أنهت الأسهم الأميركية أول أسبوع في العام الجديد على ارتفاع رغم البداية السيئة في أول يومي تعامل، بعد تلقيها دعماً من جيرومي باول، رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، الذي أبدى استعداداً للتروي في رفع معدلات الفائدة، ما ساعد المستثمرين على التحلي بالشجاعة للشراء، ورفع مؤشر داو جونز الصناعي أكثر من سبعمائة نقطة خلال تعاملات يوم الجمعة.
وبعد أسوأ أول يومين في العام منذ عام 2000، أكد باول، في اللقاء السنوي للرابطة الاقتصادية الأميركية في أطلانطا، أن البنك الفيدرالي سيتحلى بالصبر في ما يخص رفع الفائدة، وأن "الأسواق سبقت البيانات" (في إشارة إلى الانخفاض المبالغ فيه في أسعار الأسهم)، وهو ما تسبب في رأيه في انخفاضات أسعار الأسهم الأخيرة خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول المنتهي.
لكنه أكد أن أرقام سوق العمل، التي صدرت صباح الجمعة، تشير إلى أن "بيانات الاقتصاد الأميركي تبدو مستمرة بقوة الدفع في العام الجديد".
وفيما يبدو رداً على اتهامه بأنه بدأ العمل بما يرضي ترامب، الذي أعلن في أكثر من مناسبة أنه يرفض رفع معدلات الفائدة، واتهم مسؤولي البنك الفيدرالي بجهلهم آليات عمل الأسواق، أكد باول أنه لم يتلق أي اتصال مباشر من البيت الأبيض، رغم تناثر شائعات بأن مساعدين لترامب حاولوا ترتيب لقاء له مع الرئيس، والذي سيكون، في حال تحققه، الأول من نوعه منذ جلوس باول على كرسي حاكم البنك الفيدرالي قبل أكثر من عشرة أشهر.
ومن ناحية أخرى، وفي تعليق نادر من باول، أكد رئيس البنك الفيدرالي أنه لن يتقدم باستقالته، حتى لو طلب ترامب منه ذلك!
وأظهرت بيانات وزارة العمل أن الشركات الأميركية غير الزراعية أضافت 312 ألف وظيفة خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول المنتهي، بزيادة حوالي 97 ألف وظيفة عن متوسط ما تمت إضافته من وظائف في شهور السنوات الخمس الماضية، رغم أن توقعات الاقتصاديين لم تتجاوز 176 ألف وظيفة.
وبعد بيانات سوق العمل القوية، والتعليقات الإيجابية من رئيس البنك الفيدرالي، ارتفعت مؤشرات الأسهم الأميركية الرئيسية، وأغلق مؤشر داو جونز الصناعي على ارتفاع بنسبة 3.29%، تمثل 747 نقطة، كما ارتفع مؤشر اس آند بي 500 بنسبة 3.43%، ومؤشر ناسداك بنسبة 4.26%.
وبعد أن توقع المستثمرون منتصف الصيف الماضي رفع معدلات الفائدة خلال عام 2019 أربع مرات، تغيرت التوقعات إلى ثلاثة رفعات في سبتمبر/ ايلول الماضي، ثم رفعين فقط بعد قرار الرفع الأخير قبل نهاية العام بأيام.
ومع تأكيد باول في تعليقاته يوم الجمعة نية البنك "إظهار مرونة"، اعتبرت الأسواق أن البنك الفيدرالي قد يتمهل في رفع الفائدة، وربما يخفض عدد مرات الرفع المتوقعة إلى واحدة فقط خلال العام الحالي 2019. وعادةً ما يتسبب رفع معدلات الفائدة في انخفاض أسعار الأسهم، كونه يتسبب في ارتفاع تكلفة اقتراض الشركات، ويقلل من قيمها باستخدام أسلوب التدفقات النقدية المخصومة للتقييم Discounted cashflow.
وعلى حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، عبّر الاقتصادي المصري الأميركي الشهير محمد العريان عن تفاؤله بتعليقات رئيس البنك الفيدرالي، والتي جاءت متسقة مع ما توقعه العريان في مقال سابق له على موقع شبكة بلومبرغ، وقال: "عاد التذبذب للأسواق، ولكن لن يشتكي أحد هذه المرة بعد ارتفاع داو جونز بأكثر من 3%".
وأكد العريان أن المستثمرين سعداء "بفريق الأحلام المكون من البيانات القوية (تقرير سوق العمل)، والسياسة النقدية المساعدة (تصريحات رئيس البنك الفيدرالي)، ومؤشرات فنية جيدة".
وبالفعل قللت التركيبة التي رصدها العريان من مخاوف المستثمرين بشأن التباطؤ الاقتصادي، بعد أن أدت هذه المخاوف إلى موجات من بيع الأسهم خلال الشهر الماضي، ليسجل مؤشرا داو جونز الصناعي واس آند بي 500 أسوأ أداء في شهر ديسمبر/ كانون الأول منذ عام 1931.
ويوم الجمعة، أظهرت سوق العقود المستقبلية للأسهم الأميركية أن السوق الأميركية في طريقها لتعويض نسبة كبيرة من الخسائر التي تكبدتها خلال الأسابيع الأخيرة.
وقال داريل كرونك، مسؤول الاستثمار بإدارة الثروات والاستثمار ببنك ويلس فارجو: "هذه الأرقام لا توحي بركود في 2019". وأشار إلى أنه رغم اقتناعه بتباطؤ النمو الاقتصادي الأميركي والعالمي خلال 2019، إلا أنه يعتقد أن "كثراً من المستثمرين قد بالغوا في تشاؤمهم".
وفي حين أرجع محللون آخرون، بخلاف كرونك، انخفاض أسعار الأسهم في الأسابيع الأخيرة من العام الماضي إلى تخوف المستثمرين من بدء ظهور علامات الركود في الاقتصاد العالمي، وهو ما توقع كثيرون أن يؤثر سلباً على الاقتصاد الأميركي، جاءت كلمات باول لتتغلب على العديد من المخاوف.
وبخلاف علامات الركود السابقة، قللت التعليقات من الخوف من تأثير النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وما قد يسببه من انخفاض أرباح الشركات الأميركية، الأمر الذي كان قد ظهر بعد تحذير شركة آبل، عملاق صناعة التليفونات المحمولة الذكية وأكثر شركات صناعة التكنولوجيا إبداعاً في العالم، من تراجع عائداتها وانخفاض مبيعات هواتفها الذكية "آيفون"، بسبب تراجع المبيعات في الصين.
ودعت أماندا أجاتي، مسؤول استراتيجيات الاستثمار بمجموعة بي ان سي للخدمات المالية، المستثمرين إلى مقاومة نزعة التركيز على السلبيات، مؤكدةً أن "البيانات الأساسية للأسهم الأميركية ما زالت قوية".