فتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب جبهة جديدة في حروبه التجارية، والهدف هذه المرة المكسيك التي هددها برسوم جمركية ما لم تكافح ظاهرة الهجرة غير الشرعية، فيما اتهمت الصين واشنطن بالكذب، واهتزّت أسواق المال على وقع وتيرة التصعيد الجديدة.
فقد اتهمت الصين الولايات المتحدة اليوم الجمعة، بـ"الكذب" بشكل متكرر، بعدما قال ترامب إن حرب الرسوم الجمركية تحمل "أثرا مدمّرا" على اقتصاد البلد الآسيوي العملاق.
المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانغ، قال خلال مؤتمر صحافي دوري، إن "الجانب الأميركي أدلى بتصريحات كاذبة لا مرة ولا مرتين. في كل مرة تكشفهم الصين في الوقت المناسب، لكن الولايات المتحدة تبدو دؤوبة وحتى مهووسة وتواصل تكرار هذه الأكاذيب"، بحسب ما نقلت عنه "فرانس برس".
تأتي التصريحات الصينية غداة إعلان ترامب يوم الخميس، أن الولايات المتّحدة ستفرض اعتبارًا من 10 يونيو/حزيران، "رسوماً جمركيّة بنسبة 5% على كُلّ السّلع الواردة من المكسيك" طالما استمرّ تدفّق المهاجرين غير الشرعيّين إلى بلاده عبر الحدود المكسيكيّة.
من جهته، بعث الرئيس المكسيكي رسالةً إلى نظيره الأميركي يدعوه فيها إلى الحوار بشأن مسألة الهجرة غير الشرعيّة.
وكتب الملياردير الجمهوري في تغريدة على تويتر، إن "الرّسوم الجمركيّة ستزداد تدريجاً، طالما لم يتمّ حلّ مشكلة الهجرة غير الشرعيّة.. وقد ترتفع الرسوم الجمركيّة إلى 10% بحلول 1 يوليو/تمّوز وتزداد بمقدار 5 نقاط مئويّة شهريًا لتصل إلى حدّ 25% في أكتوبر/ تشرين الأوّل إذا لم توقِف المكسيك إلى حدّ كبير تدفّق الأجانب غير الشرعيّين عبر أراضيها"، بحسب ما أوضحه ترامب في بيان صادر عن البيت الأبيض.
Twitter Post
|
وأضاف أنّ الولايات المتّحدة تحتفظ بحقّ سَحب هذه الرسوم "وفقًا لتقديرها الخاصّ"، مكررا القول: "على مدى سنوات، لم تُعاملنا المكسيك بشكلٍ منصف، لكنّنا نؤكّد الآن حقوقنا بصفتنا دولة ذات سيادة".
من جهتها، وصفت المكسيك بـ"الكارثيّ" إعلانَ ترامب فرض رسوم جمركيّة طالما استمرّ تدفّق المهاجرين غير الشرعيّين إلى الولايات المتحدة عبر الحدود المكسيكيّة.
وقال خيسوس سياذي، المسؤول في وزارة الخارجيّة المكسيكيّة للصحافيّين: "إنّه (أمر) كارثي. هذا التهديد إذا نُفّذ سيكون في منتهى الخطورة (...) إذا حصل ذلك، يجب أن نردّ بقوّة".
ولاحقاً، بعثَ الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، رسالةً إلى نظيره الأميركي يدعوه فيها إلى الحوار، بعد إعلان ترامب نيّته فرض رسوم.
وكتب لوبيز أوبرادور في الرّسالة: "أبلغكم بأنّني لا أريد المواجهة (...) أقترح تعميق الحوار والبحث عن بدائل لمشكلة الهجرة"، معلنًا في الوقت نفسه أنّ وفدًا مكسيكيًا سيتوجّه (اليوم) الجمعة إلى واشنطن.
وكان ترامب أعلن في وقت سابق الخميس أنّه سيُدلي بتصريحاتٍ مهمّة تتعلّق بسياسة الهجرة في بلاده، فيما لا يزال آلاف المهاجرين يتدفّقون عبر الحدود من المكسيك. وقال ترامب للصحافيّين: "سأدلي ببيان غدًا أو ربّما اليوم". وأضاف: "إنّه بيان مهمّ جدًا".
وأوضح أنّه لا ينوي إغلاق الحدود مع المكسيك، إلا أنّه يُريد التطرّق إلى مسألة عبور عشرات الآلاف من سكّان أميركا الوسطى الحدود كلّ شهر لطلب اللجوء في الولايات المتحدة، وهو ما يمنع السلطات الأميركيّة من إجبارهم على العودة.
وقال ترامب: "سيكون بيانًا مرتبطًا بالحدود والأشخاص الذين يعبرون الحدود بشكل غير شرعي"، واصفًا الأمر بأنّه حال "طوارئ وطنيّة".
واتّهم ترامب الديموقراطيّين في الكونغرس بعدم دعم قانون يهدف إلى إنهاء ما وصفها بسياسة الولايات المتحدة "السخيفة" حيال طالبي اللجوء. وقال إنّ الديموقراطيّين "يُريدون حدودًا مفتوحة وجرائم. يُريدون أن تتدفّق المخدّرات إلى البلاد ويريدون أن يتمّ تهريب البشر".
واستغلّ ترامب سلطاته التنفيذيّة في وجه الكونغرس، فاستخدم مليارات الدولارات من ميزانيّة الجيش لبناء أجزاء من الجدار على طول الحدود. لكنّه يحتاج إلى مزيد من التمويل، بينما تدخّلت المحاكم لعرقلة بعض عمليّات البناء.
وبحسب تقارير إعلاميّة صدرت في الآونة الأخيرة، فكّر البيت الأبيض في تفعيل قانون نادرًا ما يُستخدم لنشر مزيد من الجنود الأميركيّين عند الحدود.
وكان ترامب جعل مسألة بناء الجدار لوقف الهجرة غير الشرعيّة من دول أميركا اللاتينية، إحدى قضايا حملته الانتخابية عام 2016. وعلى الرغم من إعلانه أنّ مكسيكو ستُسدّد كلفة بناء الجدار، إلا أنّه طلب من الكونغرس أموالاً لتنفيذ المشروع.
وقد سبّب الخلاف في شأن التمويل إغلاقًا للحكومة الفيدراليّة استمرّ 35 يوماً، في مطلع 22 كانون الأوّل/ديسمبر 2018.
وقد أطلقت الإدارة الأميركية الخميس عملية المصادقة على الاتفاق الجديد للتجارة الحرة لأميركا الشمالية الموقع بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، لكن ترامب أثار بلبلة عبر فرض رسوم جمركية على السلع المكسيكية اعتبارا من 10 يونيو/حزيران.
وقالت إدارة الممثل الأميركي للتجارة روبرت لايتهايزر الذي أجرى المفاوضات حول الاتفاق إن مشروع "إعلان إجراء إداري" قدم إلى الكونغرس الأميركي.
وأوضح مصدر في البيت الأبيض أن هذا يعني عمليا أن إدارة ترامب يمكنها تقديم قانون تطبيق الاتفاق بين الدول الثلاث إلى الكونغرس خلال 30 يوما، اعتبارا من الخميس.
ويفترض أن تحل هذه الاتفاقية الجديدة محل اتفاق التبادل الحر المطبق منذ 1994 بين الدول الثلاث وانتقده ترامب بشدة. وستسمح المصادقة على الاتفاق للدول الثلاث بتبادل سلع وخدمات بقيمة مليارات الدولارات بدون رسوم جمركية.
أسواق الأسهم تتفاعل مع تصعيد ترامب
في أسواق المال، هوت الأسهم الأوروبية إلى أدنى مستوياتها في أكثر من 3 أشهر اليوم الجمعة، تقودها شركتا صناعة السيارات فولكسفاغن وفيات كرايسلر بعد أن فتح ترامب جبهة جديدة في توترات التجارة العالمية بتعهده بفرض رسوم على الواردات المكسيكية.
وتدهورت المعنويات أكثر بفعل سلسلة بيانات صينية أسوأ من المتوقع، لينزل المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.9% بحلول الساعة 7:08 بتوقيت غرينتش، وفقاً لبيانات رويترز.
شملت الخسائر جميع قطاعات الأسهم الأوروبية، حيث عمد المستثمرون إلى البيع مفضلين السندات الحكومية ليهبط المؤشر داكس الألماني، المنكشف بشكل خاص على مخاطر التجارة، 1.3% إلى أدنى مستوياته في شهرين.
ونزل مؤشر قطاع السيارات الأوروبي 2.7% متأثرا بانخفاضات 3% في أسهم كل من فولكسفاغن وفيات كرايسلر، اللتين لهما انكشاف كبير على المكسيك. وانخفضت أسهم البنوك الإسبانية سانتاندير وساباديل وبلباو بين 3.6 و1.8%، وللثلاثة حضور كبير في المكسيك.
وفي طوكيو، هوى المؤشر نيكاي الياباني إلى أدنى مستوياته في 3 أشهر ونصف، بقيادة انحدار في أسهم صناع السيارات بعد تصريحات ترامب.
وأغلق نيكاي منخفضا 1.6% عند 20601.19 نقطة، في أضعف مستوى إقفال للمؤشر القياسي منذ 8 فبراير/ شباط. وعلى مدار الأسبوع، نزل المؤشر 2.4% ليخسر لليوم الرابع على التوالي، وهو متراجع 7.4% على مدى الشهر في أكبر هبوط شهري له منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي الولايات المتحدة، فتحت الأسهم الأميركية على انخفاض حاد اليوم الجمعة، متأثرة بالمخاوف من أن تهديد ترامب الصادم بفرض رسوم جمركية على المكسيك قد يصبح الشرارة التي ستدفع أكبر اقتصاد في العالم إلى الركود.
وتراجع المؤشر داو جونز الصناعي 0.49% ليفتح على 25046.31 نقطة، ونزل المؤشر ستاندرد أند بورز 0.81% إلى 2766.15 نقطة، وهبط المؤشر ناسداك المجمع 1.28% إلى 7470.95 نقطة.
أول مكسب شهري للذهب منذ يناير 2019
وفي سوق المعادن الثمينة، ارتفعت أسعار الذهب اليوم الجمعة، لتتجه صوب أول مكاسبها الشهرية منذ يناير/ كانون الثاني بفعل تنامي الطلب على المعدن كملاذ آمن، بعد أن تعهد ترامب بفرض رسوم على جميع الواردات الآتية من المكسيك، ما أجج المخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمي.
تضافر خطر الرسوم الجديدة مع سلسلة بيانات اقتصادية ضعيفة من الولايات المتحدة هذا الشهر وحرب التجارة الممتدة بين بكين وواشنطن، ما أفضى إلى رهانات متزايدة بأن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) قد يخفض أسعار الفائدة هذا العام.
وفي الساعة 7:11 بتوقيت غرينتش، كان السعر الفوري لأونصة الذهب مرتفعا 0.5% إلى 1294.72 دولارا. وزاد السعر حوالي 0.9% منذ بداية الشهر الحالي. كما أن المعدن بصدد الصعود للأسبوع الثاني على التوالي أيضا، وبلغت مكاسبه نحو 0.8% هذا الأسبوع. وصعدت عقود الذهب الأميركية الآجلة 0.6% لتصل إلى 1294.70 دولارا.