تجارة الجسد تزدهر في العراق

12 فبراير 2016
حتى لا ينتهي الأمر بهنّ هنا، بعن أجسادهنّ(فرانس برس)
+ الخط -
الفقر والعنف والتهجير وغيرها من المشاكل الاجتماعية تدفع بعض العراقيات دفعاً باتجاه البغاء. يؤكد كثيرون أنّ العاملات في هذه المهنة يجنين الكثير وهو ما يشكل دافعاً آخر لهن

جائعة ومهدّدة بالطرد من مسكنها، وقفت أم حاتم التي أثقلتها آلام الزمن والوحدة والحرمان بين ذئاب بشرية راحت تتربّص بها. بعد مقتل زوجها في تفجير وقع في بغداد في عام 2009، رأت نفسها وحيدة ومسؤولة عن أطفالها، إذ لم يكترث أحد لمصابهم.

"الشرف كلمة قسم، وكذبة تنتشر بيننا". هذا ما تشدّد عليه أم حاتم التي تتحدّر من عائلة فقيرة، تعود جذورها إلى جنوب العراق. وتروي لـ "العربي الجديد" قصة استغلالها جسدها، لكسب قوت عيالها. تقول: "حينها فقط، وجدت الطريق سالكة نحو عيشة آمنة، لي ولأطفالي. أمّنت لهم مسكناً جيداً في العاصمة وتعليماً في مدارس خاصة أسوة بأبناء الميسورين". وتشير أم حاتم إلى أن "تجارة الجسد في العراق صارت محمية، لمن تُحسن إقامة العلاقات. وهي توفر غطاءً أمنياً لكثيرات، حتى أن بمقدور بعضهنّ رمي من يردن خلف قضبان السجون، بمكالمة هاتفية واحدة". تضيف: "وهذا ما يشجع على السير في ذلك الطريق".

ويوضح الباحث في علم الاجتماع زياد الراوي لـ "العربي الجديد" أن "البلد لم يعد آمناً، وإغراء المال والقوة يداعب مخيلة ضعيفات الإرادة، لا سيّما إذا تقاذفت إحداهن أمواج المآسي المتلاطمة، حتى لا تجد منقذاً يأخذها إلى شاطئ النجاة إلا جسدها".

تفيد آخر إحصائية لوزارة التخطيط العراقية المسؤولة عن إجراء المسوح والإحصاءات في البلاد، بأن نسبة الفقر في العراق ارتفعت إلى 30% بعدما كانت 19% في عام 2013. والوضع المتردي أمنياً الذي تعرفه البلاد منذ عام 2003، ازدادت من جرّائه نسب القتل بسبب العنف الطائفي وسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على مدن عديدة منذ صيف 2014. وقد ولّد ذلك ارتفاع أعداد الأرامل والأيتام وكذلك نسب البطالة والفقر، بالإضافة إلى تفاقم أزمات السكن وأيضاً عمليات التهجير القسري التي طالت عشرات آلاف العائلات.

هالة وشيماء كانتا صديقتَين مقرّبتَين. تخبر الأخيرة أن "هالة كانت تحلم دائماً بالثراء. هي كانت كبرى إخوتها، وكانت والدتها قد أصيبت بمرض في القلب بعد مقتل والدها على يد مسلحين في عام 2011". تضيف: "لم يمض كثير من الوقت، حتى تعرّفت إلى امرأة جذبتها نحو طريق البغاء. حاولت كثيراً إقناعها بخطأ الطريق الذي قررت سلوكه، إلا أنها لم تصغ إلي، بل راحت تغريني بمثله". تقول: "تغيّرت كثيراً. لم تعد تزور عائلتها إلا مرات قليلة وسريعة. لكنها تغدق عليهم بالهدايا والمال، وقد تكفلت بإجراء عملية جراحية كبرى لوالدتها في بيروت".

آلاف الدولارات
من يكسب يومياً في العراق مائة دولار أميركي، فإنه يؤمن لنفسه وأسرته معيشة جيدة. لكنه مبلغ "عادي" بالنسبة إلى كثيرات، يجمعن شهرياً مبلغاً قد يصل إلى أكثر من عشرة آلاف دولار. وتشير خبيرة تجميل تقصدها كثيرات من هؤلاء العاملات في مجال تجارة الجسد، إلى أنهن يستطعن ببساطة رفع مداخيلهن.

تقول الخبيرة التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها، إن "زبونات لديّ غيّرن طلاتهن مرات ومرات أخيراً، بعدما كنّ يطالبنني قبل أعوام بخصومات على تسريحات الشعر. اليوم صرن يدفعن أكثر من التعرفة، بالإضافة إلى بقشيش (إكرامية) للعاملات". وتخبر أنهن "يسافرن إلى الخارج مرة أو أكثر في العام، للخضوع إلى عمليات تجميل تشمل بعض أعضاء الجسم وليس فقط الوجه". تضيف: "هن يخبرنني عن أسرار عملهن، ويحكين قصصاً عن زبائنهن. هم من كبار الشخصيات، بالإضافة إلى تجار ومسؤولين في الحكومة".

وتتابع أنهن "يحافظن على رشاقتهن ويمارسن الرياضة بشكل مستمر. وبعضهنّ يسافر إلى مصر ولبنان للمشاركة في دورات لتعلم الرقص. وتلفت إلى أن "كل ذلك لتلبية رغبات زبائنهن الذين يدفعون أموالاً أكثر كلما تعدد ميزات تلك النساء. ولأن ثمّة من هو مستعد لدفع عشرة آلاف دولار لليلة واحدة، فإنهن يسعين دائماً ليكنّ أكثر إغراءً".

نفوذ وعمل خير
إلى ذلك، تخبر أم حاتم أنها تستغل علاقاتها مع شخصيات مهمة، لمساعدة الآخرين. تقول: "أنا أضعف كثيراً عندما أرى نساء مقهورات، حُرمن من أولادهن الذين اعتقلوا بلا مبرر". وهي كانت بحسب ما تروي، وراء لمّ شمل أسر أو فرحة والدَين بخروج ولدهم من السجن سالماً. وتؤكد: "أصبحت لدي علاقات واسعة بأشخاص يملكون نفوذاً في البلاد. لكنني لا أظلم أحداً، بل أسعى دائماً لعمل الخير".

أما شيماء فتخبر أن صديقتها هالة تسافر إلى خارج البلاد أحياناً برفقة "شخصيات لها ثقل في الدولة، من بينهم مديرون رفيعو المستوى. كذلك لها علاقات مع ضباط أمنيين، وتستطيع بمكالمة هاتفية واحدة أن تحضر دورية أمنية تلقي القبض على من تريد، في حال أسيء إليها".

اقرأ أيضاً: تشديد العقوبات على مشتري الجنس في كردستان
المساهمون