الزردشتيّة.. ديانة قديمة تندثر

09 أكتوبر 2014
تعيش أقلية زردشتية في الهند (فرانس برس)
+ الخط -
قبل 13 قرناً تقريباً من دخول الإسلام إلى إيران، كانت الزردشتيّة هي ديانة الإيرانيّين. لكن مع مرور الوقت، أصبح الزردشتيّون أقليّة دينيّة، ليس في إيران وحسب، بل أينما حلّوا في العالم.
ولأن أعدادهم في تناقص مستمرّ، راح بعض الباحثين يركّزون على هذه الظاهرة بدراسة أسبابها وعواملها. فاستمرار هذا الأمر قد يعني انقراض ديانة تعدّ من أقدم الديانات التوحيديّة في العالم، هي أقرب إلى الديانات الهنديّة القديمة.
تقوم الديانة الزردشتيّة على ألوهيّة إله واحد مجرّد، وتتمحور في الأساس حول فلسفة دينيّة نشرها بداية مؤسسها زردشت أو زرتشت. يؤمن معتنقوها بانقسام النفس الإنسانيّة إلى قسمَين: القوة المقدسة التي تقوم على الفضائل الأخلاقيّة، والقوة الدنيا التي تقوم على الرذائل. ويبقى الصراع بالنسبة إليهم دائماً بين هاتَين القوتَين في النفس البشريّة الواحدة، كذلك يستمرّ في الكون بين النور والظلام وبين الخير والشر، حتى يحين اليوم الآخر.
وللنار أهميّة خاصة بالنسبة إليهم، إذ يعتبرونها رمزاً للطهارة، كذلك للماء مكانة هامة، فلا يخلو معبد من معابدهم من هذَين العنصرَين. فالنار هي التي تعطي الإنسان الحكمة، والماء مصدرها.
لهذه الديانة أثرها البالغ في الثقافة الإيرانيّة حتى يومنا هذا، على الرغم من انحسار أعداد معتنقيها. وقد أشار موقع "آخرين نيوز" إلى أن أعداد الزردشتيّين حول العالم لا تزيد عن مليون و300 ألف نسمة. وبيّن أن العدد يتناقص بمقدار عشرة آلاف نسمة تقريباً في كل عام، وهو ما لا يبشّر بالخير.
في إيران، ما من إحصائيات رسميّة دقيقة وحديثة تبيّن عدد الزردشتيّين الحالي. فآخرها تعود إلى عام 1996، وتشير إلى أن عددهم كان يبلغ 28 ألف نسمة فقط. لكن دراسات أخيرة قام بها أكاديميّون، ونُشرت على مواقع خاصة بالزردشتيّين، تفيد بأن عددهم يتراوح حالياً ما بين 10 و15 ألف نسمة فقط. وهؤلاء هم الذين يعيشون في إيران، ومن تبقى من الزردشتيّين موجودون في الهند وباكستان، فضلاً عن المهاجرين منهم إلى الولايات المتحدة الأميركيّة وكندا.
وهذا التناقص يعود إلى عوامل عدّة: العامل الأول الذي يتحدّث عنه متخصّصون اجتماعيّون هو الهجرة؛ فمعظم الزردشتيّين اعتنقوا الإسلام بعد دخوله إلى إيران. لكن بعدما تحوّل من تبقّى إلى أقلية، فضّل هؤلاء الرحيل. فتوجهوا نحو الهند تحديداً. وازدادت الهجرة بعد العصر الصفوي، وهي ما زالت مستمرّة حتى اليوم.
ثمّة نوع آخر من الهجرة، وهو الهجرة الداخليّة؛ فقد ترك من تبقّى من الزردشتيّين المناطق التي كانوا يستقرّون فيها وتوجهوا إلى المدن الكبرى. فنراهم اليوم مستقرّين في يزد وسط البلاد، وفي العاصمة طهران على وجه الخصوص.
ومن العوامل التي أدّت إلى تناقص أعداد الزردشتيّين حول العالم، وليس فقط في إيران، الزيجات التي جمعتهم بأفراد من ديانات أخرى.
وعلى الرغم من أن بعض هذه الزيجات مرفوضة لأسباب عرفيّة، وليس لأسباب دينيّة كما يقولون، إلا أنها أصبحت مكرّرة. لكن بعض كبار السنّ من الزردشتيّين ما زالوا يعتقدون بضرورة الحفاظ على نقاء العرق. ففي الهند، يعتقد البعض أن الأطفال ثمرة الزيجات المختلطة لن يكونوا أبداً زردشتيّين.
وقد نشرت مجلة "شؤون الزردشتيّين" في بومباي دراسة حديثة تفيد بأن 39% من الزردشتيّين حول العالم يتزوّجون بغير زردشتيات، وبأن من بين خمس نساء، اثنتين فقط تتزوجان بغير معتنقي الديانة الزردشتيّة.
وإضافة إلى هذه العوامل، يمكن الحديث عن عوامل أخرى ناتجة عن المجتمعات الحديثة، وهي تأخّر الإنجاب أو إنجاب عدد أقل من الأطفال. وهو ما نشرته المجلّة ذاتها.
تتفاقم المشكلة، ويبدو أن حلها ليس سهلاً بتاتاً، كما يرى الزردشتيّون أنفسهم، وكما يقول المتخصّصون. لكن في إيران، يحاول من تبقى منهم أن يحافظوا أقلّه على تقاليدهم وطقوسهم وأعرافهم، لا سيّما وأنهم جزء أساسي من تاريخ البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن الزردشتيّين يتابعون دراساتهم في مدارس خاصة تحت إشراف الحكومة الإيرانيّة، ومنهم من يتعلم في مدارس رسميّة. ويطّلعون على اللغة الأفيستيّة، لغة كتابهم المقدّس "أفيستا"، ذات الجذور السنسكريتيّة. ومنهم من يتحدّث لغة دري أو الكرديّة، إلا أن بقيّة المناهج التعليميّة تُدرّس بالفارسيّة.
إلى ذلك، يحاول الزردشتيّون اليوم التواصل مع بعضهم البعض عبر استحداث صفحات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، تُعنى بشؤونهم، وتحاول إحياء ديانتهم المهدّدة بالانقراض.
دلالات