تمتلك دول الخليج العربي ثروات ضخمة، إذ يعد بعضها من الأعلى انتاجاً وتصديراً للنفط على مستوى العالم، ومن المفترض أن تؤمن هذه الدول لمواطنيها مستوى عاليا من حياة الرفاهية والثراء، إلا أن تقارير محلية ودولية تؤكد معاناة شعوب الكثير من هذه الدول من نسب فقر مرتفعة، بالإضافة إلى غلاء الأسعار وتفاقم طوابير العاطلين عن العمل في ظل ضعف فرص التوظيف، سواء في القطاعين الحكومي أو الخاص.
والملفت زيادة حدة الأزمات الاقتصادية رغم الإيرادات النفطية الضخمة والميزانيات العملاقة التي أعلنت عنها حكومات دول الخليج للأعوام الأخيرة.
وتضم دول الخليج 6 دول، هي: السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر وسلطنة عمان. وتعاني معظمها من أزمات اقتصادية ومالية في ظل تراجع إيرادات النفط وكلفة الاضطرابات والحروب التي تحيط بها من كل جانب، ما انعكس سلباً على حياة المواطنين.
وأظهرت بيانات حديثة للمركز الإحصائي لدول الخليج، ارتفاع معدل التضخم بدول المجلس، بنسبة 3.7 بالمائة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي على أساس سنوي.
ووفق الأرقام الصادرة عن المركز، شكلت مساهمة السعودية 2.4 نقطة مئوية من إجمالي التضخم الخليجي، تلتها الإمارات بنقطة مئوية، ثم الكويت بنسبة 0.1 نقطة مئوية. فيما سجلت مساهمة سلطنة عمان وقطر والبحرين أقل من 0.1 بالمائة.
وتكشف البيانات الإحصائية حول سوق العمل في الخليج، أن غالبية دول الخليج تعاني من ارتفاع معدلات البطالة، حيث تبلغ معدلات البطالة في السعودية لفئة الشباب (التي تراوح بين 19 و25 عاماً)، نحو 30%، وفي البحرين 28%، و23% في عمان، و24% في الإمارات. وحسب إحصائيات رسمية، يبلغ تعداد السكان في دول الخليج العربي نحو 50 مليون نسمة، بينهم 48% أجانب.
قروض الكويتيين
رغم أن نسبة الفقر في الكويت قليلة، إلا أن الكثير من المواطنين لجأوا إلى القروض لمواجهة متطلبات الحياة، ويعاني نحو 429 ألف مواطن من الديون والقروض، وفقاً لأحدث بيانات صادرة عن بنك الكويت المركزي، حيث يبلغ عدد المتعثرين منهم نحو 50 ألف مواطن بحجم ديون 200 مليون دولار.
وتؤكد بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية أن هناك نحو 10 آلاف أسرة كويتية يعيش أفرادها بنظام الإيجار في شقق سكنية، ولا يمتلكون منزلاً للسكن الخاص، ووفقاً لمؤشرات إدارة الإحصاء الكويتية، فإن الإدارة قد حددت حاجز 2600 دولار كحد أدنى لمعدل الفقر لأسرة مكونة من 6 أفراد.
وحسب بيانات الوزارة، فإن عدد العاطلين من العمل في الكويت يبلغ 13.5 ألف مواطن ومواطنة.
وتعليقا على هذه الأرقام، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الكويت عبد الله الكندري، لـ"العربي الجديد": "يمثل الوافدون النسبة الأكبر من الطبقة التي تعاني من الفقر والعوز في الكويت، حيث إن نسبة الفقر بين الكويتيين أنفسهم قليلة جدا، ويرجع ذلك إلى ما تتمتع به الكويت من ثروة نفطية كبيرة وعدد سكان قليل مقارنه بذلك، حيث يبلغ عدد المواطنين نحو 1.3 مليون نسمة".
ويضيف الكندري أن الحكومة الكويتية أخذت خطوات جادة لمحاربة البطالة بين الشباب الكويتي، من خلال تأسيس الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة لدعم هذا القطاع الهام وتوجيه الشباب نحو العمل الحر، بعيداً عن الانتظار في طابور البطالة. ويشير إلى أن الحكومة الكويتية تقدم دعما كبيرا لمواطنيها لحمايتهم من مواجهة شبح الفقر.
معيشة القطريين
وكانت قطر ضمن الاستثناءات القليلة في الخليج التي استفادت من ثرواتها، إذ انعكست عائدات النفط والغاز على مستوى معيشة مواطنيها الذين يتمتعون بأحد أفضل مستويات الدخل عالمياً، كما تتراجع معدلات البطالة والفقر في الدوحة إلى أقل المستويات العالمية.
ورغم ذلك، واجه الاقتصاد القطري عدة تحديات بسبب الحصار الذي فرضته كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر في يونيو 2017، إذ شهد الاحتياطي النقدي عدة تراجعات قبل أن يعود للارتفاع مرة أخرى، كما تأثر قطاع العقارات وارتفعت أسعار بعض السلع، إلا أن الحكومة نجحت في إيجاد بدائل أعادت الاستقرار للأسواق مرة أخرى.
وكشفت بيانات رسمية حديثة، انكماش مؤشر أسعار المستهلك (التضخم) في قطر بنسبة 1.59% على أساس سنوي، في يناير/ كانون الثاني 2019، وفقاً لأرقام وزارة التخطيط التنموي والإحصاء. وجاء الانكماش السنوي نتيجة انخفاض أسعار 8 مجموعات، أبرزها الاتصالات 11.45%، والترفيه والثقافة 5.05%، والملابس والأحذية 4.04%.
وحسب وزارة التخطيط، استقر معدل البطالة عند مستويات متدنية جداً بلغت 0.1% من الربع الثالث لعام 2017 وحتى الربع الثالث من عام 2018.
وفي هذا السياق، أكد المحلل المالي أحمد عقل، لـ"العربي الجديد"، أن النمو الاقتصادي المرتفع لقطر ساهم في توفير فرص عمل للمواطنين، مشيراً إلى أن الحكومة تسعى بشكل مباشر إلى تشغيل القطريين عبر طرح فرص متنوعة وذات دخل عال في القطاعين الحكومي والخاص.
وصعد الناتج المحلي الإجمالي لدولة قطر في الربع الثالث من العام 2018 بنسبة 4% على أساس فصلي وذلك في أسرع وتيرة نمو ربعي (فصلي) خلال عامين، رغم الحصار الذي تفرضه 4 دول عربية منذ الخامس من يونيو/ حزيران 2017.
وقال عقل: إن ما يساعد على ضعف البطالة واختفاء الفقر في قطر هو تبني الحكومة العديد من الإجراءات المساعدة، منها عدم فرض ضرائب، وتقديم الخدمات الصحية مجاناً أو بأسعار رمزية، وغيرها من الإجراءات التي تصب في صالح المواطنين.
غموض الأرقام بالإمارات
لا تخلو الإمارات الغنية بالنفط من الفقر والبطالة، حسب أرقام غير رسمية، في حين تؤكد الحكومة أن البلاد تخلو تماما من الفقر.
ويوضح مدير عام المركز الدولي للدراسات الخليجية أحمد الراوي، لـ"العربي الجديد"، أن الإحصائيات والتقارير التي تتناول معدلات الفقر في الإمارات مفقودة وغامضة، ما يثير تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء هذا الغموض.
ويشير الراوي إلى وجود تقارير غير رسمية أعدتها بعض مراكز البحث والإحصاء في الخليج، والتي تتحدث عن أن معدلات الفقر في الإمارات تبلغ نحو 20%، مع التأكيد على أنها أرقام غير رسمية وغير مؤكدة.
وعلى عكس هذه الأرقام، تتحدث جهات رسمية في الإمارات عن أنه لا يوجد أي مواطن يعيش في فقر مدقع، وأن معدل الفقر في الدولة يبلغ 0%، بينما تصل نسبة السكان المعرّضين لخطر الفقر إلى 2%، وهي نسبة ضئيلة للغاية، وتعد من أقل المعدلات على مستوى العالم، وفقاً لهذه الجهات.
وحول أعداد العاطلين من العمل في الإمارات، يقول الراوي إن نسبة البطالة بين المواطنين تبلغ 12%، وهو أيضا رقم غير رسمي، مشيراً إلى اتخاذ الحكومة الإماراتية خطوات جادة لمحاربة البطالة بين مواطنيها، عن طريق توطينهم في القطاع العام، حيث بلغت نسبة المواطنين في الحكومة نحو 85%.
سلطنة عمان
رغم ما تشهده سلطنة عُمان من نمو ملحوظ في اقتصادها خلال السنوات الماضية، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي نمو اقتصادها بنحو 5% بداية من العام الجاري 2019، إلا أن مشكلة البطالة لا تزال تواجه الحكومة التي اتخذت العديد من الإجراءات لمواجهتها.
وتسجل البطالة في عمان واحدة من أعلى المعدلات في محيط دول مجلس التعاون الخليجي، حيث بلغت عام 2014، نحو 8%، في حين ترتفع في أوساط الشباب إلى 20%، وفقاً لتقرير أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، في حين تقول تقارير أخرى إنها تبلغ 50% وسط الشباب.
وعمان تعتمد في دخلها بشكل رئيسي على النفط، إذ بلغ إنتاج السلطنة من الخام خلال ديسمبر/ كانون الأول الماضي 30 مليونا و757 ألفا و952 برميلا، أي بمعدل يومي قدره 992 ألفا و192 برميلا، حسب التقرير الشهري الذي تصدره وزارة النفط والغاز العمانية.
البحرين
يأتي الاقتصاد البحريني الأكثر معاناة خليجياً، ما دفعها إلى السعي للحصول على مساعدات خارجية، كانت آخرها تعهدات من السعودية والكويت والإمارات بتقديم دعم مالي للمنامة.
ووفقاً لتقديرات "ستاندرد آند بورز"، فإن نسبة ديون الحكومة البحرينية إلى الناتج المحلي الإجمالي قفزت إلى 81% في عام 2017، مقارنة مع 34% في عام 2012، وتتوقع وكالة التصنيف الائتماني أن تصل النسبة إلى 98% بحلول عام 2020.
ويأتي ذلك وسط معاناة البحرينيين من قلة فرص العمل مع ارتفاع معدل البطالة إلى 20% بين الشباب، وفق ما أعلن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين في وقت سابق.