تفاقمت ظاهرة العمل بلا رواتب في العراق، خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي دفع موظفي العديد من المؤسسات الحكومية إلى تنظيم احتجاجات واعتصامات للمطالبة بحقوقهم.
ولا توجد إحصائية رسمية ودقيقة لأعداد الموظفين بنظام السخرة في العراق، إلا أن مسؤولين بعدة وزارات أكدوا لـ"العربي الجديد" أنهم أكثر من 30 ألف موظف، صدرت أوامر بتعيينهم بنظام الأجور اليومية للعمال، ونظام المحاضرات للمدرسين وأساتذة الجامعات، وكثير منهم لم يتلق أي رواتب أو مكافآت مالية منذ تعيينهم، وبعضهم يواصل دوامه منذ سنوات.
ويقول المسؤولون، الذين رفضوا ذكر أسمائهم، إن قائمة المؤسسات التي بها موظفون بلا رواتب تشمل أيضا وزارة الشباب والرياضة، ووزارة الداخلية العراقية.
ويُقدر عدد الموظفين الحكوميين في العراق بنحو ستة ملايين شخص، بحسب إحصاء وزارة التخطيط عام 2016، وهم في مناصب مختلفة لدى دوائر الدولة. وفي الوقت الذي يرجح ارتفاع عددهم منذ ذلك الحين إلى الآن، فإن مراقبين يرون أن نحو 70% منهم فائضون عن الحاجة، وذلك في وقت تصرف الدولة رواتب تصل إلى 60% من الموازنة الكلية للبلاد سنويا.
وقال موظف بعقد في وزارة الإعمار والإسكان في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "أمر تعيينه صدر عام 2017، بإحدى الدوائر التابعة للوزارة، إلا أن التخصيص المالي الخاص به مع ستة موظفين جدد آخرين، لم يُرفق مع قرار التعيين، ومنذ ذلك التاريخ لم يتسلم أي راتب".
وأوضح الموظف، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن "التواصل مع وزارة المالية لم يجد نفعاً، كما أن اتصالات الموظفين بمكتب رئيس الوزراء عادة ما تنتهي بالتطمينات فقط دون جدوى".
وفي هذا السياق، قال عضو مجلس النواب العراقي حسين نرمو، إن "ملف الموظفين غير المشمولين بالرواتب كان ضمن أجندة البرلمان الحالي، ومن المفترض طرح أكثر من مقترح من أجل ترتيب حياتهم وأوضاعهم المالية، ولكن المشاكل التي عصفت بالعمل السياسي وكذلك التظاهرات التي شهدتها البلاد، والتعطيل الذي حصل في العمل النيابي بسبب الغياب المتعمد لبعض الأطراف والكيانات حالت دون طرح مشكلة هؤلاء الموظفين".
وأكد نرمو لـ"العربي الجديد"، أن "الفترة الماضية كانت الأوضاع فيها لا تسمح أبداً بمعالجة الكثير من الملفات، ولا نعرف إن كنا سنتمكن مع إيجاد حلول لمثل هذه المشكلة خلال الفترات المقبلة، أم لا؟".
وحسب عضو مجلس النواب فإن "البرلمان الحالي أمامه الكثير من الوقت حتى بدء الانتخابات المبكرة المقبلة، من أجل طرح الملفات، وأعتقد أن هذا الملف سيكون ضمن محاور النقاش البرلماني"، مؤكداً أن "عدم استطاعة البرلمان معالجة هذه المشكلة، يعني أنها ستُرحّل إلى الدورة البرلمانية المقبلة".
من جهتها، أكدت مصادر من جهاز الشرطة الاتحادية التابع لوزارة الداخلية، وجود أعداد ليست بالقليلة من العناصر الأمنية التي تزاول مهامها الرسمية دون الحصول على راتب، موضحة لـ"العربي الجديد"، أن "بعض العناصر التابعة للشرطة وأكثرهم من المنتسبين إلى قطاعي كركوك والأنبار، لم يتقاضوا رواتبهم منذ أكثر من ثلاثة أعوام، بسبب الاشتباه بأسمائهم وتنقلاتهم خلال الأيام التي كان فيها العراق يُقاتل ضد تنظيم "داعش".
ومن خلال الحديث مع موظفين في وزارة الرياضة العراقية، تبيَّن أن غالبية الموظفين الذين لا يتلقون رواتب، تم تعيينهم خلال فترة حكم رئيس الحكومة العراقية الأسبق حيدر العبادي، حيث صدرت القرارات دون أي تخصيصات مالية بسبب التقشف.
وقال موظفون لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة العبادي لم توفر المخصصات المالية للذين عيّنوا خلال فترات التقشف، وبالتالي لم يستلموا أي رواتب، وبالرغم من إقرار أكثر من موازنة مالية اتحادية خلال السنوات الماضية، إلا أن ملف رواتب العقود لم تتم معالجتها".
وكان أكثر من 400 موظف في مطار بغداد الدولي، قد هددوا في وقتٍ سابق بالإضراب عن الدوام، بسبب عدم استلامهم لرواتبهم لمدة 16 شهراً، بعد أن احتجوا أمام بوابة المطار الرئيسية، وذلك بسبب مشاكل وزارة النقل مع الحكومة والخلافات السياسية وعدم توفير التخصيصات المالية لبعض الموظفين.
وعلى صعيد مماثل فقد شهدت بغداد خلال الأشهر الماضية، وتحديداً التي سبقت انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2019، سلسلة اعتصامات أقامها أساتذة جامعيون من العاملين بنظام "الأجور اليومية أو حسب عدد المحاضرات"، من أجل المطالبة بدفع أموالهم التي لم يحصلوا عليها بالرغم من أنها رمزية. وتواصلت تظاهرات أساتذة الجامعات خلال الفترة الأخيرة رغم توقف الاعتصام.
ورد مسؤول عراقي في حكومة تصريف الأعمال الحالية على سؤال لـ"العربي الجديد"، حول أزمة الموظفين بلا رواتب أو "موظفي السخرة"، بالقول إنه "لا توجد أموال مخصصة لهم بالموازنة العامة"، مقرا بأن قرارات ارتجالية لوزراء ولرئيس الوزراء السابق والحالي أسهمت في خلق هذه الشريحة من العراقيين".
ولفت، المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أنهم بحاجة لإضافة نحو 6 مليارات دينار سنويا للعقود والأجراء اليوميين على أقل تقدير وبيد البرلمان إلزام الحكومة إضافة هذه المبالغ إلى الموازنة المقبلة".
وتوقع أن "يقلّل تعديل قانون التقاعد الأخير من أعداد جيوش موظفي السخرة، لكن لن ينهيها إلا بقرار بتوظيفهم أو منحهم تعويضات وتسريحهم".