تدخل تونس سباق التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في البحر المتوسط، بعدما طلبت شركات عالمية الحصول على رخص استكشاف باعتبارها متطابقة مع المناطق التي اكتشفت فيها شركة إيني الإيطالية حقل "ظهر" للغاز في مصر، والذي يوصف بأكبر كشف بالبحر المتوسط باحتوائه على احتياطيات تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعبة.
وتتجه تونس إلى تغيير خارطة الاستكشافات النفطية، عبر نقل جزء من الاستكشافات الجديدة لأول مرة نحو الساحل البحري الشمالي، من خلال الاستكشاف الجديدة المزمع التصديق عليها في الربع الأخير من العام الجاري 2018.
وحاليا يستأثر الجنوب التونسي وتحديداً محافظة تطاوين بنحو خمس الاستكشافات الجارية في البلاد سواء من قبل شركات محلية أو أجنبية.
وقال هادي الهريشي، المدير العام للمحروقات في وزارة الطاقة والمناجم في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" إن اللجنة الاستشارية للمحروقات ستتقدم في غضون شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل بطلب إلى البرلمان للتصديق على سبع رخص بحث واستكشاف للطاقة.
وأوضح الهريشي أن الرخص الجديدة ستكون موزعة لأول مرة في تاريخ البلاد على محافظات لم يسبق أن شهدت أعمال بحث على غرار الساحل الشمالي من محافظة جندوبة، فضلا عن محافظة زغوان شمال شرق العاصمة تونس.
وأكد أن الآفاق الواعدة لمنطقة الساحل الشمالي حفزت الشركات البترولية على نقل جزء من الاستثمارات إليها، حيث تعد طلبات الاكتشاف المقدمة حالياً من المرات القليلة التي تطلب فيها شركات أجنبية ذلك، خاصة أن الكلف المرتفعة لهذا الصنف من الاستثمارات كانت تدفع الشركات للتحوط قبل طلب الاكتشاف.
وأضاف المدير العام للمحروقات في وزارة الطاقة والمناجم أن نجاح شركة "إيني" الإيطالية في اكتشاف حقل "ظهر" في مصر بمنطقة امتياز شروق بالبحر المتوسط، أعطى دفعة للمستثمرين بسبب تطابق في الخصائص الجيولوجية بين المنطقتين في تونس ومصر.
وأشار إلى أن مطالب الرخص الجديدة التي ستحال إلى البرلمان قريباً تتوزع بين شركات أميركية ونرويجية وبريطانية، متوقعا أن تساهم الاستثمارات الجديدة في تحقيق مكاسب للاقتصاد التونسي وخلق مئات فرص العمل في المناطق المزمع البحث فيها.
وفي السنوات السبع الأخيرة سجلت رخص البحث والتنقيب عن المحروقات تراجعا من 52 رخصة إلى 23 رخصة حاليا، ما تسبب في مغادرة العديد من المؤسسات سواء بسبب توتر المناخ الاجتماعي والاحتجاجات العمالية المتكررة أو نتيجة تعقيدات إدارية وطول انتظار تراخيص العمل.
وتسعى وزارة الطاقة والمناجم إلى تدارك تراجع الاستثمارات المسجل عبر تطوير التشريعات وأقلمة القوانين مع مقتضيات الدستور، فضلا عن إضفاء مزيد من الشفافية في عملية إسناد الرخص عبر نشر كل مطالب رخص الاستكشاف وتطور مسارها على بوابة خاصة تسمح لكل التونسيين بمتابعتها.
وينص الفصل 13 من الدستور الجديد على أن "الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي، تمارس الدولة السيادة عليها باسمه، وتُعرض عقود الاستثمار المتعلقة بها على اللجنة المختصة في البرلمان، وتعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة".
وكان تجديد عقود الشركات البترولية قد أثار مؤخراً جدلا في البرلمان ومن قبل نشطاء سياسيين، حيث أشار محمد شفيق زرقين، رئيس لجنة الطاقة في البرلمان، إلى وجود شبهات فساد في تمديد عقود الاستغلال بالآبار النفطية لشركات عالمية، ورفضت اللجنة تجديد خمسة عقود بحث وامتياز لشركات عالمية بسبب "وجود تجاوز قانوني".
وقامت وزارة الطاقة على أثر ذلك بنشر الوثائق التعاقدية لكافة السندات سارية المفعول في مجال المحروقات وامتياز الاستغلال منذ سنة 1960، ويعد نشر الاتفاقات الخاصة بالاستكشاف والبحث عن المحروقات وملحقاتها خطوة ضمن استراتيجية شاملة في مجال الحوكمة الرشيدة لقطاع الطاقة في البلاد.
وحذر البنك المركزي في إبريل/نيسان الماضي من تفاقم عجز ميزان الطاقة خلال الأشهر المقبلة، بفعل تجاوز ارتفاع سعر البترول وتجاوز البرميل عتبة 75 دولاراً في الأسواق الدولية، وتراجع الإنتاج الوطني خلال الربع الأول من العام الجاري.
ويقدر الإنتاج اليومي لتونس من النفط الخام بحسب بيانات رسمية بنحو 40 ألف برميل، مقابل احتياجات تقدر بحوالي 80 ألف برميل، تجابهها الحكومة بالاستيراد.
وكان الوزير المكلف بمتابعة الإصلاحات الكبرى في تونس توفيق الراجحي، قد قال في مقابلة مع "العربي الجديد" في وقت سابق من يوليو/تموز الجاري، إن فاتورة دعم الطاقة سترتفع إلى نحو 4 مليارات دينار (1.5 مليار دولار) خلال 2018، وهو أكثر من ضعف ما تم رصده لدى وضع الموازنة الحالية.