التجارة ما بعد بريكست ...زيارة ترامب تضع بريطانيا أمام خيارات صعبة

12 يوليو 2018
ترامب يصل بريطانيا وسط نزاعات تجارية (Getty)
+ الخط -


وسط ظروف شديدة التعقيد سياسياً واقتصادياً تمر بها بريطانيا حالياً، وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى لندن ظهر اليوم الخميس، في زيارة رسمية هي الأولى له إلى بريطانيا منذ تسلمه السلطة في يناير/ كانون الثاني من عام 2017. وسيلتقي ترامب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في مقرها الريفي "تشكرز هاوس"، كما سيلتقي كذلك الملكة إليزابيث الثانية. 

غير أن فوائد هذه الزيارة قد لا تكون كبيرة لبريطانيا، حسب مراقبين، لأنها تأتي في وقت حرج للغاية بالنسبة لتيريزا ماي التي تواجه انقسامات داخل حزبها ومجموعة من العقبات في المفاوضات التي تجريها حكومتها مع دول الاتحاد الأوروبي بشأن الترتيبات التجارية لفترة ما بعد خروجها من عضوية الاتحاد الأوروبي في مارس/آذار المقبل.

ومن المتوقع أن تضيف النزاعات التجارية لترامب مع الصين ودول الاتحاد الأوروبي مزيداً من التعقيدات للفضاء التجاري الذي ترغب بريطانيا في بنائه في أعقاب خروجها من الكتلة الأوروبية، رغماً عن توقعات وضع خطوط عريضة لاتفاق الشراكة التجارية المقترحة بين بريطانيا وأميركا.

وهنالك مخاوف من تداعيات النزاعات التجارية بين أميركا وكل من الصين ودول الاتحاد الأوروبي وكندا، على خطط بريطانيا لبناء فضاء تجاري مع هذه الدول.

ويتوقع نقابيون بريطانيون، أن لا تفضي هذه الزيارة إلى أي اتفاق تجاري مع أميركا، بسبب نصوص معاهدات الاتحاد الأوروبي التي لا تزال بريطانيا ملتزمة بها، وكل ما يمكن أن يفعله الجانبان البريطاني والأميركي، هو وضع خطوط عريضة لشكل الشراكة التجارية التي سبق أن تم الاتفاق عليها مبدئياً في الزيارة التي قامت بها ماي لواشنطن في العام الماضي. وتقضي قواعد الاتحاد الأوروبي بألا توقع بريطانيا أي اتفاق تجاري، إلا بعد مغادرتها الاتحاد.

وكانت الحكومة البريطانية تأمل في تفصيل "اتفاق تجاري خاص" مع الاتحاد الأوروبي، شبيه بالاتفاقات التي وقعها مع كل سويسرا أو النرويج، ولكن الاتحاد الأوروبي يرفض ذلك حتى الآن. 

وبالتالي ربما تكون بريطانيا مضطرة للتعامل مع الكتلة الأوروبية بالتعرفة الجمركية الجاري العمل بها في منظمة التجارة العالمية، وهي تعرفة منخفضة على معظم السلع لا تتجاوز 1.5%.

يذكر أن 50% من التجارة البريطانية تتم مع دول الاتحاد الأوروبي، لكن بريطانيا ستواجه تعرفة مرتفعة على بعض السلع، مثل السيارات وبعض المواد الغذائية.

وحسب تلفزيون "بي بي سي"، فمن المتوقع أن تثمر زيارة ترامب لبريطانيا فقط في رسم تصور لاتفاق تجاري أميركي بريطاني، لمرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ومن المقرر أن يزور وزير التجارة الدولية البريطاني، ليام فوكس، واشنطن ليومين في وقت لاحق للتباحث مع نظيره الأميركي روبرت لايتزر.

وقال فوكس إنه "من المبكر أن يكشف عما قد يتضمنه الاتفاق المحتمل". وحذرت شركات واتحادات عمالية بريطانية من مخاطر محاولة التوصل لاتفاق بشكل سريع.

في هذا الصدد، قال آدم مارشال، المدير العام لاتحاد غرف التجارة البريطانية، إن الخبرة الأميركية في مثل هذه المفاوضات تجعل من الصعب على بريطانيا التوصل لاتفاق جيد.

وأضاف مارشال "نحن نعود مجدداً إلى لعبة هذا النوع من المفاوضات، بعد 40 عاماً من فعل ذلك من خلال الاتحاد الأوروبي".

وأردف مدير اتحاد غرف التجارة قوله: "ولذلك اعتقد أنه في وقت مبكر من هذه العملية، سيتزايد القلق حول قدرة بريطانيا على أن تتفوق على الولايات المتحدة، في مفاوضات شاقة ومعقدة".

وحسب مارشال فإنه بينما سترحب مجموعة عمل اتحاد غرف التجارة البريطانية بالمحادثات البريطانية - الأميركية، حول كيفية زيادة التبادل التجاري بين البلدين، إلا أن التركيز يجب أن ينصب على تطوير "أمور إجرائية صغيرة"، مثل إلإجراءات الجمركية بدلا من اتفاق تجاري شامل.

وحتى الآن تبدي النقابات العمالية والمهنية في بريطانيا مخاوفها من توقيع اتفاق شراكة تجارية سريع مع أميركا. وترى النقابات أن الشركات الأميركية العملاقة ستسيطر على السوق البريطاني وتقتل نظيراتها البريطانية الصغيرة.

في هذا الصدد، قالت فرانسيس أوغريدي، رئيسة اتحاد النقابات العمالية لصحيفة غارديان: "على الوزراء أن يركزوا على كيفية الحصول على أفضل اتفاق ممكن مع الاتحاد الأوروبي، بدلاً من أن يلقوا بأنفسهم على سرير ترامب".

من جانبه، قال وزير العدل البريطاني ديفيد ليدينغتون، إن إبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لن يكفي وحده لتعويض أثر الانفصال.

وأضاف ليدينغتون لبرنامج "آندرو مار شو" الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): "لن يكفي ذلك وحده... لكنه سيكون أمراً جيداً جداً، وكذلك إبرام اتفاقات تجارية مع الاقتصادات الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية".

لكن رغم هذه الاعتراضات تأمل رئيسة الوزراء البريطانية ماي في توقيع شراكة تجارية مع أميركا. وقالت ماي قبيل الزيارة "عندما نخرج من الاتحاد الأوروبي سنبدأ في وضع مسار جديد لبريطانيا في العالم وتحالفاتنا العالمية ستكون أقوى من قبل".

وأضافت "لا يوجد تحالف أقوى من علاقتنا الخاصة مع الولايات المتحدة ولن يكون هناك تحالف أكثر أهمية في السنوات المقبلة".

ويعد مشروع الشراكة التجارية بين لندن وواشنطن، أهم أعمدة الفضاء التجاري الذي تنوي بريطانيا بناءه في ما بعد "بريكست". وكانت رئيسة الوزراء تيريزا ماي، قامت بجولة خلال العامين الماضيين على مجموعة من الدول لإجراء مفاوضات أولية حول ترتيب هذه الشراكات التجارية التي ستصنع الفضاء الجديد.
ومن بين مشاريع الشراكات التجارية، توقيع اتفاقات مع كل من الولايات المتحدة واليابان والصين والهند وكندا وأستراليا ودول مجلس التعاون الخليجي. لكن ماي، وكما صرحت في زيارتها الأخيرة لليابان في العام الماضي، فإنها تأمل في الإبقاء على علاقات التجارة القائمة مع شركاء التجارة الحاليين ضمن اتفاقات الاتحاد الأوروبي لفترة زمنية محددة بعد مغادرتها لأوروبا إلى حين إنهاء مفاوضات التجارة مع الشركاء الجدد. 

واتفقت ماي مع ترامب، خلال زيارتها الولايات المتحدة (26 يناير/ كانون الثاني)، على ترتيبات أولية، ولكن وحسب بحث صدر عن جامعة "لندن سكول أوف إيكونومكس"، فإن الشراكة التجارية مع أميركا، يمكن أن تبنى على نمط مشروع الشراكة التجارية الذي كان تحت النقاش مع الكتلة الأوروبية، قبل اغتياله من قبل الرئيس ترامب قبل وصوله إلى الحكم.

والشراكة مع الاقتصاد الأميركي الذي يعادل اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي ستكون مفيدة بالنسبة للشركات البريطانية ولحيّ المال البريطاني، لكن يتخوف البريطانيون من هيمنة الشركات الأميركية الضخمة على المنتجات الزراعية. 

وكان السفير الأميركي لدى المملكة المتحدة وودي جونسون، قد صرح بأن التوصل لاتفاق سيكون "من أهم الأولويات" لترامب، واصفاً بريكست بأنها "فرصة تأتي مرة واحدة لتغيير المسار في العلاقات بين أميركا وبريطانيا". 

ويصل ترامب إلى لندن قادماً من بروكسل حيث شارك يوم الأربعاء، في قمة لحلف شمال الأطلسي. ويغادر الأحد إلى هلسنكي لإجراء محادثات في اليوم التالي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. 
وقال ترامب قبل مغادرته واشنطن إن بريطانيا تشهد "اضطراباً نوعاً ما"، لافتاً إلى أن اللقاء مع بوتين قد يكون "الأسهل" في جولته الأوروبية. وأضاف قائلا "الكثير من الأمور تحدث في المملكة المتحدة بالتأكيد"، في إشارة إلى استقالة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الذي تربطه به صداقة شخصية.
المساهمون