كنوز مُهدرة... التهريب يحرم السودان من ثروته الحيوانية

22 فبراير 2017
الحكومة تعول على الثروة الحيوانية (فايد الجزيري/Getty)
+ الخط -
ينتقد المهنيون في قطاع الثروة الحيوانية بالسودان، الحكومة على اتباع سياسات تحول دون استفادة البلد من ثروات الماشية التي تنعم في ملايين الأفدنة الخضراء. 
وقال أعضاء في غرفة مصدري الماشية بالسودان، إن وزارة الثروة الحيوانية تفتقد إلى المنهجية العلمية بما يساعد على التهريب المقنن للماشية إلى خارج البلاد.
ويبدو أن المعطيات الحكومة تُرجّح إلى حد ما مزاعم المهنيين، حيث أكد وزير الثروة الحيوانية موسى تبن، في تصريحات أخيرة، أن قرابة 42% من قطعان الثروة الحيوانية يتم تهريبها عبر الحدود، ما أضعف نسبة الصادرات الرسمية التي تعول عليها الدولة في توفير النقد الأجنبي وتوفر مدخلات تدور في فلك الاقتصاد الرسمي.
وأضاف الوزير أن التهريب يمثل تحديا كبيرا للدولة يتطلب اتخاذ سياسات جديدة لزيادة الصادرات ومكافحة هكذا ظاهرة.
وقال رئيس غرفة مصدري اللحوم، خالد المقبول، لـ "العربي الجديد" إن صادرات الثروة الحيوانية تناقصت بصورة كبيرة خلال العام الماضي، إذ وصلت إلى 5.04 ملايين رأس قيمتها 779 مليون دولار، مقابل أكثر من ستة ملايين رأس في عام 2015، بلغت قيمتها أكثر من 869 مليون دولار.
ويرى المقبول أن سياسات وزارة الثروة الحيوانية غير رشيدة ولم تتبع الأسلوب العلمي، خاصة فيما يتعلق بالإجراءات البيطرية التي تعاني من غياب الإحصائيات الدقيقة، مما جعل قطاع الثروة الحيوانية يتدهور بصورة كبيرة ويتراجع إلى أدنى مستوياته في قرابة عقد.
ولا يوجد إحصاء رسمي لعدد رؤوس الماشية والأغنام التي تتوفر عليها السودان، لكن أغلب التقارير المحلية التي تستند إلى تقديرات مسؤولين ومهنيين تذهب إلى أن الأعداد تتراوح بين 100 مليون إلى 150 مليون رأس.
وأكد النائب الأول للرئيس السوداني، بكري حسن صالح، أهمية وزارة الثروة الحيوانية في مكافحة الفقر ودعم الاقتصاد الوطني من خلال صادرات منتجات الثروة الحيوانية، لافتاً إلى أن ثمة تحديات تواجه الوزارة تتمثل في إحصاء أعداد القطيع المحلي وتضارب الأرقام بشأنها.
وشدد صالح الأسبوع الماضي، في مؤتمر سنوي تنظمه الحكومة للوزراء المسؤولين عن الثروة الحيوانية بالولايات، على أهمية التنسيق بين المركز والولايات فيما يتعلق بالثروة الحيوانية في مجال التخطيط، مطالبا بتخفيف الضرائب والرسوم المفروضة على القطاع بما يساعد على تعزيز الصادرات.

ويعود تاريخ آخر إحصاء رسمي لأعداد الثروة الحيوانية في السودان إلى عام 1976، وقُدرت حينها بحدود 108 ملايين رأس، ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم لم تُجر الحكومات المتعاقبة أية إحصاءات رسمية، بل تعتمد على التقديرات وحسب.
ويعتقد خالد علي خير، أحد مصدري الماشية في السودان، أن اندماج كثير من المصدرين في تجارة العملة الأجنبية بأسواق الصرف السوداء، يحتّم عليهم اللجوء للتهريب لتكون إيراداتهم من التصدير غير مراقبة من جانب الحكومة، مطالبا الحكومة بوضع ضوابط تحدد من خلالها الخلل الحاصل في الميزان التجاري للبلاد واتجاه كثير من المصدرين إلى التهريب.
ويعتبر خالد في كلامه مع مراسل "العربي الجديد"، أن كل الإحصائيات الواردة بشأن عائدات الثروة الحيوانية غير حقيقية، حيث أنها تفتقد لحصة مهمة جدا تخرج عبر التهريب، مشيرا إلى أن صادرات الثروة الحيوانية والسياسات التي تنظم القطاع تعرضت لكثير من الاختلالات مما أسفر عن فوضى واسعة طاولت المنظومة ككل بدءا من تعاقدات الصادرات وانتهاءً بمواصفات الحيوانات التي تخضع لمقاييس عالمية.
ومع ضعف السيولة الدولارية التي تضخها الحكومة في سوق الصرف، هبط الجنيه السوداني في السوق الموازية إلى نحو 16 جنيها للدولار، في المتوسط.
ويعتقد خالد أن تهريب الماشية أفقد البنك المركزي إيرادات بالعملة الصعبة تتجاوز مائتي مليون دولار على الأقل خلال عامي 2014 و2015، فضلا عن 300 مليون دولار على الأقل ضرائب ورسوما كانت مستحقة للحكومة من هذا القطاع الحيوي.
ويرى خالد أن تهريب أكثر من قرابة ربع الثروة الحيوانية إلى الخارج يتم وفق عمليات مقننة عبر تصاريح من وزارة الثروة الحيوانية، فيما يتم تهريب النسبة المتبقية عبر ممارسات أخرى، يقوم بها متخصصون تمرسوا على هكذا عمليات.
ويقول إن الحكومة كثيرا ما تضبط حالات تهريب لكن يتم قيدها ضد مجهولين، برغم وجود الوقائع والأدلة التي تُثبت تورط الجناة، تلك حالات يقول إنه عاينها بنفسه.
ويرى خالد أن المهربين يستفيدون من سياسات وزارة الثروة الحيوانية التي تفشل في إرساء أنظمة وتشريعات تكافح من خلالها ظاهرة التهريب، قائلا: "لولا تلك الممارسات كان السودان يصل إلى تصدير أكثر من 20 مليون رأس سنويا. هذه هي القدرات الحقيقية للقطاع في السودان، إلا أن عدم وجود الرقابة والإجراءات البيطرية الصحيحة يعيق كل محاولات زيادة الصادرات".
ويري خالد أنه نتيجة لإجراءات الدولة فإن الفاقد من الصادرات يصل سنويا إلى 500 مليون دولار، كما أنه يُفقد الدولة مليارات الدولارات جراء فقد الرسوم التي من الممكن أن يوفرها هذا القطاع لو أن الحكومة أولته بالاهتمام.
ويتوفر السودان على أكبر ثروة حيوانية في الوطن العربي، ويصدر هذه الثروة إلى عدد من دول العالم، حيث يستفيد مربو الماشية من عشرات ملايين الأفدنة الخضراء في البلاد.
وقال مصدر مطلع إن معظم الكميات التي يتم تهريبها من الثروة الحيوانية السودانية، تتجه إلى مصر وليبيا والمملكة العربية السعودية، مؤكدا أن السودان أصبح ممرا لتهريب بعض المواشي القادمة من دول الجوار، والتي يتم تهريبها أيضا إلى مصر وبعض دول شمال أفريقيا، وذلك لعدم إحكام السلطات السودانية سيطرتها على المعابر والمنافذ البرية لدولة مترامية الأطراف.
وأضاف المصدر أن "الحدود السودانية أصبحت مفتوحة لدخول وخروج الماشية، مما أدى إلى خروج عدد من السلالات السودانية إلى الخارج في ظل عدم تسجيلها عالميا".
وتنتشر الثروة الحيوانية بالسودان في ولايات دارفور وكردفان (غرب السودان) وولاية النيل الأزرق وسنار (جنوب) وولاية الجزيرة (وسط).
وترتب وزارة الثروة الحيوانية خلال العام الجاري لإحصاء شامل لأعداد الثروة الحيوانية.
وكشف تقرير صادر عن وزارة الثروة الحيوانية أن السودان يصدر ماشية إلى كل من السعودية وقطر وعمان والإمارات ومصر بجانب تعاقدات جديدة للتصدير إلى إندونيسيا وماليزيا ومملكة بروناي.
وتعول الحكومة على زيادة حجم الصادرات بشكل عام من 2.9 مليار دولار العام الماضي، إلى 3.1 مليارات دولار العام الجاري.
المساهمون