جفاف جيوب موظفي السلطة الفلسطينية بقطاع غزة

07 يونيو 2018
موظفو السلطة بغزة يسحبون رواتبهم (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

لم يتبدل حال موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة هذا الشهر عن الشهر الذي سبقه كثيراً؛ في ظل استمرار الخصومات الكبيرة التي طاولت الآلاف منهم، إذ استمرت حكومة الوفاق الوطني في صرف 50% من إجمالي رواتبهم في الوقت الذي تصرف فيه رواتب نظرائهم بالضفة الغربية كاملة.

وأضحى هؤلاء الموظفون الذين يتجاوز عددهم 60 ألف موظف في القطاع بشقي عملهم المدني والعسكري، يخشون المصير المجهول لا سيما بعد أن أقدمت السلطة في أبريل/نيسان الماضي على حجب صرف راتب مارس/ آذار تحت ذريعة الخلل الفني والأزمة المالية.

إلا أن التصريحات المتكررة للرئيس الفلسطيني محمود عباس وعدد من المسؤولين الفلسطينيين توحي بأن ما يجري يندرج في إطار العقوبات المفروضة على القطاع، وتحديداً ضد حركة حماس من أجل إجبارها على تمكين الحكومة من مزاولة مهامها بغزة.

ويعتقد مراقبون أنّ توجه السلطة الفلسطينية نحو هذ الخيار يأتي للرغبة في تجفيف المنابع المالية التي تساهم في تحريك عجلة التجارة المحلية، وخفض الإيرادات التي تحصلها وزارة المالية التابعة لحكومة غزة السابقة.

وارتفعت نسبة الشيكات المرتجعة بشكل كبير خلال عامي 2017 و2018 مقارنة مع عام 2016، لا سيما مع بدء الإجراءات التي قامت بها السلطة، إذ تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن نسبة الشيكات المرتجعة في 2017 بلغ 10%، في حين بلغت 17% خلال العام الجاري، في الوقت الذي لم تتجاوز فيه في 2016 نسبة 6%.
في الأثناء، يقول نقيب الموظفين العمومين بغزة عارف أبو جراد إن ما تصرف البنوك حالياً للموظفين لا يمكن وصفه بالراتب، لا سيما وأن الخصومات التي طاولتهم كبيرة للغاية مقارنة مع المبالغ المتبقية، والتي لا تزيد في بعض الأحيان عن 300 إلى 400 شيكل. (الدولار= 3.54 شيكلات).

ويكشف أبو جراد لـ "العربي الجديد" أن السلطة الفلسطينية تحركت لصرف النسبة المالية الحالية التي لا تتجاوز 50 % من أجل البنوك التي هددت برفع قضية دولية ضد الحكومة، خصوصاً وأن آلاف الموظفين بغزة مقترضون منها، وهو ما دفعها لصرف هذه النسبة.

ويوضح أن اجتماعاً ثلاثياً عقد في مقر المقاطعة برام الله بحضور الرئيس عباس ورئيس سلطة النقد الفلسطينية عزام الشوا وجمعية البنوك في فلسطين، دفع باتجاه إعادة صرف هذه النسب من أجل حصول البنوك على أموالها من الموظفين المقترضين.

ويشدد النقابي الفلسطيني على أن الواقع الاقتصادي والمالي لآلاف الموظفين التابعين للسلطة بغزة سيئ جداً، لا سيما مع تلاحق المواسم بين شهر رمضان واقتراب حلول عيد الفطر وبدء الإجازة الصيفية وغيرها من الالتزامات.

ويلفت إلى وجود تحركات نقابية مع البنوك المحلية من أجل وقف استقطاع نسب القروض المستحقة على الموظفين لهذا الشهر قبيل عيد الفطر ومراعاة للظرف العام، إلا أن هذه التحركات ما تزال تنتظر قراراً من إدارات هذه البنوك.

ويبين أبو جراد أن الفعاليات النقابية التي تنظمها نقابة الموظفين العمومين المدرجين ضمن كشوفات السلطة الفلسطينية، ستتواصل خلال الفترة المقبلة، ولن تتوقف إلا بوقف الخصومات المالية التي تقوم بها حكومة الوفاق.

وفي أعقاب حادثة تفجير موكب رئيس حكومة الوفاق الوطني رامي الحمد الله لوح الرئيس عباس باتخاذ إجراءات قانونية ومالية بحق القطاع، دون أن يوضح ماهية هذه الإجراءات التي تصفها غالبية الفصائل والقوى بغزة بالعقوبات.
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي أسامة نوفل إن هناك خطة مبرمجة بدأ تنفيذها في أبريل/نيسان 2017 كانت أبرز ملامحها في خصم نسبة من رواتب الموظفين تدحرجت لتصل إلى 50 % في الشهرين الماضيين.

ويوضح نوفل لـ "العربي الجديد" أن هذه الخصومات بهذه الطريقة أثرت على الوضع الاقتصادي، لا سيما وأن الآلاف من الموظفين يعيلون أسرهم إلى جانب الالتزامات المالية لصالح الغير، إلى جانب خصومات القروض.

ويشير إلى أن التأثير بات واضحاً على المشهد الاقتصادي من خلال تراجع القوة الشرائية وزيادة المديونية على الموظفين، وعدم قدرة الكثيرين منهم على التفكير في مجالات أخرى كالمؤسسات التعليمية والجامعية التي تتطلب أقساطاً.

وبحسب نوفل فإن نسبة الـ 50 % التي يجري طرحها للموظفين بغزة في حال خصم البنوك لا يتبقى منها للموظف سوى 20 %، خصوصاً وأن إجمالي رواتب الموظفين في القطاع كان سابقاً 50 مليون دولار وانخفض حالياً ليصل إلى 15 مليون دولار فقط.

ويؤكد نوفل على أن مبلغ 15 مليون دولار لا يكفي لإنعاش المشهد الاقتصادي بغزة كونه مبلغا محدودا وبسيطا، وهو ما يتضح من تراجع حركة الشاحنات التي تدخل إلى القطاع في الآونة الأخيرة مقارنة مع فترات سابقة.

ويرى أن المستقبل في القطاع المحاصر إسرائيلياً للعام الـ12 على التوالي أضحى مجهولاً للغاية وصعباً جداً، في ظل الارتفاع الواضح في الشيكات المرتجعة، إلى جانب وصول أوامر الحبس على قضايا الذمم المالية لأكثر من 100 ألف أمر حبس.

وعن حديث السلطة الفلسطينية عن وجود أزمة مالية هي السبب وراء الخصومات، ينوه إلى أن حجم الانخفاض في الإيرادات وفقاً لبيانات الربع الأول من العام للسلطة لم يتجاوز 1.6 % في الوقت الذي انخفض فيه حجم الإنفاق بواقع 5 % وهو ما يوضح وجود سياسة حكومية تهدف لخفض الإنفاق على القطاع.

ويشكل موظفو السلطة الفلسطينية بغزة أحد أهم مصادر الحركة التجارية، لا سيما مع استمرار الحصار الإسرائيلي وغياب القدرة على تصدير البضائع وإغلاق عشرات المصانع والمنشآت الاقتصادية أبوابها، وعجز القطاع الخاص عن المساهمة في حل أزمة البطالة.
المساهمون