لن يلجأ المغرب إلى طبع العملة من أجل تلبية حاجيات التمويل. ذلك ما أكده محافظ البنك المركزي، عبد اللطيف الجواهري، بينما ثار جدل في الأوساط الاقتصادية بين مؤيد للطباعة لأنها يمكن أن تحرر المملكة من المديونية الداخلية، ومعارض لها بسبب تداعياتها ومخاطرها.
وعبّر الجواهري، أول من أمس، عن اقتناعه بأن المغرب لن يلجأ أبدا إلى طباعة النقود من أجل توفير ما تواجه به الحكومة الإنفاق، معتبرا أن ذلك حل سهل محفوف بالكثير من المخاطر التضخمية والتأثيرات على القدرة الشرائية.
وأثيرت مسألة طباعة النقود مع محافظ البنك المركزي في سياق متسم بإعلان البنك عن كساد في حدود 5.2 في المائة خلال العام الحالي، وتدهور عجز الموازنة من 4.1 إلى 7.6 في المائة في نفس العام، وترقب تراجع رصيد النقد الأجنبي من 25.5 مليار دولار إلى حوالي 22 مليار دولار.
تلك توقعات قابلة للمراجعة، حسب ما تجلى من حديث الجواهري، الذي يؤكد أن تطوير الاقتصاد متسم بالكثير من عدم اليقين، المرتبط بشكل خاص بالطلب الخارجي الموجه للمملكة من شركاء يعانون من ركود حاد، واضطراب سلاسل التوريد العالمية.
ويأتي النقاش حول طبع العملة في ظل الأزمة الحالية، رغم تشديد قانون المركزي المغربي، على أنه لا يمكنه أن يمنح مساهمات مالية للدولة أو يضمن التزامات موقعة من قبلها، حيث جرى الحرص على تفادي اللجوء لطبع العملة بطريقة مبالغ فيها كما حدث في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، حسب مراقبين.
ويستحضر الجواهري الوضعية التي عاشها المغرب في الثمانينيات من القرن الماضي، حيث أدى انهيار سعر الفوسفات في السوق الدولية، إلى انخفاض حاد في رصيد المملكة من النقد الأجنبي وتدهور عجز الميزان التجاري.
ونجمت عن ذلك وضعية صعبة على الصعيد الاقتصاد الكلي، ما فرض اللجوء إلى طبع العملة بهدف أداء أجور الموظفين وضمان نوع من الأمن الاجتماعي، غير أن تدهور التوازنات الاقتصادية والمالية، فرض على المملكة الخضوع لإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتبني برنامج التقويم الهيكلي.
ومن جانبه، يعتقد الخبير في القطاع المصرفي، مصطفى ملغو، أن حسم محافظ البنك المركزي في مسألة رفض اللجوء لطباعة النقود في المستقبل، لا يمكن الركون إليه بشكل تام، على اعتبار أن القرارات الاقتصادية تبقى رهينة بتطورات الظرفية الاقتصادية، التي لا يمكن التحكم فيها.
ويحيل ملغو في تصريح لـ"العربي الجديد"، على تصريحات محافظ البنك المركزي قبل الأزمة الحالية، حيث كان يعبّر عن رفض بات موجوداً لمسألة خفض معدل الفائدة الرئيسي، قبل أن تقضي الأزمة بخفض ذلك المعدل من 2.25 في المائة إلى 2 في المائة، ثم إلى 1.5 في المائة، حسب القرار الذي اتخذ أول من أمس. نفس الأمر يسري في نظر ملغو على قرار تحرير المصارف من الاحتياطي الإجباري، الذي تقضي به القواعد الاحترازية المعمول بها.
وفي المقابل، يعتبر الاقتصادي المغربي، نجيب ميكو، أن طباعة النقود متاحة أكثر للاقتصاديات الكبرى، التي تسعى عبر تلك الآلية إلى تمويل برامج اقتصادية مستقبلية، ما يجنبها التداعيات السلبية لمثل هذا القرار.
ويتصور في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه يمكن في الحالة المغربية اللجوء إلى استعمال العملة التي يوفرها بنك المغرب، من أجل إعادة شراء الدين العمومي الموجود في ذمة الخزانة تجاه الأفراد والمصارف في المغرب.
ويوضح أن إعادة شراء ذلك الدين بالعملة التي يوفرها البنك المركزي، لن تنجم عنها توترات تضخمية، على اعتبار أن تلك الديون استعملت في السابق من أجل تمويل مشاريع حقيقية مثل الطرق والسدود، ما يعني أن لها ما يقابلها في الاقتصاد.
ويعتبر أن إعادة شراء بنك المغرب لتلك الديون، يجب أن تكون مشروطة بلجوء أصحابها إلى إعادة ضخ الأموال التي يحصّلونها مباشرة، في مشاريع اقتصادية حقيقية أو بطريقة مباشرة في صناديق استثمار أو البورصة.