التلاعب بالأرقام

12 مارس 2017
القروض تمثل 80% من صافي التدفقات الرأسمالية (العربي الجديد)
+ الخط -
تتلاعب الحكومة المصرية بالأرقام، وهي بذلك تنتهج نفس السياسة التي سارت عليها حكومات مبارك المتعاقبة طوال 30 عاما، وأحدث الأمثلة على ذلك الأرقام المعلنة من قبل مؤسسات رسمية وعلى لسان مسؤولين حكوميين وتتعلق بميزان المدفوعات وإيرادات قناة السويس وحجم الصادرات والاستثمارات الأجنبية التي تم جذبها للبلاد، وكذلك أرقام تتعلق بمعدل التضخم والنمو والبطالة والفقر وغيرها.

قناة السويس

قبل أيام، خرج علينا رئيس هيئة قناة السويس، الفريق مهاب مميش، ليعلن أن إيرادات القناة ستقفز إلى 80 مليار جنيه في العام الجاري 2017، مقابل 49.7 مليار جنيه في العام الماضي 2016، وهو الخبر الذي أسعد ملايين المصريين، إذ يعني أن القناة ستزيد إيراداتها أكثر من 30 مليار جنيه في عام واحد وبما يعادل نسبة زيادة تفوق 60.9% بالجنيه المصري، وهو كلام، إن صح، تكون التفريعة السابعة قد بدأت تدر على القناة إيرادات ضخمة.

لكن نظرة متأنية لأرقام الزيادة التي أعلنها الفريق مميش نجد أنها غير صحيحة وبها تلاعب واضح، فعندما تحسب رقم إيرادات قناة السويس بالدولار، وهي عملة السداد المعتمدة بالقناة ضمن سلة عملات رئيسية أخرى، نجد أن الإيرادات ستتراجع إلى 4.44 مليارات دولار في عام 2017، (80 مليار جنيه على 18 جنيهاً متوسط سعر الدولار حالياً تساوي 4.44 مليارات دولار) مقابل 5.035 مليارات دولار إيرادات العام 2016، وهو ما سيعني خسارة القناة نحو 591 مليون دولار في العام الحالي، وبنسبة تراجع 11.7%.

وهنا يكون رئيس قناة السويس قد تلاعب في الأرقام عن طريق احتساب إيرادات القناة بالجنيه وليس بالدولار، مخالفا بذلك القواعد التي سار عليها هذا الممر الملاحي العالمي منذ أكثر من مائة عام.

ميزان المدفوعات

ونهاية الأسبوع الماضي، كشف البنك المركزي المصري عن تحوّل ميزان المدفوعات من العجز إلى الفائض، خلال النصف الأول من العام المالي الجاري 2016-2017، قائلاً إن الفائض بلغ نحو 7 مليارات دولار، خلال الفترة من يوليو/تموز إلى ديسمبر/كانون الأول من عام 2016، مقابل عجز بلغت قيمته 3.4 مليارات دولار في نفس الفترة من العام الماضي.

وميزان المدفوعات Balance of payments لمن لا يعرفه، هو ذاك المؤشر الذي يقيس العمليات المالية التي تتم بين مصر والخارج خلال فترة معينة من الزمن، ويدخل ضمن المؤشر حجم الاستثمارات الأجنبية وإيرادات السياحة والصادرات والواردات والتحويلات وغيرها.

هذه الأرقام والفائض المحقق كما أعلن البنك المركزي يعني، على الفور، أن مصر جذبت موارد ضخمة من النقد الأجنبي في النصف الثاني من عام 2016، وأن هناك زيادة في الموارد الأجنبية تجاوزت 10 مليارات دولار، وأن قطاعات اقتصادية مهمة قد استردت عافيتها مثل السياحة والصادرات غير البترولية والاستثمارات الأجنبية وتحويلات العاملين بالخارج وقناة السويس، وهذا غير صحيح على الإطلاق، لأن نظرة مدققة لهذه الموارد تظهر أنها تراجعت وبشكل حاد كما تقول أرقام البنك المركزي نفسها.

والملفت أنه عقب الإعلان عن تحول ميزان المدفوعات من السالب الي تحقيق فائض، سارعت وسائل الإعلام محلية لتؤكد أن ذلك يعد مؤشراً جيداً وإيجابياً، وخير دليل على أن الاقتصاد المصري يسير بخطى ثابتة على المسار الصحيح، خاصة أن تقرير البنك المركزي أشار إلى أن نسبة 73% من هذا الفائض تحققت خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول وحتى ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.

لكن عندما نبحث عن السبب الحقيقي في تحول عجز ميزان المدفوعات إلى فائض، نجد أن السر يكمن في اقتراض مصر 14 مليار دولار في النصف الثاني من عام 2016، فالقروض تمثل نحو 80% من صافي التدفقات الرأسمالية المسؤولة عن تحقيق الفائض، وهنا نكون دخلنا في لعبة التلاعب بالأرقام، وربما تخرج علينا المؤسسات الحكومية بعد شهور لتؤكد استمرار الفائض، خاصة مع حصول مصر على 5 مليارات دولار قروضا خارجية في شهر واحد، هو يناير/كانون الثاني 2017.

الاستثمارات الأجنبية

هناك مثال آخر في لعبة الأرقام، فوسائل الإعلام المصرية تنشر حاليا حملة حكومية تؤكد حدوث تحسن كبير في الاستثمار الأجنبي المباشر، وأن البلاد جذبت 12 مليار دولار في عام. وعندما تبحث عن الحقيقة تجد أن الرقم مبالغ فيه، وأن ما تم جذبه يقل عن ذلك، وهو عبارة عن استثمارات في قطاع التنقيب عن البترول والغاز، وهي استثمارات لا توفر فرص عمل، أو أنها أموال ساخنة في أذون الخزانة والبورصة، وهي استثمارات ضررها للاقتصاد أكثر من نفعها.

التضخم

رقم آخر يؤكد تلاعب الحكومة بالأرقام، فالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أعلن يوم الخميس الماضي أن معدل التضخم بلغ 31.7% في فبراير/شباط الماضي، وبعدها بساعات خرج علينا البنك المركزي ليؤكد أن معدل التضخم الأساسي تجاوز 33%، وهو ما يعني أن أرقام التضخم التي تعلنها الحكومة غير دقيقة وتقل كثيراً عن الواقع الذي يعيشه المصريون، لأن معدل التضخم الأساسي الذي يعده البنك المركزي يستبعد من حساباته السلع سريعة التقلب مثل الخضار والفاكهة وغيرها، وبالتالي عند اضافة هذه السلع يرتفع معدل التضخم.

الفقر

وننتقل لرقم آخر يتعلق بالفقر، ففي الوقت الذي تؤكد فيه الأرقام الرسمية أن نسبة الفقر في البلاد تقدر بـ26.3%، طبقاً لبيانات آخر بحث أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وأن نسبة الفقر المدقع تدور حول 5%، نجد أن وزير التنمية المحلية، هشام الشريف، يخرج علينا ليؤكد أن عدد المصريين الذين هبطوا تحت خط الفقر المدقع تخطى حاجز الـ 40%، نتيجة تحرير سعر صرف العملة المحلية، علما بأن المنتمي للفقر المدقع يعني أنه غير قادر على توفير الاحتياجات الضروروية لأسرته.

هذه عينة من الأرقام التي تعلنها الحكومة من وقت لأخر والتي تبين استمرار عملية التلاعب بها. 

المساهمون