أكد خبراء اقتصاد سوريون أن إعلان مصرف سورية المركزي عن الإصدار الأول من شهادات الإيداع بالليرة السورية للعام الجاري وفق طريقة مزاد السعر الموحد للمصارف في البلاد، يستهدف في المقام الأول تمويل عجز الموازنة ومواجهة الإفلاس.
وأكد المصرف، أمس الإثنين، في بيان، أن القيمة الإسمية للشهادة هي مئة مليون ليرة (228 ألف دولار تقريبا)، بأجل يبلغ 6 أشهر، والحد الأدنى لعدد الشهادات المسموح الاكتتاب بها للجهة المؤهلة الواحدة هو خمس شهادات، بينما الحد الأقصى تم تحديده بما لا يتجاوز 10% من حجم السيولة الفائضة لدى كل مصرف، ويحق لكل مصرف التقدم بـ3 عروض.
وحدد مركزي سورية تاريخ استحقاق الشهادة بستة أشهر، من تاريخ التسوية في 25 من الشهر الجاري، وتكون الشهادات قابلة للتداول بين المصارف بدءاً من يوم العمل التالي ليوم التسوية، على أن يبدأ المزاد يوم الثلاثاء في 24 مارس/آذار الجاري.
يقول المحلل الاقتصادي مخلص الناظر إن شهادات الإيداع تباع للمصارف حصراً، التي تقوم من جانبها ببيعها كمنتج مصرفي نهائي للمواطنين. ويرى الناظر خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن شهادات الإيداع تمتد حتى ثلاث سنوات، وكلما زادت المدة يرتفع سعر الفائدة، ولا يحق للمودع سحب أو "كسر الوديعة" قبل المدة المحددة ولو بيوم واحد، وإن فعل، فستفوت عليه جميع كتلة الفائدة ولا يتقاضى أي ربح.
ويرى الناظر أن الهدف من طرح شهادات الإيداع يتمحور حول أمرين، الأول محاولة إعادة ثقة السوريين بمصارفهم وعملتهم، والثاني هو سحب فائض السيولة من الليرة السورية من الأسواق وتوجيه العملة إلى المصرف المركزي، لتمويل عجز الموازنة أو تشغيل الأموال بأقنية استثمارية يفوق عائدها نسبة الفائدة التي قد تصل لنحو 20%.
وأضاف المحلل السوري أن "التضخم النقدي بسورية، والذي يفوق ربما سعر الفوائد، فضلاً عن مخاطر انسداد الأفق، سيؤديان لفشل طرح شهادة الإيداع، إذ من المستبعد أن يلجأ السوريون لشراء هذه الشهادات"، مشيراً إلى أن "المصرف المركزي قد يلزم المصارف، أو بعضها، بشراء شهادات الإيداع".
وقال الناظر: "كنت أتوقع أن تكون شهادات الإيداع بالدولار وليس بالليرة السورية، حيث تعاني البلاد من نقص حاد بالعملات الأجنبية، وهي بأمس الحاجة إليها لاستيراد النفط والغذاء والمواد الأولية".
وكان نظام بشار الأسد قد أعلن العام الماضي، ولأول مرة، عن طرح شهادات الإيداع للمصارف العامة والخاصة عبر المصرف المركزي، اكتتب حينها 16 مصرفاً سورياً على 1308 شهادات بقيمة 131 مليار ليرة سورية، انتهت فترة استحقاقها في 21 فبراير/شباط الماضي.
وتقول مصادر سورية لـ"العربي الجديد"، إن المركزي يعيد تجربته التي نفذها العام الماضي وفشلت في تحقيق هدفها المتمثل في التحكم بالسيولة المحلية وإدارتها، ولكنه لم ينجح في تحسين سعر الصرف أو فتح قنوات استثمارية.
وتتابع المصادر من دمشق، التي طلبت عدم ذكر اسمها، إن إعادة التجربة سببها حاجة نظام بشار الأسد الشديدة للسيولة، حتى ولو كانت بالليرة السورية، مشيرة إلى أن "من لديه مدخرات من السوريين يتجه إلى المعادن الثمينة والدولار رغم الملاحقة، فهي الملاذات الآمنة وليس شهادات الإيداع".
وتختم المصادر حديثها لـ"العربي الجديد"، بأن نظام بشار الأسد يصحو دائماً متأخراً، وبإعلان المصرف المركزي عن طرح شهادات الإيداع، فقد رمى الكرة إلى ملعب المصارف التي ستشتريها ربما مرغمة، ما يعني تعرّض إيداعات السوريين للمخاطر.
وكانت حكومة بشار الأسد قد أعلنت في 3 شباط/فبراير الماضي، عن الاكتتاب الأول على سندات الخزينة، مبينة أن سعر الفائدة التأشيري للسندات يقدر بـ7 بالمئة وتاريخ استحقاقها 6/2/2022، أما تاريخ تسويتها فهو 6/2/2020، مبينة أنه من المزمع إجراء اكتتاب ثان على سندات خزينة بقيمة 150 مليار ليرة بأجل لمدة سنتين في الـ3 من أغسطس/آب من العام الجاري.
وبحسب الإعلان، يحق للمصارف العامة والخاصة في سورية حصراً المشاركة بالاكتتاب على سندات الخزينة، بينما يسمح لكل مشارك بتقديم أربعة عروض على الأكثر.
وتعاني حكومة بشار الأسد من ديون متراكمة لما يصفها خبراء "شركاء الأسد" بطهران وموسكو، إضافة إلى العجز "الهائل" بالموازنة العامة للدولة، حيث أعلنت هيئة التخطيط التابعة لحكومة الأسد سابقاً، أن مشروع موازنة 2020، يتضمن عجزاً بمقدار 35% من إجمالي الموازنة، وأن المبلغ المخصص لدعم المشتقات النفطية تراجع بنسبة أكثر من 96%، "من نحو 343 مليار ليرة عام 2019 إلى 11 مليار ليرة عام 2020".
وكشف معاون رئيس هيئة التخطيط، فضل الله غرز الدين، سابقاً، أن العجز في مشروع موازنة 2020 بحدود 1400 مليار ليرة، من أصل كتلة الموازنة البالغة 4000 مليار ليرة سورية، بزيادة عجز بنحو 118 مليار ليرة عن العام 2019.
(الدولار = 438 ليرة سورية وفقا للسعر الرسمي)