وقد أكد الوزير المغربي عندما سئل قبل 3 أيام من طرف نواب يمثلون الاتحاد العام لمقاولات المغرب بالغرفة الثانية بالبرلمان حول اتفاقيات التجارة، "ضرورة مراجعة بعض اتفاقيات التبادل الحر"، مشددا على استعداد الحكومة من أجل "وضع حد لبعض الاتفاقيات التي تضر بالاقتصاد الوطني ومصالح المغرب".
غير أن الوزير شدد على أن وزارته بصدد الإعداد لدراسة شاملة حول حصيلة مختلف اتفاقيات التبادل الحر الموقعة من قبل المغرب، مؤكدا أن القرارات ستتخذ تبعا للتوصيات التي ستنتهي إليها الدراسة.
ليست هذه المرة الأولى التي يتناول فيها وزير الصناعة والتجارة ذلك الموضوع، فقد أكد في فعالية سابقة نظمها الاتحاد العام لمقاولات المغرب حرص المملكة على حماية مصالح المهنيين المغاربة عندما يتعلق الأمر بأي سلوك لا يحترم قواعد التجارة المتفق عليها.
وأحال على تحرك الوزارة من أجل تصحيح الأوضاع التي اشتكى منها المهنيون بسبب واردات من تركيا وتونس، ما أفضى إلى نزاعات على مستوى منظمة التجارة العالمية، غير أنه شدد على أنه لن يتم توفير الحماية للشركات الفاشلة.
ووقع المغرب منذ 1996 اتفاقيات للتبادل الحر مع ستة وخمسين بلدا، من بينها الاتحاد الأوروبي وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى تونس ومصر والأردن في إطار اتفاقية أكادير.
وأكد أحد المصدرين، الذي رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنه لم يتخذ أي قرار بشأن أي من اتفاقيات التبادل الحر، مشددا على أن الدراسة التي يجرى إعدادها هي التي ستحدد مستقبل العلاقة مع كل شريك، الذي سيراد توضيح العلاقة معه.
ويعاني المغرب من عجز تجاري مع مختلف شركائه، غير أن نصف الواردات التي ينجم عنها عجز تجاري مثل النفط ومواد أولية ومدخلات ومواد تجهيز وسلع غذائية، يصعب التحكم فيها ومحاصرتها، بل إن 20 في المائة من العجز التجاري تسجل مع الصين التي لا يرتبط معها المغرب باتفاقية للتبادل الحر.
وحسب تقارير رسمية، تسببت اتفاقيات التبادل الحر في فقدان 119 ألف فرصة عمل في قطاع النسيج والملابس بين 2004 و2014. ويلقي منتجون محليون باللائمة على تركيا، باعتبار أن صادراتها من الملابس ارتفعت بنسبة 175 في المائة بين 2013 و2017، ما أفضى إلى إضعاف الإنتاج المحلي.
وليست تركيا الوحيدة التي يرتبط معها المغرب باتفاقية للتبادل الحر ويعاني معها من عجز تجاري، إذ يصل مع الاتحاد الأوروبي إلى 9 مليارات دولار، بينما يبلغ مع تركيا نحو 1.6 مليار دولار، بعدما كان في حدود 440 مليون دولار قبل 13 عاما، حسب بيانات رسمية.
ووصلت الواردات من تركيا إلى 2.2 مليار دولار في العام الماضي، بزيادة 11.4 في المائة، مقارنة بالعام الذي قبله، بينما لم تتعد الصادرات المغربية إلى ذلك البلد 550 مليون دولار فقط، منخفضة بنسبة 20.3 في المائة.
ويستفاد من بيانات مكتب الصرف التابع لوزارة الاقتصاد والمالية أنه رغم ارتفاع الصادرات المغربية نحو تركيا منذ 2006، إلا أن حجم العجز التجاري بين البلدين يؤكد أن أنقرة هي المستفيد الأول من اتفاقية التبادل الحر.
وتعتبر تركيا من أكبر مزودي المغرب بالسيارات في العام الماضي، ورابع مزود بالأثواب، ويصدر المغرب لتركيا الأسمدة والأعلاف والسيارات والسكر والأسماك.
ولم تكف الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة، التي تمثل المستثمرين في القطاع، في بيان سابق، عن المطالبة بمراجعة اتفاقيات التبادل الحر التي وصفها بـ"السامة"، إذ يتهمون مستثمري البلدان المنضوية فيها بالاستفادة من الدعم والغش في الفواتير من أجل إغراق السوق المغربية بالمنتجات.
ويتحدث مصدرون مغاربة عن عوائق غير جمركية تضعها تركيا أمام صادراتهم، كما عبر منتجون محليون عن شكواهم من إغراق السوق بالألبسة التركية، بما لذلك من تأثير على إنتاجهم وفرص العمل.
وتخضع بموجب ذلك التدبير ملابس ومنسوجات تركية مستوردة لرسم جمركي، بعدما كانت معفاة بموجب اتفاقية التبادل الحر بين البلدين.
ورغم التدابير الوقائية التي اتخذها المغرب في مواجهة واردات النسيج والملابس والصلب من تركيا في الأعوام الأخيرة، إلا أن المملكة تجد صعوبات من أجل الحد من تدفق صادرات ذلك البلد.
وينصح المستشار المغربي بمنظمة التجارة العالمية المغرب، سعيد الهاشمي، المنتجين المغاربة، بالاقتداء بالنموذج التركي في تتبع ما يحدث داخل المنظمة الدولية، حيث يوجد مراقب دائم برتبة سفير، يمثل ذلك البلد يرصد كيفية تسوية النزاعات ويستفيد منها.
ولا يتردد مراقبون في التأكيد أن المغرب لم يستعد جيدا قبل إبرام اتفاقيات التبادل الحر مع 56 بلداً، حيث لا يتوفر على عرض تصديري تنافسي، بينما يؤكد الاقتصادي محمد الشيكر، لـ"العربي الجديد" ضرورة توفر المملكة على سياسة للتصنيع بعيدا عن القطاعات التي لا تتيح قيمة مضافة كبيرة.
ويضرب مثلا بقطاع السيارات الذي يفترض أن يخلق صناعات وطنية مؤسسة لمسلسل تصنيع، عوض المراهنة على استقطاب مستثمرين عبر امتيازات ضريبية.