أزمة التقاعد تشل فرنسا...إضراب النقل يعصف بالسياحة في أعياد الميلاد

باريس

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
16 ديسمبر 2019
F1468EDD-2CD4-4D8C-88A9-81D8011E8442
+ الخط -


بينما لا يزال الاقتصاد الفرنسي يُحصي خسائره الفادحة، جراء احتجاجات أصحاب "السترات الصفراء" التي تواصلت لنحو 57 أسبوعاً حتى الآن، رفضاً لسياسات الرئيس إيمانويل ماكرون، يجد نفسه على موعد آخر من الأضرار المالية، جراء تصاعد التوتر بين الحكومة والمعارضين لخطة تعديل أنظمة التقاعد، التي تدعو إلى مزيد من سنوات العمل.

ودخلت فرنسا، أمس الأحد، يومها الحادي عشر، من إضراب واسع في قطاع النقل، بينما ينتظر أن تشهد غداً الثلاثاء تظاهرات لعمال سكك الحديد والموظفين الحكوميين والعاملين في قطاع الصحة والمحامين والقضاة والمعلمين.

ويتزايد الرفض الشعبي لقانون التقاعد الجديد الذي أعدته الحكومة، ويهدف إلى التمييز بين الموظفين والعمال في التقاعد، وإلغاء الامتيازات، ورفع سن التقاعد تدريجياً من 62 إلى 64 عاماً، ما يؤثر سلباً على عشرات القطاعات، وفق معارضيه.

وتسببت الإضرابات والمظاهرات الواسعة التي شهدتها فرنسا، على مدار الأيام الماضية، في شل حركة المواصلات في البلاد، ما أعاد إلى أصحاب الكثير من القطاعات الإنتاجية والخدمية مخاوف تكرار سيناريو الخسائر التي تكبدتها على مدار أسابيع طويلة من احتجاجات أصحاب السترات الصفراء، ما وضع اقتصاد الدولة في مأزق كبير، حيث تعرّض النمو لانتكاسة في الربع الثاني من العام الجاري، بسبب التباطؤ غير المتوقع في استهلاك الأسر.

وتشير التقديرات الحكومية إلى وصول خسائر احتجاجات السترات الصفراء، في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2018 وحتى مارس/آذار 2019 فقط، إلى نحو 5 مليارات يورو (5.7 مليارات دولار)، بالإضافة إلى اضطرار الحكومة إلى ضخ حوالي 17 مليار يورو في شكل امتيازات للمواطنين، لتهدئة الشارع الغاضب.


بينما بدأت تظهر المخاوف بشأن تداعيات الإضرابات العمالية الحالية على الاقتصاد، في فترة التسوق قبل أعياد الميلاد، الذي يحل في الخامس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول.

وأدى اليوم الأول فقط من الإضراب إلى تراجع بمعدل 30 في المائة في النشاط الاقتصادي، بحسب بيانات صادرة عن منظمة تضم ممثلين عن 26 ألف محل تجاري و200 ألف موظف.

ويوم الإثنين الماضي، وصفت نقابة العاملين في الفنادق والمطاعم والمقاهي، عطلة نهاية الأسبوع قبل الماضي بالكارثية، مشيرة إلى أن باريس كانت فارغة، ومطاعمها كذلك، وحتى محال الوجبات السريعة، فالخسائر بلغت 50 في المائة من رقم الأعمال، وفق ما نقلت فرانس برس.

ورغم الاستياء الذي طاول مستخدمي وسائل النقل العام، إلا أن استطلاعاً للرأي أجرته هاريس إنتر أكتيف وأر تي ال، ونشر الاثنين الماضي، أظهر أن 68 في المائة من الفرنسيين يدعمون الإضراب.

ولا يعمل سوى ربع القطارات السريعة وثلث قطارات الضواحي مع إغلاق شبه كامل لخطوط المترو في باريس.

وإذا استمر الإضراب في الأيام المقبلة، فسيؤثر بشكل كبير على مغادرة الفرنسيين لتمضية الإجازة، لأن معاودة الحركة الطبيعية بعد انتهاء أي حراك تستغرق أياما عدة.

والسبت الماضي، أكدت المديرة العامة للشركة المشغلة للسكك الحديد، راشيل بيكار، أن "نصف المسافرين" ستتوافر لهم قطارات لتمضية الأعياد مع أسرهم، كما نقلت عنها صحيفة "لو باريزيان".

وكانت الحكومة طلبت من رئيس الشركة المشغلة، جان بيار فاراندو، أن يعد "خطة للنقل" تحدد القطارات التي لن تتأثر بالإضراب.

ودعا فاراندو، عمال السكك الحديد الذين ينفذون إضرابا مفتوحا منذ الخامس من ديسمبر/كانون الأول، إلى "استراحة" خلال الأعياد، لكنه سرعان ما أثار انتقادات المسؤولين النقابيين.


وقال لوران بيرجر، السكرتير العام لنقابة "سي.إف.دي.تي" العمالية، أمس الأحد، إن النقابة تعارض إضراب العاملين في قطاع النقل خلال فترة أعياد الميلاد، لكنها ستدعو إلى تحركات احتجاجية أخرى في يناير/كانون الثاني، إذا لم تتراجع الحكومة عن خطة تعديل نظام التقاعد.

ولم تشارك "سي.إف.دي.تي" في الإضراب الذي يعم أنحاء البلاد، لكنها قالت إن الحكومة تجاوزت بذلك "خطا أحمر" ودعت أعضاءها إلى المشاركة في التظاهرات التي دعت إليها النقابات المختلفة غدا الثلاثاء.

وقال بيرجر لصحيفة جورنال دو ديمانش "لنكن واضحين.. لا يريد عمال السكك الحديدية (من أعضاء سي.إف.دي.تي) وقف الخدمة خلال العطلات، وفي يناير إذا لم يتغير النص (المتعلق بالتعديلات) فإن النقابة ستواصل حشد الناس".

وفي المقابل، حذرت، يوم الخميس الماضي، نقابة الكونفدرالية العامة للعمل (سي.جي.تي)، والتي تتخذ مواقف أكثر صرامة عادة، من أن الإضراب لن يتوقف في أعياد الميلاد، إلا إذا تراجعت الحكومة عن خطة تعديل نظام التقاعد بالكامل.

وتعترض النقابات العمالية على اقتراح الحكومة، رفع سن التقاعد الكامل إلى 64 عاماً، مع ترك عمر 62، عمراً قانونياً للتقاعد. غير أن هذا الطرح يترتب عليه احتمال أن يكون الراتب التقاعدي عند سن 62 عاماً غير كامل، وهنا يختار العامل أو الموظف بين العمر القانوني والعمر الكامل، ما اعتبرته النقابات نوعاً من إكراه الفرنسيين على العمل أكثر، أي ما بعد العمر القانوني للتقاعد.


وحاول رئيس الوزراء إدوار فيليب، تهدئة الغاضبين، يوم الأربعاء الماضي، حين قال إن "الجميع سيكون رابحاً" بفضل هذا التعديل. لكن ما إن كشف عن تفاصيل المشروع، حتى توسع الحراك النقابي.

ومن بين أبرز تفاصيل مشروع تعديل نظام التقاعد، إنهاء "أنظمة التقاعد الخاصة" التي يبلغ عددها 42 نظاما، ودخول النظام الجديد وهو "نظام شامل" حيز التطبيق في عام 2022، فضلا عن منح 1000 يورو كمعاش أدنى لجميع المتقاعدين، مضيفا أن النظام الجديد لن يشمل الفرنسيين الذين ولدوا قبل عام 1975.

وسيرتكز نظام التقاعد الجديد، حسب رئيس الحكومة، على نظام "النقاط"، مشيرا إلى أن كل ساعة من العمل يقوم بها شخص ما سيتم احتسابها بالنقاط، وذلك خلافا لما كان معمولا به في النظام السابق. كما أضاف أن قيمة "النقطة" سيتم تحديدها من قبل الشركاء الاجتماعيين (النقابات العمالية والجمعيات التي تمثل أرباب العمل).

ويعتمد منتقدو التقاعد، على تراجع شعبية الرئيس الفرنسي إلى ما دون الـ30 في المائة، وفق آخر استطلاع للرأي. ويرى محللون أن فرنسا تعيش اليوم أزمة كبيرة قد تقودها إلى أزمة 1968 الذي رحل على إثرها الرئيس شارل ديغول.

ويأمل المعارضون الأكثر تشدداً للمشروع في إطالة أمد حراكهم وشل البلاد، كما حصل في ديسمبر/كانون الأول 1995 حين عطلت الاحتجاجات ضد إصلاحات النظام التقاعدي وسائل النقل المشترك لثلاثة أسابيع وأرغمت الحكومة على التراجع.


ولا تملك الحكومة، وفق محللين، إلا التفاوض سبيلاً للخروج من الأزمة، في ظل نجاح الإضراب وتواصله، وانضمام قطاعات أخرى إليه، مثل سائقي الشاحنات، القادرين على شلّ الحركة والاقتصاد، في انتظار انضمام المزيد من المضربين.

وأكد وزير الاقتصاد والمالية، برونو لومير، يوم الخميس الماضي، أن هناك مجالاً للتفاوض بشأن ترتيبات تحقيق التوازن المالي لنظام التقاعد الجديد، داعيا في تصريح لقناة "فرانس 2"، النقابات إلى الحوار.

والمزيد من الاضرابات سيدفع نحو تكبد الاقتصاد المزيد من الخسائر، ما يضاعف الخسائر الناجمة بالأساس عن حرب الرسوم الجمركية مع الولايات المتحدة، والتي يقودها دونالد ترامب ضد الاقتصاد الفرنسي، ردا على قرار فرنسا فرض ضرائب على شركات التقنية الأميركية الكبرى.

وبحسب تقديرات نشرها المعهد الوطني للإحصاءات والدراسات الاقتصادية في يوليو/تموز، ازداد الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا بنسبة 0.2 في المائة بين إبريل/نيسان ومايو/أيار، مقابل 0.4 في المائة في الربع الأخير من عام 2018 و0.3 في المائة في الربع الأول من عام 2019.

وقال وزير الاقتصاد والمالية، في سبتمبر/أيلول الماضي، عشية تقديم مشروع موازنة العام المقبل، إن أزمة "السترات الصفراء" والقلق على الاقتصاد العالمي "يدفعانا إلى اتخاذ قرارات تشجع الاستثمار والاستهلاك".

وخفضت الحكومة تقديراتها للنمو في 2020 إلى 1.3 في المائة، مقابل 1.4 بالمائة في التقديرات السابقة.

ذات صلة

الصورة
امرأة في منطقة الصحراء، 3 فبراير 2017 (Getty)

سياسة

دخلت العلاقات بين فرنسا والجزائر في أزمة بعد إعلان فرنسا دعمها مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب بشأن الصحراء وهو ما قد لا يساعد في حل القضية.
الصورة
إضراب في نابلس شمالي الضفة حداداً على هنية 31/7/2024 (زين جعفر/فرانس برس)

سياسة

عم الإضراب الشامل محافظات الضفة الغربية والقدس المحتلة، تنديدا باغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في غارة على مقر إقامته في طهران.
الصورة
تنظيم داعش/فرنسا

سياسة

رفعت فرنسا، أول من أمس الأحد، مستوى التأهب الأمني إلى الدرجة القصوى، وذلك في أعقاب هجوم موسكو الدموي الذي تبناه تنظيم "داعش"، مستعيدة تهديدات عدة للتنظيم.
الصورة

منوعات

تراجعت مجلة فوربس عن حفل تكريم أكثر 40 امرأة تأثيراً في فرنسا، وذلك بعد حملة تحريض في باريس، على المحامية من أصول فرنسية ريما حسن
المساهمون