وسط انحسار العولمة وعودة العالم للحروب التجارية وسياسات حماية الأسواق من المنافسة الخارجية، تدرس أوروبا، التي تواجه ضغوطاً تجارية من قبل حليفها الرئيسي أميركا، مكانها الجديد في عالم متغير تجارياً واقتصادياً وسياسياً، يمر بفترة رمادية لبناء "نظام عالمي جديد".
ويأتي التقارب بين موسكو وبروكسل، وسط تنامي الشكوك حول مستقبل العلاقات الاقتصادية والتجارية التي كانت تربط أوروبا الغربية مع أميركا طوال فترة الحرب الباردة. وتبعاً لذلك، ترتبط الشركات الأوروبية بالسوق الأميركي.
في هذا الشأن، طرح المستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر، فكرة التعاون الاقتصادي بين روسيا وأوروبا، وإنشاء سوق واحدة تضم دول الاتحاد الأوروبي وروسيا.
ودعا شرودر، حسب ما ذكرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، ألمانيا، إلى إعادة النظر في سياستها تجاه موسكو، والتحول من العداء إلى التقارب. وقال في ندوة عقدت بموسكو "لا شيء يعيق حدوث هذا التقارب".
وعلى الصعيد الاقتصادي، ترتبط دول الاتحاد الأوروبي بمصالح طاقة قوية مع روسيا، حيث تستورد أكثر من 35% من احتياجات الغاز الطبيعي في المتوسط سنوياً، ونحو 27.3% من احتياجاتها من النفط من روسيا.
وحسب البيانات الروسية التي نشرتها وكالة سبوتنيك الروسية، بلغت صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، في العام الماضي، 200 مليار متر مكعب. وتعتمد أوروبا في إمداداتها من الغاز الطبيعي بنسبة 37% على الغاز الروسي.
ومن المتوقع أن يتزايد الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي مع تزايد استهلاك أوروبا للغاز، والذي يقدّر أن يرتفع بنحو 5 مليارات متر مكعب خلال العام الجاري 2019. كما أن مشروع "نوردم ستريم 2" الذي تعارضه أميركا سيضاعف حجم إمدادات الغاز الروسية لألمانيا.
وطرح المستشار شرودر فكرة إنشاء منطقة تجارة حرة مع روسيا، من لشبونة إلى فلاديفوستوك. وقال إن تنفيذ مثل هذه الفكرة سيعمل على تقوية أوروبا وسط النزاعات التجارية القائمة بين الشرق والغرب. وذكر المستشار الألماني أنه "يؤمن بمستقبل مشترك للاتحاد الأوروبي وروسيا. فأوروبا من دون روسيا، كما يعتقد، لن تكون قادرة على مواجهة جميع تحديات العالم المعاصر".
وفكرة التعاون الاقتصادي والتجاري الروسي مع أوروبا ليست جديدة، فقد طرحت من قبل فرنسا وعدد من المسؤولين في أوروبا. ولاحظ محللون الترحيب الحار للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبيل انعقاد قمة السبع الأخيرة في بياريتس.
ويتركز الخلاف تحديداً بين زعماء أوروبا والرئيس ترامب حول موضوعين رئيسيين وهما: سياساته التجارية التي تتسم بحماية أسواق أميركا على حساب التجارة الحرة، وسعيه إلى تفكيك مؤسسات حرية وتنظيم التجارة العالمية.
أما موضوع الخلاف الآخر، فيتركز حول سياساته الخارجية التي يستخدم فيها بكثافة الدولار وأدواته ضد الدول. وهذه السياسة تُربك أوروبا تجارياً، إذ أن العديد من الدول التي يحظرها ترامب تقع في الفضاء التجاري الأوروبي. وبالتالي ترى أوروبا أن أميركا تعاقبها بشكل غير مباشر، وتحرمها من تسويق صناعاتها في هذه الدول.
ما يلفت الانتباه أن كبار السياسيين في ألمانيا يعودون دوريا إلى هذه الفكرة. ففي عام 2017، لاحظت صحيفة "فرانكفورتر الجمينا" الألمانية، أن ميركل عبّرت عن دعمها لفكرة إنشاء منطقة اقتصادية مشتركة مع روسيا، تمتد من لشبونة إلى فلاديفوستوك، خلال مشاركتها في مؤتمر الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
وما يشجع أوروبا على هذه الفكرة واقع نشوء الفضاء الاقتصادي الأوراسي الذي بات يشكل، مع روسيا، جسراً تجارياً بين أوروبا وآسيا.