ويوم الأربعاء، أُعلن في واشنطن عن تحرك الإدارة الأميركية للسماح للولايات باستيراد الأدوية المتاحة في كندا، أو أي دولة أخرى، بأسعار أقل من نظيرتها في السوق الأميركية، في محاولة للقضاء على مشكلة ارتفاع أسعار الدواء في الولايات المتحدة، التي أرقت الأميركيين خلال السنوات الأخيرة.
وتقل أسعار الدواء في العديد من البلدان، ومن بينها كندا وأغلب الدول الأوروبية، عن مثيلتها في الولايات المتحدة، حيث تنظم السلطات الكندية أسعار العديد من الأدوية، كما تتدخل الحكومات الأوروبية، بأساليب مختلفة، منها التفاوض المباشر مع شركات تصنيع الأدوية، أو شراء الحكومات للأدوية وإعادة بيعها للمواطنين، مع تحديد الأسعار التي تلتزم بها الشركات الموردة.
ورغم اعتراض خصوم ترامب على الخطوة، كون الأدوية المستوردة أقل جودة من الأميركية، فإن إدارة ترامب أكدت خضوع الأدوية المستوردة لاختبارات الأمان، وسيتم التأكد من أنها مصنعة بواسطة الشركات المعتمدة، كما سيتم الحصول على موافقة على استيرادها من وكالة الطعام والدواء FDA التابعة لوزارة الصحة، وهي أعلى جهة لمراقبة جودة الطعام والدواء في الولايات المتحدة.
وتأتي الخطوة الأميركية، التي يتوقع لها أن تحدث زلزالاً في صناعة الدواء الأميركية، بعد أيامٍ قليلة من نجاح الإدارة الأميركية في التوصل إلى اتفاق تجاري أولي مع الصين، يمنح الطرفين هدنة، ويضمن مضاعفة الصينيين لمشترياتهم من المزارعين الأميركيين، كما زيادة مشترياتهم من المنتجات الأميركية بما قيمته 200 مليار دولار، خلال العامين القادمين.
ورغم أن الاتفاق مع الصينيين ربما يكون الأهم تجارياً للإدارة الأميركية، إلا أنه لم يكن الوحيد، حيث شهد الأسبوع الجاري أيضاً دعم الكونغرس الأميركي، بمجلسيه، لاتفاق التجارة الحرة الجديد مع كندا والمكسيك USMCA، والذي يرى الكثيرون، ومنهم نانسي بيلوسي، زعيمة الأغلبية الديمقراطية بمجلس النواب الأميركي، أنه "انتصار للعمال الأميركيين، كونه يحوي بنوداً تؤدي إلى خلق المزيد من وظائف التصنيع في الولايات المتحدة".
وفي الاتجاه نفسه، مارس الرئيس الأميركي هوايته في لعب دور الرئيس القوي، الذي يفرض الشروط على خصومه، حيث أعاد فرض تعرفات جمركية على واردات بلاده من الصلب والألمنيوم من كل من الأرجنتين والبرازيل، كما أعلن رغبته في إبرام اتفاق تجاري ضخم مع بريطانيا فور خروجها من الاتحاد الأوروبي.
ولم يسلم الاتحاد الأوروبي من الأضرار الجانبية "Collateral damage" لتعويل ترامب على الاقتصاد في الفترة الأخيرة، وبعد فرض ترامب تعرفات بنسبة 100% على ما قيمته 2.4 مليار دولار من المنتجات الفرنسية، رداً على فرض فرنسا ضريبة على خدمات شركات التكنولوجيا الأميركية، أعلنت الإدارة الأميركية، يوم الثلاثاء، توجهها لفرض تعرفات تجارية جديدة على الاتحاد الأوروبي، من أجل تخفيض العجز التجاري الذي تعاني منه الولايات المتحدة مع الاتحاد، والذي يتوقع أن يصل مع نهاية العام الحالي إلى ما يقرب من 180 مليار دولار.
ووصف روبرت لايتهايزر، الممثل التجاري للولايات المتحدة، علاقات بلاده التجارية مع أوروبا بأنها "غير متوازنة"، مؤكداً أن واشنطن لا يمكنها تحمل استمرار عجز تجاري بهذا الحجم، وأن ترامب يركز جهوده حالياً للتعامل مع تلك المشكلة.
وعلى نحوٍ متصل، نجح ترامب وحزبه في الحصول على موافقة الكونغرس على الميزانية السنوية للإنفاق الحكومي الأميركي، بقيمة تصل إلى 1.4 تريليون دولار، الأمر الذي يجنب واشنطن إغلاقاً حكومياً، عطل مصالح المواطنين، وأدى لتأخر رواتب المواطنين، العام الماضي، وتسبب في إلقاء كل حزب اللوم على الحزب الآخر.
وفي الاتجاه نفسه، وفي محاولة لمنافسة الديمقراطيين في واحدة من أهم القضايا التي تقلق المواطن الأميركي، طلب ترامب من إدارته دراسة كيفية مساعدة الطلبة الأميركيين على التخلص من ديونهم التي ترتبت عليهم أثناء الدراسة، أو في أسوأ الأحوال تخفيف أعبائها. وساعدت البيانات الاقتصادية الصادرة في الفترة الأخيرة في الولايات المتحدة الرئيس الأميركي، حيث أوضحت استمرار إضافة الشركات الأميركية للوظائف بقوة، وبقاء معدل البطالة عند أدنى مستوياته في نصف قرن، كما ارتفاع معدلات الأجور، وزيادة الوظائف عند الأقليات.
وظهرت خلال الأسابيع الماضية علامات تشير إلى ابتعاد الاقتصاد الأميركي عن الركود، على الرغم من دخوله عامه الحادي عشر من الانتعاش، الأمر الذي ساعد بنك الاحتياط الفيدرالي على التمسك بموقفه الرافض لخفض معدلات الفائدة، خلال اجتماعه الأسبوع الماضي.
ويوم الثلاثاء، أظهرت بيانات حديثة لوزارة التجارة ارتفاع الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة بنسبة 1.1%، وزيادة إنشاءات المنازل الجديدة بنسبة 3.2%، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المنتهي، في إشارة واضحة على قوة الاقتصاد الأميركي.
وفي مذكرة أرسلها لكبار عملائه، يوم الثلاثاء، واطلع "العربي الجديد" عليها، أكد مايكل بيرس، كبير الاقتصاديين المتابعين للشأن الأميركي بمركز الأبحاث كابيتال إيكونوميكس، أن "تحسن ظروف الاقتصاد العالمي، وتراجع حدة التوترات التجارية، واستقرار سعر الدولار الأميركي، تشير إلى تحسن الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة خلال العام القادم، 2020"، الأمر الذي يدعم فرص ترامب في استغلال الاقتصاد كأحد أهم أسلحته في مواجهة ضغوط الديمقراطيين.