مؤتمر البحرين المريب يفشل قبل الانطلاق

20 يونيو 2019
ترامب يهدي الجولان لنتنياهو بحضور كوشنر (فرانس برس)
+ الخط -


تستضيف البحرين، يومي الثلاثاء والأربعاء القادمين، 25 و26 يونيو، مؤتمرا اقتصاديا دعت إليه الولايات المتحدة، ويُعقد تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار"، وقد وصفت أميركا المؤتمر بأنه ورشة عمل لدعم الاقتصاد الفلسطيني، وأنه يأتي في إطار جهود أوسع من قبل إدارة ترامب لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

لكن، ومنذ الإعلان عن المؤتمر وهناك عشرات الأسئلة تدور حوله، أهدافه، الغرض الحقيقي منه، جدواه الاقتصادية وقبلها السياسية، مدى نجاحه مع رفض قوى دولية كبرى المشاركة فيه مثل الصين وروسيا، وعدم تحمس دول عربية وأطراف إقليمية ودولية له، ما هو سر تحمس جاريد كوشنر صديق نتنياهو وصهر ترامب وكبير مستشاري البيت الأبيض للمؤتمر.

وهل صحيح أن مؤتمر البحرين ما هو إلا مقدمة للبدء في تنفيذ ما يسمى بصفقة القرن التي تحمست لها إسرائيل وقبلها الإدارة الأميركية الحالية وأعلنت صحف عبرية عن بعض بنودها قبل شهور، كما نقلت وكالات أنباء عن كوشنر قوله إنه سيتم بحثها والإعلان عن تفاصيلها عقب انتهاء شهر رمضان.

أسئلة كثيرة يثيرها انعقاد مؤتمر البحرين المريب من حيث التوقيت والأهداف، خاصة وأن المعلومات المتوافرة حتى اللحظة تشير إلى أن أصحاب القضية الفلسطينية أنفسهم قرروا مقاطعة المؤتمر، فالقيادة الفلسطينية أعلنت عدة مرات رفضها رسميا المشاركة فيه، قائلة إن الولايات المتحدة تتحيز لإسرائيل، وإن خطة السلام الأميركية التي لم تكشف بعد لا ترقى إلى هدفهم المتمثل في إقامة دولة. كما يلاقي المؤتمر رفضا رسميا من قبل الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية.


وانضم القطاع الخاص ورجال الأعمال الفلسطينيون إلى الرافضين عقد المؤتمر أو المشاركة فيه، والشارع الفلسطيني غاضب أصلا من الإدارة الأميركية في ظل استمرار دعم ترامب اللامحدود لإسرائيل، بما في ذلك الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لها، ووقوف ترامب إلى جانب دولة الاحتلال في هجومها العسكري المستمر على قطاع غزة وضغطه المادي على المؤسسات الداعمة للفلسطينيين ومنها الأونروا.

وعربيا، فإن هناك دولا أعلنت مقاطعتها المؤتمر مثل لبنان والعراق، ومشاركة عربية خجولة في مؤتمر البحرين رغم ضغوط الإدارة الأميركية للمشاركة بتمثيل أرفع، ودوليا لا نجد حماسة كبيرة حتى من قبل المؤسسات المالية الدولية بالمشاركة في مؤتمر يقاطعه أصحاب القضية ولم تُعرض عليهم فكرته من الأصل ولا يعرفون شيئا عن أجندته.

أما إسرائيل فهي الرابح الأكبر من انعقاد مؤتمر البحرين رغم قرار البيت الأبيض عدم إشراك الحكومة الإسرائيلية في المؤتمر عقب قرار الفلسطينيين مقاطعته، والاكتفاء بمشاركة وفد تجاري إسرائيلي برئاسة الجنرال يوآف مردخاي، المنسق السابق لأنشطة حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

الواقع يشير إلى أن هدف المؤتمر الاقتصادي بالبحرين عكس ما تعلنه الإدارة الأميركية، فهو بمثابة انطلاق مرحلة جديدة من التطبيع العربي المجاني مع إسرائيل، وأن عقده ليس بهدف تقوية الاقتصاد الفلسطيني كما تزعم إدارة ترامب، بل للإعلان عن خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة بـ"صفقة القرن". والترويج للشق الاقتصادي من الخطة، وبالتالي حصول دولة الاحتلال على التطبيع الكامل بدون مقابل. تطبيع ينطلق من دولة خليجية هي البحرين.


وفي ظل إدراك الكثير لهذه الحقيقة الأخيرة، فإن مؤتمر البحرين فشل قبل أن ينطلق، خاصة أن أطرافا عربية كثيرة باتت غير متحمسة له، في ظل رفضها صفقة القرن التي يحاول ترامب وصهره فرضها على الجميع من دون الحديث عن خيار الدولتين، أو تطبيق قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر أن القدس عاصمة محتلة من قبل إسرائيل.

كما أن صفقة القرن تعثرت أصلا قبل أن تنطلق، فإسرائيل منشغلة بالانتخابات البرلمانية المقررة في شهر سبتمبر القادم، وبعدها ستنشغل أميركا بالانتخابات الرئاسية التي أطلق ترامب شرارتها منتصف هذا الأسبوع.

وربما هذا يفسر تصريحات المبعوث الأميركي الخاص للسلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، التي أعلن فيها أن بلاده ربما تؤجل الكشف عن خطة الإملاءات الأميركية التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، والمسماة "صفقة القرن"، حتى تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

ولمن لا يعرف صفقة القرن فإنها عبارة عن خطة أعدتها إدارة ترامب وصهره كوشنر لتصفية القضية الفلسطينية، وتقوم على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة دولة الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها وضع مدينة القدس الشرقية المحتلة، وحق عودة اللاجئين.


بشكل عام، فإنه في حال انعقاد مؤتمر البحرين في موعده فإنه سيخرج بقرارات تشبه تلك الصادرة عن المؤتمر الإقليمي للسلام الذي استضافته مدينة شرم الشيخ في مصر في العام 1996 وأسفر الإعلان عن تأسيس بنك الشرق الأوسط بمشاركة إسرائيل وأميركا ومصر والمؤسسات المالية الدولية، وتقديم دعم مالي سخي للفلسطينيين، وتأسيس مشروعات إقليمية في الأراضي الفلسطينية ومصر والأردن، ومضى المؤتمر ومعه تم دفن القرارات الصادرة عنه إلى الأبد.