التحالف يستهدف مصادر رزق 3 ملايين يمني: تدمير الصيد

20 مايو 2020
تدني نسبة متوسط استهلاك اليمنيين من الأسماك (فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن يتصور الصياد الخمسيني يوسف مسعود، النازح في صنعاء من محافظة الحديدة منذ أكثر من عام، أن يأتي يوم لا يتوجه فيه إلى البحر لاصطياد الأسماك، المهنة التي لا يعرف غيرها ويعمل بها منذ أكثر من 25 سنة والتي يعمل بها معظم أفراد أسرته.

يعيش مسعود هذا اليوم بعد ما أجبرته الحرب التي دارت في الحديدة (غرب) واستهداف التحالف لقوارب الصيد على النزوح وترك مهنته وبدء رحلة تشرد شاقة ومضنيه.

ويأتي قصف طائرات التحالف في مقدمة الأسباب التي ساهمت في انتزاع مسعود من مهنته وعملة واستهداف مصدر دخله هو وكثير من المواطنين في المناطق الساحلية لليمن الذين يعملون ويمتهنون الاصطياد البحري والذي يمثل لهم مصدراً رئيسياً للدخل.

مسعود الذي نجا أكثر من مرة من قصف التحالف لقوارب الصيد التي كان يعمل بها في عرض البحر، يقول لـ "العربي الجديد" إن قصف التحالف كان بلا هوادة وبشكل عشوائي للسواحل والشواطئ في محافظة الحديدة منذ بداية الحرب في اليمن، الأمر الذي خلق مخاطر كبيرة في عملهم، وكان توجههم للبحر كصيادين أشبه بمغامرة غير محسوبة العواقب، إذ ذهب كثير منهم ضحايا نتيجة قصف طائرات التحالف لمراكبهم وقواربهم في عرض البحر.

وتكشف بيانات رسمية عن ضحايا بالعشرات في أوساط الصيادين اليمنيين نتيجة الحرب والقصف الجوي، ما بين قتيل وجريح، في حين بلغ عدد الصيادين الذين تأثروا أو فقدوا مصادر دخلهم جراء الحرب والقصف نحو 100 ألف صياد وعامل في مهنة صيد الأسماك يعيلون أُسر يُقدر عددها بنحو ثلاثة ملايين فرد، وفق البيانات الرسمية.

وألحقت الحرب وما رافقها من قصف جوي كثيف وعشوائي للتحالف أضراراً بالغة في معيشة الناس في الحديدة والمخا وعدن ومختلف المناطق الساحلية في اليمن. حتى تلك التي لم تصلها الحرب مثل محافظة المهرة جنوب شرق اليمن، توقف أهم مورد رئيسي لكثير من العاملين في مجال اصطياد الأسماك فيها لأسباب مختلفة.

من هؤلاء حمدي ناصر الذي لجأ إلى العمل في مجال "طلاء المنازل" وترك مهنة الصيد كما يقول لـ "العربي الجديد" بسبب منعهم من الصيد في مدينة "ذوباب" الساحلية غرب تعز من قبل القوات الإماراتية قبل أكثر من عام، بينما لا يزال سلطان الغارم من سكان المهرة (شرق) بدون عمل بعد ما شردته وكثيراً من الصيادين القوات السعودية التي قامت بالسيطرة على موانئ وسواحل محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان.

وقامت السعودية بتحويل مناطق ومراكز الاصطياد السمكي في مناطق "نشطون والحُصين وسيحوت" إلى ثكنات عسكرية ومخازن أسلحة الأمر الذي ضر كثيراً بالصيادين في المحافظة.

ويصف مسؤول في الاتحاد التعاوني السمكي التابع لوزارة الثروة السمكية في الحكومة اليمنية، تحدث لـ"العربي الجديد"، حجم الأضرار التي لحقت بالقطاع السمكي في اليمن بالمهولة، ليس فقط بسبب الحرب بل أيضاً بسبب الكوارث الطبيعية والأعاصير التي ضربت أكثر من مرة طوال الخمس السنوات الماضية عدد من السواحل اليمنية في المناطق الجنوبية الشرقية في حضرموت وسقطرى والمهرة.

وحسب المسؤول، الذي فضل عدم ذكر اسمه، فإن هناك جهوداً تُبذل لإعادة بث الحياة من جديد في هذا القطاع الحيوي على الرغم من حجم الأضرار الواسعة التي لحقت به جراء الحرب الدائرة في اليمن، وذلك من خلال إعادة تفعيل نحو 150 مركز إنزال سمكي ومعالجة الأضرار التي لحقت بالصيادين وإصلاح المعدات والقوارب المدمرة واستعادة النشاط التجاري والاقتصادي بما يسمح باستعادة تصدير الأسماك بصورة كاملة عبر الموانئ اليمنية المتاحة.

وتشهد الأسواق اليمنية ارتفاعاً كبيراً في أسعار الأسماك مع تراجع عملية الإنتاج والتصدير والصعوبات التي فرضتها الحرب في نقل الأسماك من مراكز الاصطياد في المناطق الساحلية إلى بقية المحافظات والمناطق اليمنية.

ويشير الباحث الاقتصادي، مطيع سلام، إلى تدني نسبة متوسط الاستهلاك من الأسماك سنوياً للفرد الواحد على مستوى اليمن بنسبة 80%.

وتشكل الثروة السمكية واحدة من ركائز التنمية الاقتصادية في اليمن، كما يتحدث سلام لـ"العربي الجديد"، لما تتمتع به من موارد متجددة تسهم في استدامة إجمالي الناتج المحلي، فضلاً عن توفير فرص عمل لآلاف اليمنيين إلى جانب الأنشطة الإنتاجية والخدمية المرتبطة بهذا القطاع الحيوي والاستراتيجي الذي يحقق عوائد لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن.

ويصف سلام استهداف التحالف للقطاع السمكي والبحري في اليمن بالمتعمد في إطار توجهاته في البسط والسيطرة على موانئ اليمن وجزره والتحكم بسواحله وشواطئه.

طرق الاستهداف كما يقول تمثلت في قصف قوارب الاصطياد للاشتباه بها ومراكز الإنزال السمكي، إضافة إلى مصادرة قوارب في المناطق الساحلية التي سيطروا عليها ومنع ممارسة الاصطياد في كثير من المناطق المخصصة منذ سنوات لصيد الأسماك، إضافة إلى تجريف الثروات البحرية ونهبها والعبث بها.

وتذكر البيانات الرسمية أن الأضرار البيئية جراء رمي الملوثات المختلفة في السواحل والمياه تسببت في خسائر بـ420 مليون دولار، في حين بلغ إجمالي تقييم الأضرار البيئية لسفن الصيد الأجنبية المخالفة ملياراً و680 مليون دولار، بينما بلغت خسائر الصناعات والخدمات المصاحبة للنشاط السمكي 13 مليوناً و282 ألف دولار، وخسائر الرسوم والعائدات 71 مليون دولار.

ويعدد رئيس جمعية سمكية، محمود وهبان، مجموعة من المخالفات التي استهدفت مصدر رزق آلاف الصيادين وساهمت في تكبد القطاع السمكي خسائر باهظة، في مقدمتها استهداف قوارب الصيد ومراكز الإنزال السمكي لتجميع الأسماك ومنع الرقابة البحرية واستهداف قوارب الرقابة والتفتيش العامة أو الخاصة بالجمعيات السمكية.

ويضيف وهبان لـ "العربي الجديد" أن من الأضرار البالغة منع صيد الأحياء البحرية أثناء فترة التكاثر والنمو وصيد أنواع الكائنات التي تعتمد عليها الأسماك في غذائها واستخدام وسائل وطرق الصيد الجائر وتدمير مراعي الأسماك ومواطن عيش الأحياء البحرية.

ويشدد على تحمل التحالف بشكل خاص والأطراف المتصارعة مسؤولية ما جرى لهذا القطاع الاقتصادي الحيوي والذي يعد ركيزة أساسية في التنمية الاقتصادية من تدمير واسع وتوقف مصدر يعتمد عليه ملايين اليمنيين، والذي يعد من الأسباب الرئيسية التي فاقمت الأوضاع المعيشية في اليمن وانتشار البطالة وتفشي الجوع.

ويقدر تقرير صادر حديثاً عن وزارة الثروة السمكية الخاضعة لسيطرة الحوثيين خسائر القطاع السمكي المباشرة بنحو 6.7 مليارات دولار منذ بداية الحرب الدائرة والتي دخلت عامها الخامس، إضافة إلى خسائر في البنية التحتية بنحو 13 مليون دولار نتيجة تدمير التحالف لميناءي ميدي والحيمة شرق مدينة حجة (شمال) بشكل جزئي، وكذلك تدمير 11 مركز إنزال سمكي كلياً.

وأشار التقرير الذي اطلعت عليه "العربي الجديد" إلى تدمير 249 قارب صيد بسواحل الحديدة وحجة، فيما بلغ عدد القوارب التي أوقفت نشاطها جراء استهداف طائرات التحالف لمراكز الإنزال أو وقوع بعض المراكز في مواقع المواجهات خمسة آلاف و86 قارباً معظمها بمديرية ميدي محافظة حجة ومديريات "ذوباب" وباب المندب والمخا بتعز جنوب غرب اليمن، إذ بلغ فاقد إنتاجها نحو مليار دولار.

المساهمون