هل يتحمّل الاقتصاد التركي دعوات أردوغان لزيادة الإنجاب؟

05 يونيو 2016
عدد السكان بلغ78.7 مليون نسمة العام الماضي(Getty)
+ الخط -
نالت دعوة الرئيس التركي، رجب الطيب أردوغان، شعبَه بضرورة السعي للزيادة الإنجابية، اهتمام العديد من وسائل الإعلام المحلية بل والعالمية، ما بين مستغرب لطبيعة الدعوة لاعتبارات اقتصادية بحتة، أو للإطار الذي جاءت فيه الدعوة، حيث تم ربطها من قبل البعض بالتوجه الإسلامي للشعب التركي.

وتأتي دعوة أردوغان، وسط تحدي استقبال تركيا، منذ نحو أربع سنوات، حوالى 3 ملايين لاجئ سوري، وهو ما يحمل الاقتصاد التركي أعباء إضافية على مرافق الدولة في مجالات التعليم والصحة، وكذلك مزاحمة السوريين الأتراك في سوق العمل.

يقول المختصون، إن المعيار لاستيعاب الزيادة السكانية بشكل صحيح، وفق الأدبيات الاقتصادية، أن تكون نسبة الزيادة في الناتج المحلي ثلاثة أضعاف الزيادة السكانية، وذلك حتى يتمكن الاقتصاد بشكل صحيح من استيعاب الداخلين الجدد كل عام لسوق العمل.

والوضع في تركيا عند مقارنة معدل الزيادة السكانية بمعدل نمو الناتج الإجمالي، نجد أن النتيجة إيجابية خلال فترات حكومات العدالة والتنمية بتركيا، باستثناء عامي 2008 و2009 بسبب التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية التي اندلعت في أغسطس 2008.

وحسب إحصاءات قاعدة بيانات البنك الدولي، كان معدل نمو الناتج المحلي 5.3% في عام 2003، بينما معدل الزيادة السنوية لنفس العام بحدود 1.4%، أي أن معدل نمو الناتج المحلي يفوق ثلاثة أضعاف معدل الزيادة السكانية.

وظل هذا الأداء حتى عام 2013، وتراجع في 2014، ولكن في العام الماضي 2015 حقق الاقتصاد التركي معدل نمو 4%، أي ما يفوق ثلاثة أضعاف معدل الزيادة السكانية، وزاد هذا المعدل بشكل ملحوظ فى الربع الأخير من عام 2015.

ومما يميز الأداء الاقتصادي لتركيا، أنه اقتصاد قائم على التصنيع والتصدير والسياحة والخدمات، وهو ما يؤدي إلى حالة من الاستقرار في سوق العمل، وتتسم فرص العمل في مثل هذا الاقتصاد بالاستقرار، بخلاف أداء الاقتصاديات الأخرى، التي تعتمد بشكل رئيس على الأنشطة الريعية، حيث تصاب سوق العمل بالتذبذب السريع، وهي الحالة التي نشهدها الآن في أسواق العمل بدول الخليج على سبيل المثال.



وحسب خبراء " لا يتوقف الأمر على مجرد تحقيق زيادة في المؤشرات الاقتصادية الكلية، التي قد يراها بعضهم في صالح كبار رجال الأعمال مثلاً، أو تصب في صالح القطاع العام، ولكن الأرقام تبين أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في تركيا شهد طفرة ملموسة نتيجة للتطور الاقتصادي الحادث خلال الفترة 2003 - 2015، ففي حين كان نصيب الفرد من الناتج 3.5 آلاف دولار عام 2003 وصل إلى 10.5 آلاف دولار العام الماضي".

زيادة يلمسها المواطن التركي في حياته، فوفق مؤشرات تقرير التنمية البشرية العالمي لعام 2014 يصل الإنفاق الشخصي للفرد في تركيا على الصحة نسبة 16%، بينما هذه النسبة في مصر على سبيل المثال تصل إلى 58.2%، وهو ما يوضح الفارق في تحسن الأحوال الصحية من جهة، ومراعاة الإنفاق الحكومي وتوفير نظم التأمين الصحي في تركيا، ولذلك ارتفاع ترتيب تركيا على مؤشر التنمية البشرية إلى المرتبة 69 من بين 187 دولة شملها التقرير.

معيار إنساني

يقول المختصون، إن التجارب التنموية الناجحة، هي التي تعلي من قيمة الإنسان وتوظف طاقاته ليكون إضافة للتنمية وليس عبئاً عليها.
وتنظر هذه التجارب إلى الإنسان على أنه هدف التنمية وهو صانعها، لذلك تعمل على تحسين قدراته، وأمور معيشته، حتى يكون هناك ارتفاع في إنتاجيته، وما يحققه من قيمة مضافة.
المتابع للشأن التركي، يجد أن حزب العدالة والتنمية أعلن غير مرة عن تبني برامج لتشجيع الشباب على الزواج، وتقديم الدعم المادي للحصول على السكن للأسر الجديدة من الشباب، كما عرض برامج أخرى من الدعم لمن ينجبون أكثر من طفل، وأنه كلما زاد عدد الأطفال كلما زاد الدعم.

فبعد نجاح الحزب في الانتخابات البرلمانية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن عن دعم للمقبلين على الزواج من الشباب للمرة الأولى، ولمن هم دون سن 27 عاماً، بنحو 20% من حسابات الادخار للزواج، وبما لا يتجاوز 5 آلاف ليرة لكل شاب، على أن تفتح الحسابات في بنوك محلية وبالعملة التركية.

تقرير التنمية البشرية عن العالم الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في عام 2014، يبين أن المرأة التركية، تراجعت خصوبتها على مدار الفترة من 2000 – 2015، ففيما يخص الفترة من 2000 – 2005، كان متوسط معدل خصوبة المرأة التركية 2.3 ولادة، بينما في الفترة من 2010 – 2015 بلغ معدل الخصوبة في المتوسط 2.1 ولادة للمرأة. وهو ما يفسر ما سنتناوله في ما بعد بشأن معدل الزيادة السكانية بتركيا.

ونرى أن هذه الأرقام تثير مخاوف الدولة التركية، من حيث تأثير الثقافة الغربية بهذا الخصوص على الأسر التركية، فيحدث خلل ديموغرافي يهدد تركيا، كما تعاني الآن أوروبا بكاملها. وعلى الرغم من هذا الأداء السكاني المتراجع لتركيا، إلا أنه أحد المخاوف الحقيقية لدى الاتحاد الأوروبي لقبول عضوية تركيا، حيث إن عدد سكانها يقترب من عدد سكان ألمانيا البالغ 80 مليون نسمة، ويفوق عدد سكان فرنسا البالغ 65 مليون نسمة، والمعلوم أن ألمانيا وفرنسا يمثلان أكبر دولتين أوروبيتين من حيث عدد السكان.

والجدير بالذكر أن وسائل الإعلام نقلت عن تبني بعض الداعين لانفصال إنجلترا عن الاتحاد الأوروبي حملات إعلامية لدعم موقفهم، من خلال إثارة مخاوف لاحتمال انضمام تركيا ذات الأغلبية المسلمة، والتي يبلغ عدد سكانها 78 مليون نسمة إلى الاتحاد الأوروبي.

التطور السكاني

حسب بيانات معهد الإحصاء التركي، فإن عدد السكان بلغ 78.7 مليون نسمة، بنهاية العام الماضي، منهم 39.51 مليون نسمة من الذكور، و39.22 مليون نسمة من الإناث، ويبلغ عدد المهاجرين الأتراك بنهاية 2015 نحو 2.7 مليون نسمة، وبما يعادل نسبة 3.4%.

وحسب الشرائح السنية للسكان، فإن المجتمع التركي يتسم باتساع قاعدة الشريحة العمرية التي تقع في دائرة قوة العمل، فمن هم في الشريحة العمرية (صفر – 14 عاماً) يصل عددهم إلى 18.8 مليون نسمة بنسبة 23.8% من إجمالي السكان، والشريحة العمرية (15 – 64 عاماً) يصل عددهم 53.3 مليون نسمة بنسبة 67.7% من إجمالي السكان.

ويتجلى أن الشريحة العمرية التي تشكل عصب قوة العمل (15 – 64 عاماً) هي السائدة في التركيبة السكانية لتركيا، وتسمح بمعدلات إعالة أقل، مما يجعل الأسر التركية في المتوسط لا تعاني من مشكلات في الدخل والإنفاق، فكون هذه الشريحة تمثل نسبة 67.7% فإن ذلك يعني أن المجتمع التركي مجتمع منتج، أو على الأقل قادر على الإنتاج، ومواجهة التحديات الاقتصادية، التي تواجه العديد من الدول النامية والصاعدة.

ووفق بيانات نفس المعهد، فإن عدد سكان تركيا قفز من 70.5 مليون نسمة في عام 2007 إلى 78.7 مليون نسمة العام الماضي، أي أن عدد السكان زاد بين عامي المقارنة بنحو 8.2 ملايين نسمة، وبمتوسط سنوي بحدود أقل من مليون نسمة.

وبشكل عام فإن معدل الزيادة السكانية في تركيا شبه ثابت، خلال الفترة من 2005 – 2014 بنسبة 1.2% سنوياً، باستثناء عامي 2009 و2010، حيث وصلت هذه النسبة إلى 1.3% و1.5% على التوالي، ثم عادت بعد عام 2010 إلى النسبة الثابتة 1.2%.


المساهمون