مصر: 74 مليار دولار خسائر التحكيم الدولي

19 مايو 2017
قضايا التحكيم تستنزف موارد الشعب (أحمد إسماعيل/الأناضول)
+ الخط -
قبل أيام، خسرت مصر قضية جديدة أمام التحكيم الدولي بطلها هذه المرة إسرائيل التي رفعت دعوى دولية ضد القاهرة بشأن توقف صادرات الغاز قبل خمس سنوات، ما جدد التساؤلات حول أسباب الخسائر المتتالية التي تتكبدها الدولة نتيجة ضعفها في ملف التحكيم.
وتشير تقديرات شبه رسمية إلى أن مصر خسرت خلال العقد الماضي فقط قرابة 74 مليار دولار سددتها خزانة الدولة كتعويضات لدول أجنبية في قضايا التحكيم الدولي، حصدت إسرائيل النصيب الأكبر منها برصيد 4 قضايا، بجملة تعويضات تجاوزت 13 مليار دولار.
ولكن لماذا دائما تخسر مصر القضايا المرفوعة ضدها في المحاكم الدولية؟ وما الخسائر المتوقعة من تلك القضايا على مصر؟

تُظهر تقارير رسمية، أن عدد القضايا المرفوعة ضد مصر أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي، بلغت 30 قضية خلال 19 عامًا في مجالات مختلفة، منها 19 قضية في الأعوام الخمسة التالية لثورة يناير/كانون الثاني 2011.
وقال رئيس الغرفة العربية للتوفيق والتحكيم، والرئيس الأسبق لقسم القانون الدولي بجامعة عين شمس، إبراهيم أحمد، إن خسائر مصر فادحة من قضايا التحكيم الدولي المرفوعة ضدها، لافتا إلى أن مصر واجهت 30 قضية مختلفة أقل قيمة تعويض عن كل قضية تصل إلى ملياري دولار.
وأشار في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن مصر خسرت قبل أيام قضية جديدة لصالح إسرائيل، ومطالبة بتعويض قيمته مليارا دولار، مؤكدا أن هناك قضايا أخرى مرفوعة من إسرائيل ضد مصر في هذا الشأن، وحظوظ مصر فيها ضعيفة للغاية -بحسب قوله-.
وخسرت الحكومة المصرية من إجمالي القضايا المرفوعة من إسرائيل بسبب الغاز الطبيعي 3 قضايا دولية وبقيت قضية واحدة سيتم البت بها خلال العام الحالي. ويقدر حجم خسائر مصر من وراء تلك القضايا بنحو 8 مليارات دولار.
وأكد خبير القانون الدولي أن مصر مجبرة على دفع المبلغ المطلوب، بجانب الفوائد المستحقة عن فترة التأخير في السداد والتكاليف القضائية والمحاماة، لافتا إلى أنه إذا لم تدفع مصر المبلغ المستحق عليها، فستكون أصول مالية وتجارية تعود لمصر في الخارج مهددة للاستحواذ عليها بأمر من تلك المحاكم.
وتوصف قضايا التحكيم الدولي بأنها ملزمة وباتة ولا يجوز الطعن عليها وتلتزم الحكومات بدفعها في حال صدورها، وهذه النوعية من الأحكام التي تواجهها مصر لا يجوز النقض أو الاستئناف عليها، ما يعني أنها واجبة النفاذ.
وعدد خبير التحكيم الدولي أسباب خسارة مصر لمعظم قضايا التحكيم، أبرزها عدم صياغة العقود وبنود التعاقد مع المستثمرين بالصيغة الملائمة من البداية، بجانب إبرام عقود دون مراجعة قانونية تضمن حق الدولة، وعدم مراقبة المستثمرين منذ الخطوات الأولى للمشروعات ومتابعة تنفيذها، وعدم إثبات الأخطاء بشكل قانوني وإنذار المستثمر في حالة استمرار مخالفات المشروع.
وانتقد دور الدولة في منح إعفاءات ومزايا جمركية وضريبية لمستثمرين وهميين وغير جادين، وعدم الجدية في التعاقد على مشروعات حقيقة وليست وهمية من البداية.
وأوضح رئيس الغرفة العربية للتوفيق والتحكيم، أن تدريب كوادر شبابية على أصول وقواعد التحكيم الدولي، وعدم التعاقد مع محامين أجانب واستغلال الخبرات المصرية سيكون الحل الأمثل لتعزيز فرص مصر في الفوز بقضايا دولية وتقليل تكلفة تلك المرافعات وكذلك عدم الإساءة لسمعة مصر كما يفعل المحامون الأجانب.
وأوضح الخبير الاقتصادي، أحمد رشدي، أن خسارة مصر لقضايا التحكيم الدولي ليست مادية فقط، لافتا إلى أن كثرة النزاعات المصرية مع المستثمرين الأجانب يسيء كثيرا إلى سمعة الاقتصاد القومي، ويؤثر سلبا على الاستثمارات والتعاقدات الجديدة، كما أن تصاعد نزاعات الحكومة مع المستثمرين وخسارتها للقضايا تباعا يكون له بالغ الأثر السلبي على التصنيف الائتماني للدولة.
وأشار رشدي في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن هناك العديد من الأسباب التي تصعّب موقف الحكومة المصرية في قضايا التحكيم، من أهمها نقص الكوادر والكفاءات والخبرات القانونية والاقتصادية في إبرام التعاقدات مع المستثمرين الأجانب، وكذلك ضعف الكوادر التي تتولى قضايا التحكيم، إضافة إلى شرط التحكيم في العقود الاستثمارية وسوء إدارة العقود التي تنص بنودها على شرط التحكيم.
وتم إنشاء مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي سنة 1979. والملاحظ هو إصرار المستثمرين الأجانب على عدم التعامل مع المؤسسات القضائية المصرية بدعوى تراكم القضايا وصعوبة إجراءات التقاضي والتمسك باشتراط اللجوء إلى مراكز التحكيم الدولية.
وحذر خبير القانون الدولي، أيمن سلامة، من خطورة استمرار ضعف موقف مصر في قضايا التحكيم الدولي وخسارتها قضية تلو الأخرى، لافتا إلى أضرار ذلك جسيمة على الاقتصاد المصري وخزانة الدولة وسمعتها في الأوساط التجارية والاقتصادية وكذلك القانونية.
وشدد، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، على ضرورة تغيير الدولة لفلسفة تعاملها مع مثل تلك القضايا بإسنادها للكفاءات والخبرات المصرية وعدم مواصلة الاعتماد على محامين أجانب.
دلالات
المساهمون