الجنيه المصري ونبوءة صندوق النقد الدولي

13 نوفمبر 2018
تنبؤات خاطئة من صندوق النقد للعملة المصرية (Getty)
+ الخط -

في عام 2016، نصح صندوق النقد الدولي الحكومة المصرية بتعويم العملة المحلية (الجنيه) مقابل الدولار إذا ما أرادت القضاء على سوق العملة السوداء، وإعادة الهدوء إلى سوق الصرف المضطرب، وزيادة إيرادات النقد الأجنبي، خصوصاً من قطاعات التصدير والسياحة والاستثمارات الأجنبية.

كانت توقعات الصندوق وقتها تقول إن قيمة الجنيه المصري ستتراجع بنسبة تدور حول 25%، وإن سعر الدولار عقب التعويم سيقفز إلى 12 جنيهاً من 8.8 جنيهات، وإن هذا هو السعر العادل للعملة المحلية التي ستستقر عند هذا المستوى بعضَ الوقت قبل أن تبدأ بالتحسن.

وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، نفذت الحكومة "نصيحة" صندوق النقد الدولي، فأقدمت على تطبيق قرار التعويم الخطير والتاريخي من دون الاستعداد الكافي له، وبعد تأخر في اتخاذ هذا القرار دام سنوات.

ساعتها، ذهبت توقعات الصندوق أدراج الرياح، إذ انهار سعر صرف الجنيه مقابل كل العملات الأجنبية، وشهد الدولار قفزة تاريخية باقترابه من 20 جنيهاً، قبل أن يستقر لاحقاً قرب 18 جنيهاً.

وعلى مدى عامين، لم يعتذر الصندوق عن توقعاته وتنبؤاته الخاطئة التي سببت إرباكاً شديداً للاقتصاد المصري، وأحدثت موجات قياسية ومتواصلة من ارتفاع كافة أنواع السلع والخدمات، وأغرقت البلاد في بحار من الديون الداخلية والخارجية، بخاصة أن الصندوق اشترط على الحكومة اقتراض مليارات الدولارات من مؤسسات مالية ودول صديقة وحليفة، شرطاً لإقراضها 12 مليار دولار.


والأكثر من ذلك، خرج علينا رئيس بعثة صندوق النقد إلى مصر، كريس غارفيس، في يناير/كانون الثاني 2017، عند سؤاله عن القيمة العادلة للجنيه المصري، قائلاً إن "السعر الحالي (الذي يتراوح ما بين 18.8 إلى 20 جنيها مقابل الدولار) هو تقييم السوق المحلي، وأن الصندوق لا يقدم تنبؤات حول سعر الصرف، لكن ما شهده الجنيه من انخفاض كان أكبر من التوقعات".

هكذا وبكل بساطة، تنصل مسؤول الصندوق من الدراسات والتنبؤات التي قدمها للحكومة المصرية وشجعتها على تطبيق قرار التعويم، بل ورجّح المسؤول أن يكون هذا الانخفاض لقيمة الجنيه خلال المرحلة الأولى، على أن يحدث لاحقاً تحسن في زيادة النقد الأجنبي ونمو الودائع لدى القطاع المصرفي. وبذلك، فإن التراجع الحالي في سعر الجنيه لن يستمر طويلاً.

وذهب غارفيس إلى أبعد من ذلك، فأكد أن قرار التعويم هو أحد أهم إنجازات الحكومة، وكأن الصندوق يصور لنا أن التعويم كان الحل السحري لإنقاذ الاقتصاد المصري وعملته المحلية.

وتمر الأيام ولا يشهد سعر الجنيه تحسناً، كما توقع الصندوق وكبار المسؤولين عن إدارة السياسة النقدية في مصر، الا أن العكس هو ما حدث، فقد بقي على تراجعه مقابل الدولار رغم إعلان الحكومة حدوث زيادة في إيرادات النقد الأجنبي، بخاصة من أنشطة التصدير والسياحة وتحويلات المغتربين والاستثمارات الخارجية.

بل إن توقعات عدة مؤسسات مالية عالمية ومحلية تتحدث عن المستقبل، وتشير إلى أن خفضاً جديداً في قيمة الجنيه سيتم خلال الفترة المقبلة رغم زيادة الاحتياطي الأجنبي إلى أكثر من 44 مليار دولار، وإعلان الحكومة وقف استيراد الغاز، وهو القرار الذي قيل إنه سيوفر 3 مليارات دولار للخزانة العامة، وإعلان زيادة إيرادات قناة السويس وتراجع عجز الميزان التجاري بشكل حاد لصالح الصادرات على حساب الواردات.



من بين هذه المؤسسات وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز" ومصرف "بي.إن.بي باريبا" و"كابيتال إيكونوميكس" و"أرقام كابيتال" و"فاروس" و"سي.أي كابيتال" و"العربية أونلاين" وغيرها.
طبعاً، لن يتكرر مشهد انهيار 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، والذي على أثره فقد المصريون 60% من ثرواتهم وأصولهم في لحظة، وشهد الدولار قفزة تاريخية، هذه فترة ودعتها مصر خاصة مع اختفاء السوق السوداء للعملة، لكن هناك تراجعاً متوقعاً في قيمة العملة المصرية.

وهذا التراجع قد يكون في حدود نسبة 5% وربما 10% على مدى عدة سنوات بحسب تقديرات المؤسسات المالية التي تتحدث عن سعر للدولار يتراوح ما بين 18 و18.4 جنيهاً قبل نهاية يونيو القادم، وعن سعر يتراوح ما بين 19 و20 جنيها قبل يونيو 2021، علما بأن سعر الدولار قد لا يشهد زيادة من الأصل مقابل الجنيه في حال زيادة إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، بحيث تعطي الزيادة قدرة للبلاد على سداد ديونها الخارجية وتغطية الفجوة التمويلية وتقليص عجز الميزان التجاري.

ويبقى السؤال: هل استعدت الحكومة المصرية لهذه الخطوة، أم ستترك المواطن مجدداً فريسة للغلاء والتضخم وتآكل مدخراته الناجم عن زيادة سعر الدولار، خاصة وأن مصر تستورد نحو 60% من احتياجاتها الغذائية؟
المساهمون