سراب المساعدات: العراق يطلق قروضاً لبناء المنازل المدمّرة

23 فبراير 2018
عراقيون يحاولون إصلاح منازلهم المدمرة (أحمد موفق/ فرانس برس)
+ الخط -


أطلقت الحكومة العراقية قروضاً للمواطنين لمساعدتهم في تأهيل منازلهم المدمرة في المدن المحررة من تنظيم "داعش"، ما يعد بمثابة إعلان فشل مؤتمر المانحين لإعادة إعمار العراق بالكويت في تحقيق الحد الأدنى للتعهدات التي تم الإعلان عنها، حسب محللي اقتصاد لـ"العربي الجديد".

ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي قروض بناء المنازل المدمرة نحو 5 مليارات دولار وسط مخاوف من أن يصبح القرار الحكومي تمهيداً للتنصل من دفع تعويضات للسكان، وبالتالي تفاقم الأعباء المالية التي تواجههم، الأمر الذي يعرقل عودة الكثير من المهجّرين إلى مدنهم.

وأعلنت الحكومة العراقية في بيان لها، أول من أمس، عن إطلاق قروض جديدة تستهدف المواطنين لأغراض تأهيل الوحدات السكنية التي تضررت جراء العمليات الإرهابية والعسكرية بالمدن المحررة من داعش.

وذكرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي في البيان، أن المجلس قرر إطلاق القروض للمواطنين بهدف بناء أو تأهيل الوحدات السكنية التي تضررت جراء العمليات الإرهابية والعسكرية.

وأضافت الأمانة العامة لمجلس الوزراء أن وزارة المالية تتحمل مبالغ الفوائد المترتبة على تلك القروض للسنوات الخمس الأولى، وأن تقترن الموافقة على الإقراض بمصادقة لجان التعويض المختصة، موضحة أن وزارة المالية ستتولى إعداد تعليمات لتسهيل تنفيذ القرار بالتنسيق مع وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة، والبنك المركزي العراقي.





وقال المهندس بلجنة تعويضات محافظة الأنبار مضر عبد الرحمن الراوي المخمن إن "إطلاق الحكومة العراقية قروضاً للمواطنين في المدن المنكوبة بمثابة إعلان عن فشل مؤتمر إعادة الإعمار في تحقيق الحد الأدنى من المنح لتعويض المواطنين أو إعادة بناء منازلهم في المدن المحررة شمال وغرب البلاد.

وأضاف الراوي لـ"العربي الجديد": "هذا يعني أن الحكومة العراقية أدركت أن انتظار الوعود أو وصول شركات للاستثمار غير مجدٍ، ومع استحالة بقاء مشكلة السكن للمواطنين المدمرة بيوتهم وعدم توفر مبالغ مالية كافية لدى الدولة لتعويضهم أطلقت تلك القروض".

وتأتي هذه القروض بعد أيام من انعقاد مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق الذي اعتبره أعضاء في البرلمان العراقي وسياسيون ومراقبون بأنه لم يحقق الحد الأدنى من تطلعات بغداد حسب تعبيرهم.

وكانت وزارة التخطيط العراقي قد أعلنت خلال مؤتمر الكويت الذي انتهت أعماله الأربعاء قبل الماضي، عن حاجة العراق إلى نحو 88 مليار دولار لإعمار مدن شمال وغرب البلاد وإعادة الحياة إليها، إلا أن المؤتمر توصل إلى تعهدات بنحو 30 مليار دولار فقط غالبيتها قروض سيادية، إذ بلغت المنح نحو مليار و800 مليون دولار معظمها بشروط من منظمات عربية وغربية وأممية.

من جانبه، قال مستشار صندوق إعادة الإعمار في نينوى، حسين جاسم الجبوري، إن الأرقام الموجودة الخاصة بقطاع السكن مخيفة حيث تبين وجود نحو 200 ألف وحدة سكنية بين دمار كامل أو جزئي لا تصلح للعيش تشمل منازل وشققا سكنية في مدن نينوى والأنبار وديالى وصلاح الدين وكركوك وحزام بغداد وشمال بابل.





وأضاف الجبوري لـ"العربي الجديد" أن كلفة إعمار كل منزل تتراوح في أقل الأحوال من 30 إلى 40 مليون دينار ما يعادل (بين 25 و40 ألف دولار) وهذا ما يعني أن الدولة بحاجة إلى مبلغ لا يقل عن خمسة مليارات دولار.

وفي هذه الأثناء، لا زال آلاف من أهالي المناطق المحررة يعيشون في المخيمات بسبب الدمار الهائل الذي لحق بمدنهم جراء الحرب بين القوات العراقية وتنظيم داعش الذي حول مدناً وأحياء بكاملها إلى أكوام من الأنقاض.

وبدأ قسم من العراقيين المدمّرة منازلهم بمحاولات إعمار جزئية أو البحث عن سكن مؤقت. وفي هذا السياق، قال عضو البرلمان العراقي حامد المطلك لـ "العربي الجديد"، إن السكن أبرز المشاكل التي تواجه المواطنين بالمدن المحررة خاصة وأن كثيرا منهم عاد لمدينته فلم يجد سوى ركام وجدران محطمة.

وأضاف أن "المواطنين وخاصة الموظفين لا يملكون مالا من أجل إعمار منازلهم والدولة دستوريا مسؤولة عن تعويضهم، ويبقى التساؤل هنا: هل هذه القروض بديل عن التعويضات أم أنها إجراء مساعد مؤقت للمواطنين".





وقال المواطن حذيفة الدليمي (46 عاماً) من أهالي الأنبار غربي العراق لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة العراقية فشلت في إقناع المجتمع الدولي بضرورة منح العراق المبالغ اللازمة لتأهيل مدنه المدمرة بسبب الفاسدين الذين زجتهم في الوفود المشاركة في المؤتمر والذين كان همهم الأول الحصول على مكاسب سياسية وحزبية وشخصية"، مبيناً أن حل أزمة السكن وتعويض الناس أو بناء دورهم سينهي 60% من مشاكل صعوبة الاستقرار بالمدن المحررة.

واعتبر المحلل السياسي واقد الزبيدي لـ"العربي الجديد" أن ما فعلته الحكومة العراقية في الإعلان عن إطلاق قروض مالية للمواطنين لتأهيل منازلهم المدمرة يعد أضعف الإيمان.

وقال إن العالم كله يعرف حجم الفساد في الحكومة العراقية وهذا ما لم يشجع أغلب دول العالم على منح أموال للعراق لإعمار مدنه المدمرة فضلاً عن الوفد العراقي الذي شارك في مؤتمر الكويت والذي كان هزيلاً وأغلبه من الفاسدين. وتابع: "كيف نستطيع إقناع المجتمع الدولي بوجود حكومة قادرة على إدارة الأموال والمشاريع والفساد ما زال مرتفعا والأحزاب والمليشيات تتصرف وتتدخل في أبسط الأمور؟".

وبحسب مركز "إنجاح للتنمية الاقتصادية (مستقل)"، فإن الأموال المنهوبة في العراق خلال 13 سنة الماضية بلغت 312 مليار دولار، من موازنات البلاد التي بلغت 800 مليار دولار.

ووفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية الذي صدر أول أمس، يعتبر العراق واحداً من البلدان الأكثر فساداً في العالم عام 2017، إذ احتل المركز 169 عالميا من إجمالي 180 دولة، في حين احتل المركز 166 في قائمة من 176 دولة عام 2016.

وبدأت السلطات العراقية في نهاية العام الماضي، بعد ثلاث سنوات من الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، حراكاً خجولاً لمكافحة الفساد، مستهلة العمليات باعتقال محافظين ومسؤولين حكوميين تمكّن بعضهم من الهروب خارج البلد، في ما أطلق عليه مراقبون اسم "موسم صيد الحيتان".

وأدى تفاقم الفساد في البلاد إلى زيادة معاناة المواطنين المعيشية في ظل تراجع أداء مختلف القطاعات الاقتصادية وضعف الأداء الحكومي وسط أزمة مالية حادة تعاني منها الدولة.

المساهمون