السطو على مصارف تونسية: جرائم يغذيها تردي المعيشة

21 يونيو 2019
زيادة الأعباء الحياتية تفاقم الجرائم الاقتصادية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تضع زيادة مستويات الجرائم المرتبطة بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس المصارف في مرمى عمليات السطو المسلح، إذ زادت، خلال الأشهر الأخيرة، محاولات سرقة فروع مصرفية في العاصمة ومحافظات أخرى بالرغم من تشديد الإجراءات في عمليات نقل الأموال وتوفر أنظمة إخطار متطورة في الفروع المصرفية.

ورغم أن عمليات السطو على المصارف والمؤسسات المالية تظل حالات معزولة في تونس ولم تتحول إلى مستوى الظاهرة، إلا أن عددها في ارتفاع، بحسب الحالات التي أحصتها "العربي الجديد" بناء على بيانات رسمية على امتداد السنة الماضية، والتي فاقت ستة حوادث سطو.

وأخيرا شهد فرع مصرفي في ضاحية قمرت بالعاصمة تونس محاولة سطو مسلح انتهت بسرقة مبلغ لا يتعدى 5 آلاف دينار، أي نحو 1.6 ألف دولار.

وقبلها في مارس/ آذار 2019، شهدت ضاحية "بن عروس" المتاخمة لتونس العاصمة عمليّة سطو على فرع بنكي، حيث قامت عصابة بإحداث ثقب بقطر يفوق المتر في الجدار الخلفيّ لبناية البنك.
وقام أفراد العصابة بقطع كلّ أجهزة الإنذار المرتبطة بوزارة الداخليّة، كما عطّلوا كلّ كاميرات المراقبة، كما نجحوا في إحداث ثقب في خزنة الأموال الحديديّة وسرقة كلّ ما فيها من أموال بالعملات المحلية والأجنبية والفرار بها.
 
وتعتمد المصارف والمؤسسات المالية في تونس لحماية فروعها على أنظمة إخطار مرتبطة بأجهزة وزارة الداخلية للإعلام الفوري بأي محاولات سرقة، كما تعتمد على شركات خاصة لنقل الأموال يتم التعاقد السنوي معها وفق عقود تأمين.

ويفرض قانون المصارف والمؤسسات المالية الذي تم التصديق عليه في 2016 وضع منظومة للمراقبة الداخلية ملائمة لطبيعة النشاط وحجمه تضمن نجاعة العمليات والحفاظ على الأصول والتحكم في المخاطر في إطار الامتثال للقوانين والتشريعات المنظمة لهذا النشاط.

كما تنص المادة 41 من القانون على ضرورة أن تشمل هذه المنظومة نظاما إجرائيا للعمليات ولمراقبتها يكفل سلامتها وتنظيما إداريا ومحاسبيا يضمن مصداقية البيانات المالية، ونظاما لتشخيص المخاطر ومتابعتها والتحكم فيها وتوثيق العمليات والمعلومات.

وقال الخبير الاقتصادي بلحسن الزمني، لـ"العربي الجديد"، إن استهداف المؤسسات المصرفية بالسطو يعكس الرغبة في تحصيل أكبر قدر ممكن من الأموال من قبل منفذي هذا الصنف من السرقات، لكنه لا يقلل من حجم التأمينات التي توفرها المصارف لحماية فروعها وأموال ومصالح المودعين. وأضاف أن تشريعات الحماية المصرفية في تونس متطورة جدا، مؤكداً أن محاولات السرقة التي تتعرض لها المصارف غير مؤثرة.

ويعتبر خبراء في علم الاجتماع اهتموا بظاهرة السطو على المصارف أن جرائم السطو وارتفاع معدل الجريمة في تونس بعد اندلاع ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، ليست بمنأى عن الواقع السياسي والاقتصادي والأمني الذي تمر به البلاد في فترة انتقال ديمقراطي صعبة، وسط تذمر اجتماعي من غلاء المعيشة وإصلاحات حكومية قاسية خاضعة لضغوط صندوق النقد الدولي.
ويشير الباحث الاجتماعي سامي بن نصر إلى أن سوء إدارة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس منذ سنوات وموجات الغلاء المتفاقمة ساهمت في تطور أشكال الجريمة كمّاً ونوعاً. 

وقال بن نصر لـ"العربي الجديد": "مع وجود أي أزمة اقتصادية ترتفع معدلات الجريمة، ولا سيما في المجتمعات التي تمر بمراحل انتقالية وتشهد تحولات هيكلية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي مثل تونس". وأضاف أن كل تأخير في معالجة الوضع الاقتصادي المتأزم وزيادة البطالة يرفع نسب الجرائم بما في ذلك السطو على المصارف.

وقال إن المخاطرة بالتهجم على مؤسسات مالية من قبل منفذي هذه الصنف من الجرائم يكشف التحولات بالمجتمع التونسي بسبب ضغوطات العيش والغلاء والرغبة الجامحة لدى البعض بتحصيل المال بكل الطرق، معتبرا أن هذه العمليات تبقى معزولة ولا يمكن أن تتحول إلى مستوى الظاهرة كما أنها موجودة في كل دول العالم بما في ذلك الغنية منها، حسب قوله.

ويشكو التونسيون بمختلف طبقاتهم من تداعيات السياسات الاقتصادية الجديدة على حياتهم نتيجة زيادة الأسعار وتواصل ضعف الرواتب فضلا عن استمرار نسب البطالة عند حدود 15 بالمائة منذ سنوات.

واعتبرت منظمة "بروتين وودز بروجيكت"، وهي مجموعة تضم عددا من المنظمات غير الحكومية البريطانية وتهتم بنشاط صندوق النقد والبنك الدوليين، أنه يجب على صندوق النقد أن يغير نهجه الحالي الذي يتخذه في تونس، منتقدة السياسات التي يتخذها في التعامل مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.

وقالت المنظمة إنه "من خلال متابعة سياساته الحالية، سيساهم صندوق النقد الدولي بلا شك في تحطيم الحلم التونسي، وسيكون من بين المسؤولين عن عودة الديكتاتورية والهجرة السرية للشباب اليائس".
وترى المنظمة أن صندوق النقد الدولي يفرض سياسات جديدة تستند إلى تخفيض فاتورة الأجور، وتخفيض قيمة العملة الوطنية، وتقليص الدور التنظيمي للدولة، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وإلغاء دعم الغذاء والطاقة دون التفكير في عواقب غير متوقعة على الاستقرار والتماسك الاجتماعيين.