في اللحظات الأخيرة من عام 2019 نجح الشارع السوداني في إرغام حكومة عبد الله حمدوك على التراجع عن قرار تحرير سعر الوقود وزيادة أسعار البنزين والسولار بداية من شهر مارس المقبل.
وربما يرغم رجل الشارع الحكومة لاحقاً على عدم الخضوع لإملاءات وشروط وروشتة صندوق النقد الدولي السامة التي أغرقت دولاً عديدة في وحل ومستنقع القروض والديون وعجز الموازنات العامة وتعويم العملة المحلية وتآكل المدخرات المحلية والقوى الشرائية للمواطن وقفزات الأسعار والتضخم، والأخطر رهن قرار البلد الاقتصادي والمالي لجهات خارجية لا يهمها سوى نهب ثروات الشعوب في صورة أقساط وفوائد قروض.
في العام 2019 شاهدنا انتصاراً ساحقاً للشعوب في مواجهة قرارات الحكومات التقشفية العنيفة خاصة تلك الموجهة ضد الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وعلاج عجز الموازنة العامة وتراجع إيرادات الدولة من جيب المواطن.
وشاهدنا في هذا العام كيف عرت الشعوب حكوماتها وأظهرتها بمظهر الفاسد والمرتشي وناهب الثروات وأحياناً غاسل الأموال القذرة كما حدث في العراق ولبنان والجزائر، أو على الأقل أظهرتها بمظهر المتكاسل الفاشل الذي لا يحسن إدارة موارد الدولة ويعالج مشاكل الاقتصاد وأزمات الموازنة عبر جيب المواطن وزيادة الأسعار والضرائب والاقتراض.
في مصر أجبرت انتفاضة 20 سبتمبر الماضي السلطة الحاكمة على وقف خطط زيادة سعر الوقود، وأرغمتها على التراجع عن قرار حذف ملايين المصريين من بطاقات التموين، وربما تجبرها لاحقاً على التراجع عن قرارات أخطر منها زيادة سعر الخبز تمهيداً لإلغاء الدعم الكامل له، وإلغاء مجانية التعليم والصحة، والاستغناء عن آلاف الموظفين في الجهاز الإداري للدولة.
وعرّى اللبنانيون الذين خرجوا في انتفاضة شعبية في أكتوبر الماضي النخب الحاكمة، وكشفوا عن أن الدولة تعيش على بركة من الفساد المالي وتهريب الأموال إلى الخارج، وأجبرت التظاهرات العارمة الحكومة على وقف خطط زيادة الرسوم والضرائب والأسعار والتوسع في الاقتراض الخارجي، كما أجبرت وزراء ومسؤولين وشخصيات نافذة بالدولة على كشف سرية حساباتهم المصرفية.
أما في العراق فقد أجبرت الثورة الشعبية هناك رئيس الحكومة عادل عبد المهدي على الاستقالة من منصبه، ولاحقاً استقالة برهم صالح رئيس الدولة، كما أجبرت التظاهرات التي عمت كل البلاد الحكومة المستقيلة على التعهد بتوفير آلاف الوظائف للشباب، وإقامة مئات المصانع، وتخصيص رواتب للأسر الفقيرة، وتوفير حد أدنى للدخل، والسماح للعاطلين بإقامة أكشاك، وذلك في محاولة لترضية الشارع وإخماد التظاهرات المتواصلة حتى اللحظة.
وأجبر الشعب الجزائري الحكومة على فتح ملفات فساد عصابة بوتفليقة، بل وأجبروا بوتفليقة على الاستقالة، والقبض على شقيقه سعيد بتهمة الفساد المالي، ومحاكمة بارونات المال وكبار رجال الأعمال ممولي حملات بوتفليقة الانتخابية والذين ربحوا مليارات الدولارات من صفقات مشبوهة أو من قوت الشعب..
وأرغم الشعب الأردني الحكومة في 2019 على التوقف عن السياسات التقشفية التي تعهدت بها لصندوق النقد مقابل الحصول على قروض، وأجبرتها كذلك على إيجاد فرص عمل للشباب والتوسع في ملاحقة الفاسدين.
الشعوب العربية قالت كلمتها في 2019، ومن المتوقع أن تزداد النبرة في 2020، وعلى الأنظمة والحكومات أن تسمع جيداً أصوات شعوبها قبل فوات الأوان، أو قبل أن تخرج ثورة جياع إلى الشوارع.