السودان يراهن على الخليج.. وفوز البشير يمدّد عقوبات الغرب

05 مايو 2015
العقوبات الأميركية فاقمت الأزمات المعيشية بالسودان (أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
تحديات اقتصادية تواجه النظام الحالي في السودان بعد إعادة انتخاب الرئيس عمر البشير لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات التي جرت أخيراً وسط مقاطعة من قبل أحزاب المعارضة وغياب المنافسة الجادة. وتتمثل أهم تلك التحديات، في تمديد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أميركا على البلاد منذ عام 1997، وظلت تتجدد في نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، والتي كلفت الخرطوم خسائر تجاوزت 40 مليار و531 مليون دولار، وفق إحصائيات اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في السودان.
وحسب محللين، سيؤدي استمرار الحصار الغربي إلى ترحيل أزمة شح العملات الأجنبية
الصعبة التي تفاقمت حدتها مع انفصال جنوب البلاد وتراجع إيرادات النفط والتي تمثل ما يزيد عن 70% من موازنة الدولة، فضلاً عن تراكم الديون الخارجية وإحجام بعض الدائنين الدوليين عن إقراض البلاد.
ويؤكد المحللون، أن إعادة انتخاب البشير رغم المطالبات الدولية والإقليمية بتأجيل الانتخابات وإتاحة الفرصة أمام تسوية سياسية شاملة تنهي الحروب التي تضرب عدة مناطق بالسودان، من شأنها أن تعمق الأزمة الاقتصادية وتزيد من عزلة البلاد لاسيما أن دولاً أوربية فضلاً عن أميركا عبرت صراحة عن عدم اعترافها بنتائج الانتخابات الأخيرة وبالتالي عدم التعاون مع المؤسسات الناتجة عنها، وهذا من شأنه أن يفاقم الأزمة المالية.

رهان على الخليج

وعلى خلفية تحسن علاقات السودان بدول الخليج، بعد مشاركتها ضمن تحالف عربي تقوده السعودية لمحاربة جماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، يراهن نظام البشير على جذب الاستثمارات والدعم الخليجي بهدف إنعاش الاقتصاد والمساهمة في توفير العملات الصعبة لاسيما وأنها ظلت تعاني طوال الفترة السابقة من شح في النقد الأجنبي الأمر الذي أسهم بشكل سالب في تدهور الجنيه السوداني الذي وصل بالسوق السوداء في وقت سابق إلى 9.5 جنيهات مقابل الدولار.

اقرأ أيضاً: السودان يستفيد من تراجع أسعار النفط

وضاعفت العقوبات الاستثنائية التي فرضتها بعض دول الخليج خاصة السعودية من معاناة الاقتصاد السوداني، قبل أن تتراجع عنها أخيراً بعد تحسن علاقات البلدين. وأكد تقرير صدر مؤخراً، لاتحاد أصحاب العمل السوداني (حكومي)، أن استئناف المصارف السعودية التحويلات المالية من وإلى السودان وتحسن العلاقات، سيعمل على رفع صادرات البلاد إلى المملكة من 500 مليون دولار إلى نحو 2 مليار دولار، وذلك بعد توقف التحويلات لعام كامل.

فرص متاحة

وحسب محللين، يرتبط أي انفراج اقتصادي بشكل وثيق بحل الأزمة السياسية في البلاد ووقف
الحروب والوصول لتسوية سياسية شاملة فضلاً عن تحسين علاقات السودان الخارجية ودون ذلك سيظل الوضع قائماً.
وفي هذا الإطار قال الخبير الاقتصادي بابكر محمد توم، أن هناك فرصاً متاحة أمام البشير وحكومته لتطوير الاقتصاد عبر تسويق إمكانات البلاد، موضحاً أن ذلك يتحقق عبر التواصل مع الخارج لجذب الاستثمارات الأجنبية، ولا سيما الخليجية بعد تحسن العلاقات مع السعودية، ما تسهم في حل مشاكل البلاد وتخلق فرص عمالة للحد من تفاقم أزمة البطالة.
وأكد بابكر أن السياسات الاقتصادية التي وضعت في البرنامج الخماسي تتطلب تحسين سعر الصرف لتمكين المستثمرين من تحويل أرباحهم فضلاً عن الاحتياج لتنسيق السياسات بين الولايات والمركز ووضع خطة استثمارية واضحة.
وأضاف أن السودان عليه أن يزيد في مساعيه التي تهدف إلى رفع العقوبات وفك حظر مليارات الدولارات من الأموال السودانية المحتجزة في الخارج، حيث سيؤدي ذلك إلى تقليل تكلفة التجارة باعتبار أن السودان تشتري حالياً منتجات أميركية عبر بوابات أخرى تزيد عن تكلفتها الحقيقة.

هروب الاستثمارات

وأدت الأوضاع السياسية والاقتصادية المتأزمة في البلاد إلى هروب رجال أعمال سودانيين وضخ استثماراتهم في إثيوبيا، حسب محللين. وسبق أن أقر وزير الاستثمار السوداني مصطفى عثمان اسماعيل، بانتقال 723 مشروعاً لمستثمرين سودانيين إلى أثيوبيا، تبلغ في جملتها 928 مليون دولار.
وفي هذا الإطار، يؤكد الخبير الاقتصادي كمال كرار، لـ"العربي الجديد"، أن فوز الرئيس البشير من شأنه أن يزيد من العزلة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد دولياً باعتبار أن نظرة المجتمع الدولي للانتخابات المنتهية أنها لا تمثل إرادة الشعب السوداني الأمر الذي من شأنه أن لا يحدث أية تغيير في الموقف الدولي من النظام.
وأضاف كرار أن النظام بعد الانتخابات سيمضي في ذات السياسات الاقتصادية، متوقعاً ألا يلمس المواطن أي تغيير بعد الانتخابات إن لم تتدهور الأوضاع للأسوأ بسبب غياب القطاعات الإنتاجية الحقيقة من زراعة وصناعة.
وأضاف أن "الحكومة بعد خروج إيرادات النفط التي كانت تعتمد عليها بشكل أساسي لم تتجه نحو النهوض بقطاعات الزراعة والصناعة بشكل جدي بل استبدلت البترول بالضرائب".
واستبعد كرار أن يشهد الاقتصاد السوداني خلال الفترة أي نمو في حال لم تحدث تغييرات حقيقة مرتبطة بالسياسة في البلاد فضلاً عن إنهاء الحروب، مشيراً إلى أن جذب الاستثمار الأجنبي يحتاج إلي بيئة مستقرة.
وفي ورقة أعدها وزير المالية الأسبق حمدي بدر الدين، أكد تضرر سوق المصارف السودانية
جراء الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، مشيراً إلى أن خسائرها تقدر بمبلغ 9 مليارات دولار خلال الفترة من 1997 إلى 2014.
وأكد أن ذلك أثر سلباً في زيادة التكلفة وترتبت عليه أعباء باهظة على الدولة ومؤسسات القطاع الخاص التي تعرض بعضها إلى الإفلاس والآخر اضطر للاندماج فضلاً عن فقدان المصارف لجزء كبير من رأس مالها وأرباحها وزبائنها داخل وخارج البلاد بجانب انخفاض الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي، وتدهور سعر الصرف مقابل الدولار.
ووفقاً لقرار العقوبات الأميركية، فإنه يمنع التعامل مع المصارف السودانية ويفرض حصاراً على التعاملات الخارجية، الأمر الذي جعل المصارف عاجزة تماماً عن إدخال السيولة المطلوبة إلى السوق.
وقضت محكمة أميركية، الجمعة الماضية، بتغريم مصرف "بي ان بي باريبا" الفرنسي ملبغ 8.9 مليارات دولار في إطار تسوية قضائية بين المصرف والسلطات الأميركية لإغلاق ملف انتهاك المصارف للعقوبات، منها إقدامه في يوليو/تموز الماضي على تحويل مبلغ 6.4 مليارات دولار لعملاء سودانيين ومبلغ 1.7 مليار دولار لعملاء كوبيين.


اقرأ أيضاً: السودان يخطط لإصلاحات جديدة لإنقاذ اقتصاده
المساهمون