شدّد الباحث الاقتصادي في "المعهد المغربي لتحليل السياسات"، رشيد أوراز، في حوار مع "العربي الجديد"، على ضرورة ترشيد النفقات العامة في المغرب واتباع سياسة تقشفية وتعزيز الحوكمة، وأن تعمل الحكومة وفق ما تتيحه لها إمكانياتها المادية وليس أكثر.
وقال "لست من أنصار الاستدانة، وخصوصا بالنسبة للبلدان النامية التي تعاني من مشاكل الفساد والحوكمة حيث تغيب الشفافية. لا يمكن أن تنصح بلدا ناميا بالاستدانة المفرطة، لأنه في أغلب الأحيان ما تقوم تلك الدول باستدانته يضيع مثله سنويا أو أكثر بسبب الفساد وغياب الحوكمة".
وتناول في حواره أزمة كورونا وتأثيراتها الاقتصادية على العالم قائلا "الواقع الذي صنعته هذه الأزمة الصحية يرتفع، وقد يتحول إلى أزمة اقتصادية ومالية خلال الأشهر القادمة. لا أحد من الخبراء على مستوى العالم لديه خطط يدعي أنها ستنجح في تجنيب العالم أو بلد معين الخسائر التي ستتركها وراءها، هذا إذا افترضنا أن جائحة كورونا سينتهي أمرها قريبا".
وإلى نص حوار "العربي الجديد" مع رشيد أوراز.
وإلى نص حوار "العربي الجديد" مع رشيد أوراز.
* ما هي تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد المغربي؟
إننا أمام وضعية اقتصاد مغلق. وبما أننا لا نعرف كم ستستمر هذه الأزمة، فإن الوضعية صعبة على المواطنين والمقاولين أيضاً، وكل الفاعلين الاقتصاديين ومسؤولي البلد عاجزون عن بناء أي توقعات بخصوص المستقبل القريب. إننا في وضعية ما قبل أزمة اقتصادية، والذي سيجعلها أزمة اقتصادية حقيقية هو طول مدة انتشار الفيروس على الصعيد العالمي.
على المستوى الاقتصادي تحديداً، أسوأ ما يمكن أن يقع هو الظاهرة التي يسميها الاقتصاديون "الركود التضخمي"، وهو الأمر المتوقع إذا استمر الإغلاق الاقتصادي وعجزت الحكومات الغربية خصوصاً عن إعادة تنشيط اقتصاداتها، وهي حالة تتسم بركود شديد وبطالة وغلاء، وعندما تضرب اقتصادات العالم كلها، فستكون الوضعية كارثية.ولحدود اللحظة نحن بعيدون شيئاً ما عن هذا الواقع، إلا إذا حدثت انتكاسات كبيرة خلال الأشهر القليلة المقبلة، أو عجزت المختبرات عن اكتشاف لقاح فعال ضد هذا الفيروس.
والاقتصاد المغربي، كغيره من بين الاقتصادات العالمية، التي تتوقف تداعيات كوفيد 19 عليه على ما يجري على الساحة العالمية، باعتباره اقتصاداً منفتحاً ومندمجاً في محيطه العالمي، وكل ما يمسّ اقتصادات أهم شركائه الدوليين من ركود سيؤثر فيه بدوره.
ما هي القطاعات الأكثر تضرراً من أزمة كورونا؟
حتى بعد أن تنتهي هذه الأزمة، من الصعب أن نحدد بدقة حجم الخسائر. فليست لدينا معلومة أكيدة عن أهم متغير اقتصادي، وهو الزمن. وبما أن كل النشاط الاقتصادي معطل، فالكل متضرر، وأظن أن الشركات الكبرى متضررة أكثر من غيرها، فخسائرها بالملايين يومياً، وخصوصاً في قطاعات النقل الجوي والنقل عبر القطارات والسياحة والخدمات، ثم تليها بعض الصناعات، مثل قطاع تركيب السيارات الذي توقف لفترة معينة قبل أن يستأنف جزءا من نشاطه قبل أيام قليلة. كما سيلحق الضرر بالقطاع البنكي وقطاع التأمينات. والشركات الصناعية سيتأثر نشاطها حالياً، وسيتراجع الطلب على منتجاتها لاحقاً حتى يسترجع الاقتصاد نشاطه السابق.
وفي مستوى أدنى، تضررت المقاولات الصغيرة في كل القطاعات المتوقفة، وكذلك تضرر المشتغلون في القطاع غير الرسمي، الذي يشكل في المغرب جزءاً مهماً من النسيج الاقتصادي الوطني الذي يشغل ملايين المواطنين.
لكن في الآن ذاته، هناك بعض المستفيدين من هذه الأزمة الصحية، خصوصاً شركات التكنولوجيات الحديثة والاتصالات التي ارتفع الطلب على خدماتها.
لكن في الآن ذاته، هناك بعض المستفيدين من هذه الأزمة الصحية، خصوصاً شركات التكنولوجيات الحديثة والاتصالات التي ارتفع الطلب على خدماتها.
* ما هي تداعيات تراجع معدلات السياحة وتحويلات المغتربين والاستثمارات الأجنبية؟
يمكن لحد الآن أن نتحدث عن قطاع السياحة باعتباره القطاع المتضرر الأول اقتصادياً في المغرب. فنحن نعرف أن البلد وجهة سياحية مهمة في الضفة الجنوبية للمتوسط. وغير قدراته التشغيلية، فهذا القطاع مدرّ لموارد مهمة من العملة الصعبة بالنسبة إلى المغرب، وترتبط به قطاعات أخرى، مثل قطاع الصناعة التقليدية، الذي يرتفع الطلب على منتجاته من طرف السياح الأجانب. وبتعطل قطاع السياحة تعطلت أيضاً خدمات شركة مهمة، هي الخطوط الملكية المغربية للطيران، بالإضافة إلى كونها شركة كبيرة وضخمة، فهي مشغل مهم.
وبما أننا في وضعية عالمية أغلب الاقتصادات فيها معطلة، فلا حركة لرؤوس الأموال في هذا الوقت بالذات. وحتى المستثمرون المحليون أو الأجانب لن يغامروا بعمليات استثمارية خلال الأسابيع أو حتى الأشهر القادمة. إن المستثمر يجب أن يكون قادراً على بناء التوقعات بخصوص المستقبل، وذلك لن يتأتى إلا في ظل ظروف مستقرة، وهي غير متوافرة حالياً.
وبالتالي، المغرب لا يمكنه في ظل الظروف الحالية أن يستفيد من أي استثمارات أجنبية مباشرة، لكن يمكن أن يتحقق ذلك بعد انتهاء انتشار هذا الفيروس على الصعيد العالمي، لكن عليه توفير الشروط المناسبة لذلك، وهي أساساً موارد بشرية عالية الكفاءة ومؤسسات متينة ومناخ استثماري مشجع.
حتى سنة 2020، وحسب تقرير مناخ الأعمال الذي يصدره البنك الدولي، احتل المغرب المرتبة الـ53 عالمياً في ما يخصّ سهولة ممارسة الأعمال، لكن عليه أن يوفر مزيداً من الضمانات في ما يخص حماية الاستثمار الخاص وتحسين الحوكمة ومحاربة الفساد.
* ما مدى قدرة الاحتياطي النقدي على الصمود أمام خسائر كورونا؟
بطبيعة الحال، سيؤثر تعطل قطاع السياحة وقطاع الطيران بتحويلات المغاربة المقيمين في الخارج إلى بلدهم الأم، إضافة إلى مصاريف السياح الزائرين للبلد. فهذان الموردان من أهم الموارد التي يعتمد عليها المغرب في ما يخصّ مصادره من العملة الصعبة التي يحتاج إليها للقيام بتعاملاته التجارية والمالية مع الخارج.
وقبل الأزمة، كان لدى المغرب رصيد من العملة الصعبة يكفي لتغطية مشترياته لمدة 5 أشهر، كذلك فُعِّل خط سيولة، في إطار تعاقد مع صندوق النقد الدولي وُقِّع عليه في شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، وأظن أن المغرب كان لديه شيء من الحظ في هذه النقطة بالذات، لأن التعاقد كان سينتهي في ديسمبر 2020. لكن إذا لم يستعد النشاط السياحي وتحويلات المغاربة في الخارج وحركة التصدير التجاري نحو الخارج الحيوية، فالبلد سيعاني من تحصيل ما يكفي من العملات الصعبة للقيام بما يلزمه في الأسواق الدولية، وسيكون عليه آنذاك الاتجاه للاستدانة لحل تلك المشكلة. هنا أيضاً تتوقف درجة ما سنعانيه من مشاكل في المستقبل على كم ستدوم هذه الأزمة الصحية، وبأي سرعة ستتحول إلى أزمة اقتصادية ومالية عالمية.