أسواق المال تجاهلت تعيين باول رئيساً للاحتياط الفيدرالي

04 نوفمبر 2017
جيرمي باول لدى تعيينه افي البيت الأبيض (Getty)
+ الخط -
حرص الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على اختيار جيروم باول، رجل القانون وعضو مجلس محافظي بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي)، رئيساً للبنك لمدة أربعة أعوام تبدأ في فبراير/ شباط من العام المقبل 2018، حتى يضمن استمرار ازدهار سوق "وول ستريت" وارتفاع مؤشراتها التي يتفاخر بها، فضلاً عن الرغبة في وضع قيود أقل على النظام المصرفي.
تجاهلت سوق "وول ستريت" في تعاملاتها أمس، تعيين باول، الذي نظر اليه محللون على أساس انه امتداد لفترة جانيت يلين.

ويتعين على باول الذي ينتمي لمعسكر الحمائم في السياسة النقدية، الحصول على موافقة مجلس الشيوخ قبل تقلده المنصب الجديد، وفي الأغلب فإن وزير المالية ستيفن منوشن كان له دور كبير في هذا الاختيار، كما أظهر ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ تأييده لباول، واصفاً إياه بأنه رجل مسؤول وواضح.وذلك وفقاً لما ذكرته وكالة بلومبيرغ الأميركية.

وقالت الوكالة الاقتصادية الأميركية، إن "ترامب وضع بهذا الاختيار حداً للتكهنات التي سادت في الأسابيع الماضية، مفضلاً الاختيار الأسهل، والذي يراه البعض امتداداً للسياسات الحالية تحت رئاسة جانيت يالين التي تنتهي ولايتها الأولى بحلول فبراير/شباط، ولكن بنكهة جمهورية، مع تقبل لقيود أقل على النظام المصرفي، وهو ما يحبذه ترامب. ولباول باعٌ طويل في الحزب الجمهوري، كما في القطاع المالي في الولايات المتحدة".
وأغلقت مؤشرات الأسهم تداولات الخميس على تباين بعد الإعلان عن اختيار باول، إذ انخفض مؤشر ناسدك بنسبة قليلة، وارتفع مؤشر إس أند بي 500 بنسبة قليلة، بينما أغلق مؤشر داو جونز على ارتفاع بنسبة 0.4%، وربما يرجع السبب في التأثيرات الضعيفة للإعلان إلى توقع الأسواق بنسبة كبيرة ترشيح باول.

لكن بصورة عامة، نقلت وكالة بلومبيرغ عن محللين اقتصاديين أن اختيار باول سيدعم ارتفاع أسعار الأسهم الأخيرة، كما يرونه اختياراً "مملاً" لأسواق السندات، نظراً لتمسكه بالوتيرة البطيئة لرفع أسعار الفائدة الأميركية. وفي هذا الصدد يقول وارد ماكارثي كبير الاقتصاديين في شركة جيفريز للاستشارات المالية إنه "ممل، لكنه واضح ومباشر".
وجيروم باول ليس غريباً على المنصب، فقد ظل عضواً بمجلس الاحتياط الفيدرالي الحالي منذ مايو/أيار عام 2012. ويحسب باول على معسكر الحمائم في السياسة النقدية، فهو من أنصار رفع الفائدة التدريجي الذي نفذته رئيسة المركزي الأميركي الحالية.

وبالتالي فإن اختياره، حسب وكالة بلومبيرغ، يتوافق مع مصالح الرئيس دونالد ترامب الشخصية وسياسته الاقتصادية، إذ أن ترامب يرغب في دولار ضعيف وسعر فائدة غير مرتفع. كما أن اختياره بحسب المراقبين جاء موفقا بالنسبة لأسواق المال والأثرياء الذين يرغبون في استمرار الارتفاع الجنوني في مؤشرات أسهم وول ستريت. ويتناسب الاختيار كذلك مع أصحاب العقارات وحملة القروض المالية الكبيرة، الذين من بينهم الرئيس دونالد ترامب نفسه وأفراد عائلته الذين يملكون إمبراطورية عقارية ضخمة ولدى شركاتهم قروض كبيرة.

ومعروف أن رفع الفائدة سيعني زيادة خدمة الدين. وبالتالي يلاحظ أن ترامب تفادى اختيار كل من كيفن وارش الرئيس السابق للاحتياط الفيدرالي، والبروفسور جون تيلور، أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، وهما من الشخصيات التي تعتقد بضرورة نهاية عهد التمويل الرخيص ورفع الفائدة، أي أنهم من "صقور السياسة النقدية" المطالبين بـ"فطم" الطبقة الثرية عن الحصول المجاني على الدولارات.
وبرر ترامب في أكثر من مناسبة حبه للدولار الرخيص بقوله إنه يرغب في رفع تنافسية الصادرات الأميركية في الأسواق العالمية مقابل المنتجات الأخرى، وكذلك تنافسية البضائع الأميركية في السوق المحلي. إذ عادة ما يقود الدولار القوي إلى شراء المستهلك الأميركي للسلع المستوردة لأنها أرخص، كما أن المستهلك في الأسواق العالمية يلجأ لاستيراد سلع بديلة للبضائع الأميركية حينما يكون سعر صرف الدولار مرتفعاً مقابل عملات الدول المنافسة.

وهنالك العديد من الانتقادات التي وجهت للرئيس الأميركي بشأن سياساته الاقتصادية، وماذا يريد من المحافظ الجديد للبنك المركزي، من تلك الانتقادات ما ذكره الاقتصادي آدم بوسن، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، الذي قال في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إن ترامب يريد تنفيذ سياسة "نقد حمائية"، بعد الحماية التجارية.
وأضاف بوسن "الأمر سينتهي بمجلس احتياط فيدرالي ينتمي لمعسكر الحمائم، لأن كثيراً من أعضاء مجلس الإدارة سيتم تغييرهم دفعة واحدة وتعيين آخرين من قبل ترامب".

وأوضح أن هناك ثلاثة مناصب شاغرة في مجلس محافظي البنك المركزي الأميركي، إضافة إلى نائب رئيس البنك ستانلي فيشر الذي سيستقيل من منصبه في نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري لأسباب شخصية.
وحسب تاريخه في المصرف الذي امتد لفترة خمس سنوات ونصف السنة، فإن جيروم باول، من الذين دعموا سياسة التدرج في رفع الفائدة تبعاً للتحسن في النمو الاقتصادي، وهو من المتفائلين بالمستقبل الاقتصادي للولايات المتحدة.

وسبق أن قال الدكتور جيروم باول في تصريحات صحفية فبراير/ شباط الماضي، إنه سيلجأ لسياسة التيسير الكمي إذا تعرض الاقتصاد الأميركي لأزمة كبرى مثل تلك التي تعرض لها في العام 2007.
ويختار رئيس الولايات المتحدة رئيس البنك الفيدرالي عادةً من بين أعضاء مجلس المحافظين، ويخدم لمدة أربع سنوات بعد التعيين، ويجوز التجديد له لعدة فترات متتالية.

ولم تعرف الولايات المتحدة رئيساً للبنك الفيدرالي في العقود الأربعة الأخيرة لم يتم التجديد له بعد نهاية فترة ولايته الأولى كما حدث مع يلين، والتي كانت أول امرأة تترأس البنك.
وعلى الرغم من كونه محامياً، إلا أن باول اكتسب خبرة كبيرة من العمل بوزارة الخزانة وقت الرئيس بوش الابن، واكتسب خبرة إدارة الأزمات من معاصرته أثناء عمله بالوزارة للعديد من الكوارث التي حلت ببنوك كبيرة في ذلك الوقت، مثل بنكي نيو انجلاند وسلومون براذرز.

كما شغل منصب محافظ بمجلس محافظي البنك الفيدرالي في عهد بن برنانكي، واجتهد بعدها في تعلم كل ما يرتبط بعلم الاقتصاد، كما يقول زملاؤه الذين عاصروه.
ويعد باول أول رئيس للبنك الفيدرالي خلال العقود الأربعة الأخيرة من غير الحاصلين على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد، ومع ذلك فقد قال عنه بيتر هوبر كبير الاقتصاديين في بنك دويتشه الألماني في تعليقات لوكالة بلومبيرغ، إن "فهمه للاقتصاد النقدي مبهر". كما وصفه مايكل ماير، مدير وحدة الاقتصاد في مصرف "بنك أوف أميركا"، بأنه "سجل اسمه باعتباره وسطياً فيما يتعلق بالسياسة النقدية".

وفي استقصاء للرأي أجرته "افركور آي اس آي" للاستشارات المالية على 144 مستثمراً، أيد أكثر من نصفهم احتمالية أن يرفع باول أسعار الفائدة بوتيرة أسرع قليلاً من يلين.
كما مثل باول موقفاً متوازناً بين ترامب ويلين فيما يتعلق بالقوانين المنظمة لعمل المؤسسات المالية، والتي يرغب ترامب في إلغاء أغلبها باعتبارها معوقة للنمو الاقتصادي، بينما تتمسك بها يلين خوفاً من تكرار أزمة 2008 المالية.

ودرس باول، البالغ من العمر 64 عاماً، العلوم السياسية في جامعة برينستون، ثم حصل على الدكتوراه في القانون من جامعة جورج تاون، والتحق بعدها بأحد بنوك الاستثمار في نيويورك.


دلالات
المساهمون