الاقتراض ملاذ الجزائريين لمواجهة مصاريف المعيشة في رمضان
جاء دخول شهر رمضان متزامنا مع تواصل تداعيات تفشي فيروس كورونا ليفاقم معاناة الجزائريين، خاصة من الطبقة الوسطى والفقيرة، الذين يصارعون غلاء المعيشة براتب شهري زهيد، أو بدخل يومي بالكاد يغطي نفقات النهار والليل، كما هو حال عمال المهن الحرة، المرتبطة حياتهم بمداخيلهم اليومية غير المنتظمة.
وفي ظل هذه الأزمات، لم يجد الكثير من الجزائريين سوى الاقتراض ملاذا لهم لمواجهة مصاريف فترة الحجر الصحي، التي جمّدت نشاطاتهم، بالإضافة إلى دخول شهر رمضان الذي يكثر فيه إنفاق المواطنين.
في حي "بلكور" الشعبي وسط العاصمة الجزائرية، يخرج كل يوم محمد جابيش، سائق سيارة أجرة "تاكسي"، للبحث عن تاجر يمده بالمواد الاستهلاكية مقابل دين مالي مكتوب أو ما يعرف باللهجة الجزائرية "كريدي"، نسبة للكلمة الفرنسية التي تعني "دين مالي".
يقول جابيش الذي لديه عائلة من 5 أفراد، إنه "يعيش على هذه الحالة منذ نهاية مارس/آذار الماضي، أخرج كل يوم أبحث عمن يقرضني مالا أو من يمنحني مواد غذائية وخضارا وفواكه من التجار، الأمر أصبح محرجا، فأنا لست عاجزا عن العمل، ولكن الإجراءات الحكومية المتخذة هي سبب توقف نشاطي".
وأضاف سائق الأجرة، لـ"العربي الجديد"، أن الظرف الذي يمر به زاد من المشاكل في بيته. وقال "في الخارج صرت أستحي أن أقصد التجار والمحلات في الحي، فالكل يحترمني، كان لي دخل يومي يصل أحيانا إلى 5 آلاف دينار (40 دولاراً)، يكفيني لمصروف يومي، واليوم ومنذ قرابة الشهر لم يدخل جيبي دينار واحد. الحكومة تضطر المواطن للتعدي على القانون والعمل خارجه للأسف".
وفي الضاحية الشرقية من العاصمة الجزائرية في حي "الحراش" المشهور بالمقاهي والمطاعم القديمة، التي يعود تاريخها إلى فترة الاستعمار الفرنسي (1954-1962)، التقت "العربي الجديد" بنور الدين شرشامي، نادل في أحد المقاهي، يكابد هو الآخر من أجل ضمان قوت عائلته في فترة الحجر الصحي، بعدما أمرت الحكومة بغلق المقاهي والمطاعم، في 22 مارس/آذار الماضي.
ويروي نور الدين معاناته اليومية قائلا: "مع كل صباح أستيقظ على وقع واقع مر، وزاد مرارة. قبل "كورونا" كنت أعمل في المقهى مقابل أجرة يومية تصل إلى ألف دينار (8 دولارات)، بالكاد تغطي مصاريف اليوم، بسبب غلاء المعيشة، لكن الحمد الله، كنت مستورا، إلا أنه منذ بداية الحجر، تعقدت الأمور، بعدما أنفقت بعض المدخرات القليلة".
وأضاف نور الدين، لـ "العربي الجديد": "اضطررت إلى أن أقترض مبلغا من أخي، ولا أدري ماذا أفعل بعد نفاد المبلغ، الأكيد سأتوجه إلى تجار الحي من أجل أخذ دين آخر، ولا أعرف كيف سأعوض كل هذا الدين، وقد دخل علينا رمضان بمصاريفه الكثيرة".
وكانت الحكومة الجزائرية قد أقرت حجرا صحيا جزئيا على جل محافظات البلاد، في 22 مارس/آذار، تم بموجبه توقيف كل الأنشطة التجارية ما عدا 13 نشاطا تتعلق بتموين المواطنين بالسلع الاستهلاكية والأدوية، بالإضافة إلى توقيف خدمات النقل عبر الحافلات وسيارات الأجرة والمترو، والحلاقة، وبيع الملابس، والمقاهي والمطاعم، وغيرها من النشاطات التجارية، ما جعل مئات الآلاف من الجزائريين يكابدون من أجل توفير بديل عن مداخيلهم اليومية المتوقفة من تلك النشاطات.
وخصصت الحكومة 10 آلاف دينار (93 دولاراً) كتعويض للمتضررين من الحجر الصحي، سواء عمال بأجر شهري تم توقيفهم عن العمل مؤقتا، أو عمال بأجرة يومية أو أصحاب نشاطات تجارية حرة، على أن يصرف المبلغ في الأيام الأولى من رمضان. وخصصت الحكومة قرابة 170 مليون دولار لتغطية هذه التعويضات.
إلا أن هذا التعويض، يراه الجزائريون ضئيلا رغم حاجتهم إليه، لمواجهة مصاريف الأيام الأولى من الشهر الكريم، حسب منير.ج ، الذي يعمل حمّالا (عتالا) في سوق الجملة للخضر والفواكه، إذ يقول لـ "العربي الجديد" إنه "يسارع الزمن لتشكيل ملف التعويض الذي يدفع في البلدية".
ويؤكد أن "المبلغ ضئيل، فغلاء المعيشة يلتهم قدرتنا الشرائية، وحتى الأسعار ارتفعت منذ بداية تفشي وباء كورونا، ولا ندري كم من الوقت تستغرق دراسة الملفات وصرف التعويض".
وتعتزم الحكومة إطلاق سلسلة مشاورات مع النقابات المهنية والفاعلين الاقتصاديين، لاستطلاع التداعيات التي خلّفتها جائحة كورونا، بعد تعطيل الحياة الاقتصادية، ووضع خطة لمواجهة هذه التداعيات وتخفيف آثارها على المؤسسات والموظفين.
ولمّح رئيس الحكومة، عبد العزيز جراد، الأسبوع الماضي، في تعليمات للوزراء، إلى استعداد الدولة لمساعدة المؤسسات الاقتصادية المتضررة، مُقراً بأنّ التدابير المتخذة من قبل السلطات العمومية للوقاية من الوباء "أثرت فعلياً وبشكل مباشر على الحياة الاقتصادية والتشغيل".