"فاتف" تضغط على الاقتصاد الإيراني المأزوم

23 فبراير 2020
مؤشرات الاقتصاد تشهد تراجعاً (فرانس برس)
+ الخط -
تتسارع الأزمات الاقتصادية في إيران، مع إدراجها من قبل مجموعة العمل المالي الدولية "فاتف" على القائمة السوداء، بسبب عدم إقرار طهران التشريعات اللازمة للانضمام إليها لخلافات داخلية مستعصية حالت دون ذلك. 

وعلى الرغم من محاولة محافظ البنك المركزي الإيراني، عبد الناصر همتي، التقليل من أهمية قرار "فاتف"، معتبراً أنه "لن يخلق مشاكل للتجارة الخارجية الإيرانية واستقرار أسعار العملات"، إلا أن رئيس مكتب الرئيس الإيراني، محمود واعظي، أكد أن الظروف الاقتصادية لبلاده عقب صدور هذا القرار "ستصبح أسوأ مما هي عليه اليوم".

مؤشرات الاقتصاد مالت إلى رأي واعظي، مع دخول الريال الإيراني مسار التراجع من جديد، بعد إعلان قرار "فاتف" الجمعة ليتجاوز سعر صرف كل دولار أميركي عتبة 146 ألف ريال، واستُكمل التراجع إلى 150 ألف ريال السبت.

وتوقع خبراء إيرانيون حصول تداعيات سلبية للغاية لهذا القرار على التحويلات المالية من إيران إليها، ومعاملاتها المصرفية والمالية مع شركائها الاقتصاديين، بموازاة العقوبات الأميركية الصارمة.

ولفت عدد من المحللين إلى أن إدراج إيران على القائمة السوداء لمجموعة "فاتف" سيؤدي إلى تراجع أعمق لإيرادات البلاد، في ظل عجز متوقع للموازنة الإيرانية خلال العام المالي المقبل الذي سيبدأ في 19 مارس/آذار، وصولاً إلى 86 تريليون ريال، وفق تقديرات مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني.

وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي، كامران ندري، لموقع "فرارو" الإصلاحي الإيراني، إن الدخول في هذه القائمة سيرفع مستوى المغامرة والتكاليف للدول في علاقاتها الاقتصادية مع إيران، وحتى الشركاء الاقتصاديون "لن يتحملوا هذه المغامرة والتكاليف العالية في المعاملات المالية". وأضاف: "حتى لو واصلنا معاملاتنا عبر الطرق غير الرسمية والمسارات التي نعرفها، فإن تكاليفها ستزداد في ظل هذه الظروف التي يعاني منها اقتصادنا".

في المقابل، اعتبر عدد من المحافظين أن تداعيات القائمة السوداء، نفسية وستزول سريعاً، لكون القيود على التجارة الإيرانية مع الخارج، مفروضة بالأساس نتيجة العقوبات الأميركية.
وبموازاة قرار مجموعة "فاتف"، بدأ انتشار "كورونا الجديد" في عدد من المناطق الإيرانية، يثير انتباه الاقتصاديين الذين يراقبون تطور انتشاره، لدراسة تأثيراته المقبلة على الاقتصاد، خاصة مع ارتفاع عدد الوفيات إلى خمسة من أصل 28 إصابة مؤكدة بالفيروس.

وتأتي هذه التطورات، بعدما أكد مسؤولون إيرانيون، في مقدمتهم الرئيس حسن روحاني، في مناسبات عدة، أن المؤشرات الاقتصادية تتجه نحو التحسن. وقال روحاني في آخر تصريحات له الأسبوع الماضي، إن بلاده تجاوزت الضغوط الأميركية القصوى، وإن المؤشرات على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تشير إلى أن الوضع يتجه نحو الأفضل.

وقد أعلن مركز الإحصاء الإيراني أخيراً أن نسبة التضخم تراجعت خلال الشهر الماضي 1.6% إلى 37%، مقارنةً بديسمبر/كانون الثاني. فيما قدّر مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني، النمو الاقتصادي في القطاعات غير النفطية خلال العام المالي الحالي (الذي سينتهي بعد شهر تقريباً) بـ1.8%، إلا أنه مع احتساب القطاع النفطي يبقى هذا النمو سالباً. وكان صندوق النقد الدولي قد توقع نمواً سلبياً للاقتصاد الإيراني، هذا العام بنسبة 9%، بعدما سجّل نمواً سالباً في العام الماضي بنسبة 5%.

وأعلنت واشنطن الحظر الشامل على الصادرات النفطية الإيرانية، اعتباراً من الثاني من أيار/مايو عام 2019. وفي حين أن الحكومة الإيرانية لا تعلن حجم صادراتها النفطية، لكن تصريحات مسؤولين إيرانيين بشأن إدارة البلاد بـ"اقتصاد من دون النفط" تشير إلى تسجيلها انخفاضاً حاداً.

ووفق بيانات أوردتها وكالة "رويترز" في سبتمبر/أيلول الماضي، تقلصت صادرات إيران من النفط الخام أكثر من 80% على خلفية العقوبات الأميركية. علماً بأنها كانت تصدر قبل عودة العقوبات نحو مليونين و500 ألف برميل يومياً.

هذه الأرقام تعني فشل سياسة تصفير الصادرات النفطية الإيرانية، لكن هذه الضغوط الاقتصادية، التي تعتبرها إيران "حرباً اقتصادية" أو "إرهاباً اقتصادياً"، قد خفضت العوائد والإيرادات النفطية الإيرانية بشكل كبير. إذ كشف روحاني، نهاية ديسمبر/كانون الثاني، أنّ العقوبات الأميركية خفضت 200 مليار دولار من إيرادات بلاده.

وبينت البيانات الرسمية وجود تحسن طفيف طرأ على المؤشرات الاقتصادية الإيرانية، خلال الشهرين الأخيرين، ما أبطأ وتيرة ارتفاع أسعار السلع والخدمات. وكانت الأسعار قد شهدت قفزات كبيرة خلال العامين الأخيرين لتحقق مستويات قياسية وصلت إلى ما بين 100% إلى 400% بحسب السلع المطروحة في السوق، نتيجة انخفاض قيمة الريال نحو 150%.

لكن الاقتصاديين اعتبروا أن العوامل الجديدة، وأبرزها قرار "فاتف" وانتشار "كورونا"، من شأنها أن تطيح هذا التحسن، ليتفاقم انكماش الاقتصاد الإيراني، الذي توقع معهد التمويل الدولي في تقرير له خلال الشهر الماضي أن يصل إلى 7.2% في مارس/آذار.
المساهمون