"حنية" صندوق النقد القاتلة

06 ابريل 2017
اجتماع بين السيسي ولاغارد (Getty)
+ الخط -

إذا كان كل ما نشاهده من مآس وكوارث وأزمات على أرض الواقع هو من نتاج "حنية" وروشتة وعطف وشفقة صندوق النقد الدولي على المصريين، فما هو الحال لو كشر الصندوق عن أنيابه وتحول لوحش كاسر على غرار كبار المرابين التاريخيين؟

وإذا كانت "حنية" الصندوق الفائقة قد أفرزت كل هذه الأزمات الاقتصادية القياسية عدداً والقاسية تأثيراً من فقر وغلاء وجوع واختفاء الطبقة المتوسطة من المجتمع، وعدم قدرة ملايين الموظفين والعمال المصريين على توفير 3 وجبات لذويهم، فما هو الحال إذا ما اختفت هذه "الحنية" التي أبدتها اليوم مديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، عقب لقائها السيسي بواشنطن على هامش زيارته لأميركا؟

هل في هذه الحالة تتحول حياة المصريين لجحيم لا يطاق، وعذاب لا يتوقف، وأسعار سلع لا ترحم حتى الطبقة المتوسطة والمستورين؟

الحياة بالفعل هي كذلك في مصر، بسبب الأسعار التي زادت لمعدلات لم تصل لها منذ 75 سنة، وتحديداً منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وسريان روح اليأس بين المصريين، حتى محاولات التقشف وتناول وجبتين بدلا من ثلاثة باتت غير ذي جدوى.

اليوم خرجت علينا كريستين لاغارد ببيان هزلي تقول فيه إن صندوق النقد يعمل على مساعدة الحكومة المصرية والبنك المركزي للسيطرة على معدلات التضخم، كما يدعم الصندوق الخطوات التي تتخذها السلطات المصرية لحماية الفقراء ومحدودي الدخل.

بل وأسبغت على بيانها لمسة إنسانية حينما قالت "ندرك التضحيات والمصاعب التي يتعرض لها الكثير من المواطنين المصريين، وخاصة بسبب التضخم المرتفع".

الصندوق يتحدث عن حماية فقراء مصر رغم أنه هو الذي دهسهم بقطار سريع وبلا رحمة ولا شفقة بفرض إجراءات تقشفية عنيفة على الحكومة المصرية.

بيان الصندوق، ورغم قصره، يحمل كماً هائلا من الأكاذيب، بل ويخدع غير المتابعين للشأن المصري، فمن المعروف أن الكوارث الاقتصادية التي تمر بها مصر حاليا تأتي بسبب سياسات الصندوق التقشفية التي أجبرت الحكومة على خفض الدعم ورفع الأسعار.

ومن المعروف أيضا أن المصريين ازدادوا فقرا بسبب روشتة الصندوق السامة والتعهدات التي قطعتها الحكومة على نفسها للصندوق، وأنه في عهد الاتفاق المشؤوم مع الصندوق انهارت دخول المواطنين المحدودة، وتآكلت العملة الوطنية مقابل الدولار، وتفاقمت الأوضاع المعيشية، وبات المتابعون للشأن المصري ينامون أو يستيقظون على حكاية سيدة تسرد لقناه فضائية حكايتها المأساوية مع الحياة وأنها لا تجد ما تسد به رمق أطفالها الصغار، أو أب غير قادر على توفير لقمة العيش لأسرته الصغيرة، أو شاب ينتحر لفشله في العثور على فرصة عمل.

عقب تراجع المساعدات والمنح الخليجية السخية، سارعت الحكومة نحو الاقتراض الخارجي، وكان صندوق النقد أول المؤسسات المالية الدولية التي يتم التواصل معها، ذلك لأن موافقته على قرض بقيمة 12 مليار دولار ستفتح باب الاقتراض على مصراعيه من كل المؤسسات المالية الدولية الأخرى كالبنك الدولي والبنك الافريقي للتنمية وغيره.

الصندوق كان واضحاً منذ البداية مع الحكومة المصرية: "أنتم تمرون بأزمة اقتصادية حادة، وتريدون مساعدات مالية سخية في شكل قروض، سنوافق على طلبكم، لكن نريد أن نضمن استرداد أموالنا، نريد التزامات قاطعة بالسداد، لا نريد تعهدات ورقية، بل خطوات على أرض الواقع، إذا أردتم قروضاً عليكم بتنفيذ هذه الشروط، تعويم الجنيه مقابل الدولار، زيادة أسعار الوقود بكل انواعه من بنزين وسولار وغاز ومازوت، زيادة كل أنواع الضرائب والجمارك، استحداث ضرائب جديدة مثل ضريبة القيمة المضافة، زيادة أسعار الكهرباء، خفض الدعم، فرض مزيد من الضرائب على المصريين، عدم تعيين موظفين جدد بالجهاز الإداري للدولة، إقرار قانون الخدمة المدنية وتقليص عدد الموظفين.

وافقت الحكومة على الشروط لأنه الطريق الوحيد لإنقاذ الاقتصاد من الغرق حسب رؤيتها المحدودة وإدارتها الفاشلة للملف الاقتصادي، والنتيجة حدوث مزيد من الانهيار الاقتصادي في البلاد رغم كل القروض الخارجية ومليارات الدولارات الممنوحة والبالغة 20 مليار دولار في 6 شهور فقط، وكما فشلت مساعدات الخليج النقدية التي تجاوزت 30 مليار دولار في وقف الارتفاعات القياسية في الأسعار، فشلت أيضا القروض الضخمة في كبح جماح التضخم الهائج.

أحدث ما في جعبة "حنية" صندوق النقد للمصريين هي تلك الزيادات المرتقبة في أسعار الكهرباء والبنزين والسولار المقرر تطبيقها في لوليو القادم.

لاغارد صندوق النقد... ليت "حنيتك" على المصريين لا تدوم، فهي مرادف للمعاناة وغلاء الأسعار والبطالة والقهر النفسي والاجتماعي، وإذا كان معانة المصريين ناجمة عن قرارات الصندوق، فأين هو الحنان الذي تتحدثين عنه؟

المساهمون