شكوى قضائية ضد حاكم "مصرف لبنان"... وتفاصيل عن الجرائم المتهم بها

05 يونيو 2020
جماهير غاضبة من أداء حاكم "المركزي" (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -
تقدّم ناشطون من مجموعة "الشعب يريد إصلاح النظام"، اليوم الجمعة، بشكوى مباشرة أمام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت ضد حاكم "مصرف لبنان" المركزي، رياض سلامة، بجرائم النيل من مكانة الدولة المالية والإخلال بالواجبات الوظيفية والإهمال.
كما تشمل لائحة الاتهامات التقصير الوظيفي واستثمار وظيفة وإدارة عامة، واقتراف الغش عبر قوله إن "الليرة بألف خير" لكسب ثقة المودعين وعدم إخراج أموالهم من المصارف.
وكذلك الخطأ الجسيم في إدارة مال منقول تابع لهيئة عامة، والتي ترتّب عنها ضرر ذو طبيعة مزدوجة، أي ضرر بالمصلحة العامة مثل الاقتصاد الوطني والقطاع المصرفي والتداعيات الاجتماعية والمعيشية، وضرر في المصلحة الخاصة المرتبطة بالمودعين وتدني القدرة الشرائية لمداخيل الأفراد، وذلك وفق ما أكد المحامي هيثم عزو لـ"العربي الجديد".
ويقول عزو، وهو من بين المحامين الذين تقدّموا بالشكوى، إنّه "في ظل عدم قيام سلطة الملاحقة الجزائية المختصة، أي النيابة العامة، بدورها في تحريك الحق العام بوجه حاكم مصرف لبنان رغم تعدد الجرائم الشائنة التي اقترفها ولا يزال، وجسامة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد الوطني القومي والمواطنين على حدّ سواء، وكانت لها انعكاسات اجتماعية وخيمة، قررنا كمجموعة من (الشعب يريد إصلاح النظام) وعلى كامل مسؤوليتنا القيام بدورنا الوطني في هذا الصدد عبر تحريك الدعوى العمومية ضد رياض سلامة".
ويفنّد عزو الجرائم المذكورة بالشكوى لـ"العربي الجديد" وهي "فساد الهندسات المالية والمصرفية، وسوء حماية سلامة النقد الوطني والتلاعب بسعر الصرف عبر مدير العمليات النقدية في مصرف لبنان والذي تم توقيفه سابقاً قبل تخلية سبيله، رغم أنّه مكلف بحسب قانون النقد والتسليف بحماية سعر صرف العملة الوطنية، وسوء إدارة القطاع المصرفي المؤتمن، بحسب قانون النقد والتسليف وقانون إنشاء المصرف المركزي، على سلامة أوضاعه.
يُضاف إلى ذلك إهمال وظيفي ومهني جسيم والتقصير العمدي وغير العمدي، وإصدار تعاميم خارجة عن صلاحيته القانونية وهو ما يشكل تجاوزاً لحد السلطة، وخاصة أن هذه التعاميم أحدثت بلبلة وفوضى بالقطاعين المصرفي والصيرفي، وكان لها تداعيات على الالتزامات التعاقدية للمواطنين نتيجة تعدد سعر صرف العملة الوطنية فاق الأربعة، بصورة لم تعهدها أي دولة في العالم، وهو ما شجع على المضاربات من محتكري العملات الصعبة وأثر على سلامة النقد الوطني، وبالتالي على تدني القدرة الشرائية للمواطنين نتيجة انخفاض القيمة السوقية لمدخراتهم ومداخيلهم الشهرية.

أما الخطر الأكبر، يؤكد المحامي عزو، فإنه مرتبط بتمويل الدولة بتسليفات عشوائية ومن دون وجود قطع حساب لموازنتها وعلى مدى سنوات طويلة تخطت عشرة أعوام، وإعطائها قروضاً غير معللة وفي ظل ظروف عادية، خلافاً لما نصّ عليه قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي، والذي أوجب "عدم إعطاء تسليفات إلا إذا كانت موازنة الحكومة مقطوع حسابها سنوياً، وعدم إعطاء قروض إلا في حالات الضرورة القصوى وظروف استثنائية خطرة".
هذا إلى جانب عدم الحفاظ على احتياطي من العملات الأجنبية التي تضمن سلامة النقد الوطني وتغطية إصداره وفق ما ألزمه القانون، والتصرف باحتياطات إلزامية مودعة لديه من قبل العملاء والبنوك لا يمكنه قانوناً المسّ بها لكونها لا تشكل احتياطيا خاصا بالمصرف المركزي.
يضاف إلى ذلك إغفال متعمد لمراقبة عمليات نقل الأموال والتحاويل المصرفية الخارجية المشبوهة التي تمت مؤخراً، قبيل وبعيد أحداث انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، والتي أحدثت مشكلة في مخزون العملات الصعبة بالسوق المحلي كما في المصارف، وترتب عليها تدني قيمة النقد الوطني ونالت بالتالي هذه الأفعال من مكانة الدولة المالية والنظام العام المالي، رغم كونه قانوناً رئيس هيئة التحقيق الخاصة المولج بها التحقيق في أية عمليات مصرفية وتحاويل مصرفية مشبوهة.
ويشرح المحامي عزو مسار الشكوى القانوني، موضحاً أن "الشكوى الجزائية أمام القاضي المنفرد الجزائي الذي يتم اتخاذ صفة الادعاء الشخصي بها تحرك دعوى الحق العام تلقائياً، دونما حاجة لادعاء مسبق من النيابة العامة، وبعد ذلك يتم إبلاغ هذه الشكوى إلى المدعى عليه الذي يحق له الاستمهال لتوكيل محامٍ للدفاع عنه وتقديم مذكرة دفوع شكلية، وللقاضي المنفرد الجزائي هنا حق ضم هذه الدفوع الشكلية إلى الأساس إذا تبين أنه لا يقصد بها سوى تسويف الدعوى وإطالة أمد المحاكمة، والالتفاف على العدالة. ثم تجرى المحاكمة العلنية أمامه ويقتضي لزاماً حضور المدعى عليه بالذات، أي حاكم مصرف لبنان، أمام القاضي الناظر بالدعوى لكون الجرائم الملاحق بها تفوق عقوبتها السنة حبس".
ويشير إلى أنّه "خلال جلسات المحاكمة يقدم المدعون أدلتهم التي تثبت الجرائم المدعى بها، ويقدم المدعى عليه عبر وكلائه أدلة النفي، وبعدها يختتم القاضي المحاكمة ويعيّن جلسة لإصدار الحكم وإسهامه. وهنا إما يقضي بتبرئته لعدم كفاية الدليل أو إدانته وحبسه في حال ثبوت الأدلة المقدمة من جانب الادعاء. علماً، أنّه في حال لم يحضر حاكم مصرف لبنان شخصياً، رغم تبليغه أصولاً، يحاكم غيابياً ويعتبر بحكم الفار من وجه العدالة. ويبقى باب الاستئناف مفتوحاً بعد صدور الحكم عن القاضي المنفرد الجزائي".
وكانت النيابة العامة المالية في لبنان قد ادعت، منتصف الشهر الماضي، على مدير العمليات النقدية في مصرف لبنان المركزي مازن حمدان، بعدما أوقفته الأجهزة الأمنية وأحالته إلى قاضي التحقيق بجرم التلاعب بسعر صرف الدولار، قبل أن يخلى سبيله لقاء كفالة مالية.
وقبلها، كثّفت القوى الأمنية ملاحقة شبكات الصيرفة غير الشرعية. وأوقفت بطلب من القضاء المختص نحو 50 صرافاً، قبل أن تفرج عن المرخصين منهم، بتهمة شراء الدولار بأسعار مرتفعة جداً. وشملت عمليات التوقيف نقيب الصرافين محمود مراد الذي أعيد إخلاء سبيله لاحقاً.
ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية (1975-1990)، تتزامن مع أزمة سيولة حادة وشحّ في الدولار وقيود مصرفية على الودائع وعمليات السحب.
دلالات
المساهمون