تونس: تدخل حكومي لإحياء الإسكان الاجتماعي وكبح المضاربات

02 نوفمبر 2018
ارتفاع أسعار العقارات الفاخرة أصابها بالركود (Getty)
+ الخط -

يواجه القطاع العقاري التونسي خللا كبيرا، بعد ارتفاع المعروض من الوحدات الفاخرة، التي أضحى الركود يلاحقها، بينما يشهد الإسكان الاجتماعي المخصص لطبقات الفقيرة والمتوسطة في المقابل عجزاً واضحا، ما دعا الحكومة إلى التدخل بالإعلان عن إجراءات من شأنها إعادة التوازن إلى السوق وإحياء الشركات العامة لتوفير وحدات للفئات محدودة الدخل في البلد الذي يشهد ارتفاعا في الأسعار وتراجعا في القدرات الشرائية.

فقد أعلنت وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن اعتزامها توفير نحو 10 آلاف هكتار (100 مليون متر مربع) سنويا لبناء المساكن الاجتماعية.

وحسب الوزارة، ستخصص هذه الأراضي على مدار 3 سنوات، لصالح الوكالة العقارية للسكنى (شركة حكومية لتهيئة وبيع الأراضي المعدة للبناء).

وقال وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية مبروك كورشيد، إن قطاع البناء والسكنى يهدّده من وصفهم بـ"سمسارة التراب"، مشيرا إلى أن توفير الأراضي يستهدف تعديل الأسعار والتصدي للمضاربة العقارية.

وظلت شركات الإسكان والتطوير العقاري الحكومية التي تم إنشاؤها منذ الستينيات تقوم بتهيئة الأراضي المعدة للبناء، وإقامة مدن سكنية كان الهدف الأساسي منها منع استحواذ الشركات الخاصة على القطاع العقاري، وخلق آليات لتعديل السوق، وتوفير مساكن بأسعار منخفضة، لكن السنوات الثماني الأخيرة شهدت تراجعا في دور الكيانات العامة، بينما ركز القطاع الخاص بشكل كبير على الإسكان الفاخر، الذي ارتفعت أسعاره بشكل كبير، ما أدى إلى ركوده في ظل تزايد المعروض منه.

وبحسب بيانات صادرة عن غرفة المطورين العقاريين في وقت سابق من العام الجاري، فإن 60% من التونسيين لا يملكون القدرة على امتلاك مساكن، نظرا لتدهور القدرة الشرائية.

يقول رئيس جمعية المطورين العقاريين فهمي شعبان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن ندرة الأراضي وارتفاع أسعارها يدفعان المستثمرين نحو التخلي عن خيار بناء المساكن الاجتماعية، بسبب ضعف هامش ربحها، مشيرا إلى أن تدخل الحكومة بتوفير المزيد من الأراضي سيدفع المطورين للعودة إلى المشاريع الاجتماعية والاقتصادية التي يقبل عليها التونسيون وتتماشى وقدراتهم الشرائية.

ويضيف أن قيمة الأراضي تشكل ما لا يقل عن 30% من الكلفة العامة للبناء، مؤكدا أن توفير الأراضي سيساهم في خفض الأسعار أو استقرارها.

وحسب شعبان فإن فارق السعر بين المتر المربع للسكن الاجتماعي والسكن الفاخر يصل إلى ألف دينار (348.5 دولارا)، مشيرا إلى أن معدل سعر المتر المربع للشقة الاجتماعية يراوح بين 1600 و1800 دينار، في حين يرتفع سعر المتر المربع للشقق الفاخرة إلى 3500 دينار.

ويقول رئيس جمعية المطورين العقاريين إن مساحة المساكن الاجتماعية والاقتصادية محددة ولا تتجاوز في أقصى الحالات 100 متر مربع، في حين تفوق مساحة المساكن الفاخرة في بعض الأحياء 300 متر مربع، وهو ما يصنع فارق السعر الكبير بينهما.

وخلال السنوات الثلاث الأولى التي تلت ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، ارتفعت أسعار الشقق السكنية بشكل غير مسبوق، حيث بلغ معدل الزيادة 13.5%، وفق معهد الإحصاء، مقابل زيادة لا تتعدى 5.7% خلال الفترة الممتدة من 1995 إلى 2010.

ويقول الخبير العقاري نور الدين شيحة، إن الدولة مطالبة ضمن خططها الإسكانية بتوفير أرصدة عقارية جديدة وإحداث مناطق توسع عمراني تمنع البناء الفوضوي وتنظم القطاع بفرعيه الحكومي والخاص.

ويضيف شيحة لـ"العربي الجديد"، أن مطوري العقارات طالبوا بتوفير مساحات جديدة من الأراضي، وإحداث مناطق توسع سكني تقوم الشركات الحكومية بتهيئتها وبيع جزء منها إلى القطاع الخاص، مشيرا إلى أن حل هذا الإشكال سيقطع الطريق على وسطاء وسماسرة الأراضي المخصصة للبناء، الذين دفعوا بالأسعار إلى مستويات قياسية في السنوات الأخيرة.

ورغم محدودية قدرة شركات التطوير العقاري الحكومية على توفير شقق ذات كلفة منخفضة في كل المحافظات، إلا أن خبراء عقاريين يشددون على أهمية تدخل الدولة في المجال العقاري عبر توفير الأراضي وتطوير القوانين لمواكبة التغيرات المتسارعة التي شهدها القطاع.

وبحسب بيانات رسمية لوزارة التجهيز والإسكان، يساهم المطورون من القطاع الخاص في بناء 22% من الوحدات السكنية الجديدة سنوياً، في حين لا تتعدى مساهمة مطوّري القطاع الحكومي 2.5%، فيما تتولى العائلات إنجاز نحو 75.5% من المباني.

ورغم وجود عجز في الإسكان الاجتماعي منخفض الأسعار، تشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع المعروض السنوي من العقارات لا سيما الفاخرة.

ويبلغ عدد المساكن في كامل محافظات البلاد نحو 3 ملايين و290 ألف مسكن، فيما يبلغ عدد الأسر 2 مليون و713 ألف أسرة، بحسب نتائج آخر تعداد للسكان والمساكن أجري عام 2014.

وتشير بيانات غرفة المطورين العقاريين إلى وجود فائض لا يقل عن 300 ألف شقة نتيجة ارتفاع الأسعار وتجاوزها القدرة الشرائية للتونسيين، فضلا عن زيادة كلفة القروض المدفوعة بارتفاع نسبة الفائدة المصرفية.

ويمثل قطاع التطوير العقاري 14% من مجموع الاستثمارات السنوية في البلاد، و12.6% من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، و8% من جملة القروض المصرفية الممنوحة للقطاعات الاقتصادية.
دلالات
المساهمون