وسط احتفال غير مسبوق بين المستثمرين في أوروبا، ارتفع اليورو إلى أعلى مستوى في ثلاثة أيام، كما قفزت الأسهم الأوروبية في المعاملات المبكرة اليوم الخميس، بعد هدنة في الحرب التجارية الشرسة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك في أعقاب المحادثات الإيجابية التي جرت الأربعاء بين رئيس المفوضية الأوروبية والوفد المرافق له في واشنطن مع الرئيس دونالد ترامب.
لكن من غير المعروف ماذا إذا كانت هذه "الهدنة" من قبل ترامب ستكون مؤقتة ومرتبطة بظروف الانتخابات الأميركية وضغوط بعض كبار رجالات الحزب الجمهوري بعدم التصعيد التجاري في الوقت الراهن، أم ستفضي إلى اتفاق دائم.
في هذا الصدد قال الاقتصادي بمصرف غولدمان ساكس، أليك فيليبس، إن غياب التفاصيل الدقيقة في"هدنة الحرب التجارية" بين واشنطن وبروكسل يرفع من فرص فشل المفاوضات لاحقاً. وأضاف الاقتصادي فيليبس" لقد رأينا ذلك يحدث مراراً مع الصين".
وعلى رغم أن رئيس المفوضية الأوروبية رفض في نهاية المؤتمر الصحافي مصافحة ترامب الذي مد له يده، حسب" فيديو المؤتمر"، إلا أن النتائج التي خرجت من الاجتماع كانت ايجابية مقارنة بالتصريحات العدائية التي صدرت عن ترامب قبل الاجتماع.
وخلال المؤتمر الصحافي مع يونكر مساء الأربعاء، تحدث ترامب عن "مرحلة جديدة" في العلاقات بين واشنطن وبروكسل. وقال إنه "يوم عظيم" للتجارة الحرّة، وذلك بعد أشهر من التحذيرات والتهديدات بين جانبَي المحيط الأطلسي.
وشدد ترامب على أنه تم الاتفاق على العمل للتوصل إلى "تجارة بدون تعريفات جمركية" في المبادلات الصناعية بين واشنطن وبروكسل، على أن يُستثنى من ذلك قطاع السيارات.
وأكد الرئيس الأميركي أن الاتحاد الأوروبي سيبدأ "بشكل شبه فوري بشراء الكثير من الصويا من المنتجين الأميركيين". وتعهد من جهة ثانية بإيجاد حل لمسألة التعريفات الجمركية على الصلب والألمنيوم الأوروبيَين.
وأبلغ ترامب الصحافيين في البيت الأبيض وقد وقف يونكر إلى جواره "اتفقنا اليوم (أمس)، بادئ ذي بدء، على العمل نحو الوصول بالرسوم الجمركية والحواجز غير الرسوم الجمركية والدعم إلى الصفر في تجارة السلع الصناعية غير السيارات".
وأضاف قائلاً "سنعمل أيضاً لتقليل الحواجز وزيادة التجارة في الخدمات والكيميائيات والأدوية والمنتجات الطبية وكذلك فول الصويا".
وكانت محطة سي.إن.بي.سي قد نقلت الأربعاء عن تقرير لداو جونز إن ترامب حصل على تنازلات من الاتحاد الأوروبي لتفادي حرب تجارية.
وقال التقرير إن الاتحاد الأوروبي وافق على استيراد المزيد من الصويا وخفض الرسوم الجمركية على المنتجات المصنعة وتكثيف العمل بشأن صادرات الغاز الطبيعي المسال.
واعتبر محللون أن ما توصل إليه الطرفان الأربعاء إنجاز كبير في ظل تشدد الزعماء الأوروبيين ورفضهم الدخول في تفاوض مع الولايات المتحدة قبل إلغاء التعريفات الأميركية على واردات الصلب والألمنيوم، ويوم السبت قال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير في مقابلة مع تلفزيون فرانس24، "نرفض أن ندخل في مفاوضات والسلاح مصوب إلى رأسنا".
وعلق بيل بالمر، المحلل الأميركي، على الاتفاق قائلاً "بدأ دونالد ترامب حرباً تجارية، ورد الاتحاد الأوروبي بالمثل، ففقد ترامب أعصابه، ويحاول الآن انهاء الحرب التجارية بعد أن خسر الكثير ولم يكسب شيئاً بالمرة. لو روت أي جهة اخبارية القصة بشكل مختلف، فهي كاذبة".
لكن جيم كارون، مدير محافظ الدخل الثابت في شركة مورجان ستانلي لإدارة الاستثمار توقع أن تكون كل تلك الاتفاقات مؤقتة، حيث لا يرى ما يخفف من التوترات التجارية في الأفق، وهو ما يعني من وجهة نظره ضرورة قيام الشركات بإعادة ترتيب أوراقها من أجل ضبط سلاسل التوريد الخاصة بها والتعامل مع التكلفة المتزايدة.
وقال كارون "في نهاية المطاف، لابد أن يجد أصحاب الشركات مصادر أخرى للمواد التي يستوردونها"، كما رجح أن تزداد عمليات التكامل الرأسي في الفترة القادمة، حيث تهدف الشركات الصناعية "لزيادة سيطرتها على سلاسل الإمداد الخاصة بها".
وكان يونكر قد حرص خلال المؤتمر المشترك على التشديد على أن أميركا والاتحاد الأوروبي "شريكان مقربان" و"حليفان وليسا عدوين". وشدد أيضاً على ضرورة العمل المشترك، خاصة أن الطرفين يمثلان "نصف التجارة العالمية".
لكن رغم التصريحات الإيجابية الصادرة من عواصم عدة بشأن نتائج المحادثات، فلا تزال الشكوك حول ماذا كانت الحرب التجارية ستنتهي أم أنها "هدنة مؤقتة" كما وصفتها " فاينانشيال تايمز".
في هذا الصدد قالت المفوضة الأوروبية للتجارة سيسيليا مالمستروم التي ترافق يونكر في زيارته إلى واشنطن، إن هذه الخطوة بارقة أمل لـ"خفض حدة التصعيد"، إلا أنها أكدت في الوقت نفسه ان الاتحاد الأوروبي يضع لائحة بمنتجات أميركية إضافية بقيمة 20 مليار دولار يمكن استهدافها برسوم جمركية في حال إذا ما كانت المحادثات قد فشلت.
وكان رئيس مجلس النواب بول راين قد أكد الثلاثاء، إنه لا يحبذ الحرب التجارية. وعلى غرار راين، أبدى العديد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين قلقهم إزاء تأثير الخلافات التجارية على نتائج الانتخابات التشريعية التي تجري في منتصف الولاية الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني. وذلك وفقاً لما ذكرت قناة "يورو نيوز".
لكن ألمانيا، القائد الاقتصادي والمالي للكتلة الأوروبية، رحبت بالقرارات التي أعلنها ترامب ويونكر، ورأت فيها "انفراجة" يمكن أن تجنب الحرب التجارية وتُنقذ ملايين الوظائف. وكتب وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير على تويتر الخميس قائلاً "تهانينا ليونكر وترامب: لقد تحققت انفراجة يمكن أن تجنب الحرب التجارية وتنقذ ملايين الوظائف! جيد جداً للاقتصاد العالمي!".