المنطقتَين. هؤلاء جميعاً يشكون من ارتفاع الأسعار الذي طاول القرطاسية والملابس المدرسية، فضلاً عن المواصلات في البلدات النائية بمنطقة عفرين التي تنتشر بلداتها في مناطق جبلية بعيدة عن المدن صارت مأوى للمهجرين من كل المناطق.
في الطريق إلى المدرسة (أمين صنصار/ الأناضول) |
يوضح مدير التربية الحرة في إدلب، ياسين ياسين، لـ"العربي الجديد"، أنّ "ثمّة تحضيرات كبيرة قامت بها مديرية التربية الحرة في إدلب لهذا العام الدراسي الجديد، بدءاً بدراسة طلبات نقل المدرّسين والتشكيلات الإدارية التي تحدث مع بداية كل عام، وتعيين جزء من الوكلاء أو المتطوعين، بالإضافة إلى وضع خطة لتوزيع الكتاب المدرسي على المجمعات التربوية والتنسيق في ما بينها لإيصالها إلى التلاميذ". يضيف أنّ "ثمّة جديداً هذا العام، وهو اختيار الموجّه الأول من خلال مسابقة تنظمها المديرية، فضلاً عن توظيف موجّه أول في كل مجمع تربوي يشرف على سير العمل وعلى خطط المديرية". ويتحدّث ياسين كذلك عن "خطة لتعيين مدرّس أول في كل واحدة من المدارس التابعة للمديرية، تكون مهمته متابعة التلاميذ الذين يعانون من تقصير في القراءة والحساب وإخضاعهم إلى برنامج أو أسلوب جديد للتعليم تعويضي، بالتعاون مع بعض المنظمات المتعاقدة معنا لتطبيق هذا البرنامج، وهو الأمر الذي يسهّل عليهم الالتحاق بأبناء جيلهم من التلاميذ من دون إضاعة أشهر أو حتى عام عليهم".
إلى ذلك، يقول ياسين إنّ "مسؤولي الحماية الذين يبدأ عملهم مع بداية العام الدراسي خضعوا إلى تدريبات، وبالفعل انتهى تدريب مسؤولي الحماية وأمينات المكتبة في 134 مدرسة كدفعة أولى. وسوف يُصار إلى الإعلان عن مسابقة ثانية لاختيار عدد مماثل لـ134 مدرسة أو 140، والرقم يُحدَّد عند الاتفاق مع المانح". ويشير إلى أنّ "هذه الأساليب هي أساليب جديدة في التعليم تُطبَّق للمرة الأولى في المدارس، والهدف منها التركيز على حماية التلميذ وتأمين ظروف مناسبة له للدراسة، بالإضافة إلى تلافي موضوع النقص الشديد والتقصير لدى التلاميذ المتأخرين والمتسربين الذين وفدوا من مناطق كانت محاصرة ويُسجَّل فيها تراجع لجهة التعليم، فتقدَّم لهم برامج تعويضية ليتمكّنوا من الالتحاق بأقرانهم. كل هذا يطبّق للمرة الأولى في التعليم ضمن المدارس الثورية".
في سياق متصل، يتحدّث ياسين عن "نحو 700 مدرسة مدمرة في إدلب، إمّا كلياً وإمّا جزئياً"، مشيراً إلى أنّه "منذ عامَين نعمل مع المنظمات والجهات المانحة على إعادة تأهيل مدارس كثيرة، وعدد كبير منها في حاجة إلى دعم من أجل إعادة تأهيله وترميمه بصورة كاملة، لكنّ ثمّة نقصاً كبيراً في التمويل بهذا الخصوص". ولا يخفي ياسين أنّ "ثمّة تخوفاً من شنّ هجمات على المدارس، وهو هاجس لا يغيب عن أحد"، مضيفاً أنّه "بالنسبة إلى الأطفال المهجّرين والوافدين من مناطق ريف حمص الشمالي والغوطة الشرقية والقلمون ودرعا، فقد وجّهنا المدراس والمدراء لاستقبالهم وتوفير المقاعد الدراسية لهم. ولأنّ العدد كبير، من المتوقع أن يراوح بين 50 ألف تلميذ و70 ألفاً، فهذا يعني أنّنا بصراحة أمام أزمة كبيرة". ويكمل ياسين: "طلبنا مساعدة من المانحين، وحتى الآن لم يأت التجاوب بالقدر المطلوب، وهذا أمر ليس جديداً بالنسبة إلى إدلب. ففي العام الماضي، وصل عدد التلاميذ في الصف الواحد إلى 70، وهو أمر يؤثر على جودة العملية التعليمية. ونحن نسعى إلى تأمين فرص عمل وترميم مدراس جديدة، كما نسعى إلى تأمين فرص عمل جديدة لنخفف الأعباء، في إطار اعتماد دوامَين في المدارس. في ذلك تخفيف للضغط عن المدرّسين، بالإضافة إلى تأمين جوّ مناسب أكثر للتلاميذ من خلال تخفيض أعدادهم".
في منطقتَي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، قبيل انطلاق العام الدراسي الجديد، خضع المدرّسون إلى اختبارات واجتازوا مراحل عدّة قبل أن يوظَّفوا. ويقول مدرّس اللغة العربية أحمد صبحي، لـ"العربي الجديد": "خضعنا خلال أسبوعَين لاختبارات عدّة مع شروط ليست سهلة، وقد تمّ تعييني في مدرسة بمنطقة جنديرس في عفرين، تضمّ نحو 30 صفّاً وتستقبل عدداً كبيراً من التلاميذ المهجّرين فيها كذلك الأمر". لكنّه يشكو من "الراتب 600 ليرة تركية (نحو 90 دولاراً أميركياً)، وهو قليل بالمقارنة مع ما يتقاضاه عنصر في الشرطة العسكرية في المنطقة، أي 800 ليرة تركية (نحو 120 دولاراً)".
في الأيام الأولى (عامر الموهيباني/ فرانس برس) |
كثيرون هم الأطفال الذين لن يلتحقوا بالمدارس في العام الدراسي الجديد، إذ إنّ عائلاتهم لم تستقر بعد ولم تعرف في أيّ منطقة سوف تقيم. يُذكر أنّه بالنسبة إلى التلاميذ المهجّرين، ففي حال وجود وثيقة رسمية تثبت في أيّ صف كان التلميذ قبل التهجير، فسوف يصار إلى قبوله مباشرة. وفي حال لم يكن يملك أيّ مستندات، فيخضع إلى اختبار له ويتمّ إلحاقه بالصف المناسب لعمره ومعلوماته. والمدارس في المخيّمات مخصصة للأطفال فيها، أمّا الصغار في المدن فهم يلتحقون بالمدارس ضمن المدن والبلدات بصورة طبيعية.
سليم هلال، من الأهالي، يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "أكثر شيء يثير قلق الأهالي وخوفهم مع بداية كل عام دراسي هو قضية استهداف الطائرات الحربية للمدارس، الأمر الذي يمثّل تهديداً لحياة الأطفال فيها. وتَعرّض أيّ مدرسة لغارة جوية أو قصف بالبراميل ينعكس سلباً على الأهالي، فيحتاجون إلى فترة طويلة لإعادة أولادهم إلى الدراسة". أمّا رامز عمران، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأمر ما زال مختلفاً علينا في الشمال السوري. وأطفالنا خرجوا من جوّ القصف والرعب لينعموا بجوّ من الهدوء والطمأنينة هنا. وهذا العام سوف يلتحقون بالمدارس ليواكبوا أبناء جيلهم، ونرجو أن يحققوا تقدماً جيداً، لأنّنا في الغوطة الشرقية لم نعرف هذا الهدوء مطلقاً. ونحن نأمل بحياة جيدة لهم ولنا في الشمال السوري".
من جهته، يوضح مدير التربية في منطقة عفرين علي جابر علي، لـ"العربي الجديد"، أنّه "تمّ تجهيز سبع مدارس بالتعاون بين أبناء عفرين والغوطة، تزامناً مع إطلاق دورة مكثفة للتلاميذ الذين بلغ عددهم فيها خمسة آلاف و211 تلميذاً، وكان لهذه الدورة الفضل الكبير في تهيئة الصغار للعام الدراسي الجديد". ويشير علي إلى أنّ "31 مدرّساً خضعوا قبيل العام الجديد إلى دورات رفع مستوى وتطوير مهارات في تركيا".
في السياق، تلفت مصادر محلية في منطقة "درع الفرات" إلى أنّ عدد التلاميذ المسجّلين في المدارس قد يتجاوز 150 ألف تلميذ، نظراً إلى وجود عدد كبير من الأطفال المهجرين من جنوبي دمشق والقلمون الشرقي والغوطة الشرقية وريف حمص، إلى جانب عدد كبير من دير الزور والرقة وغيرهما من المحافظات.