جيوب الكويتيين ورقة العبور إلى البرلمان

26 نوفمبر 2016
المرشحون لعبوا على وتر تحسين الأوضاع (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
كان الاقتصاد هو الورقة الأبرز التي لعب بها المرشحون لحشد الناخبين لصالحهم في انتخابات البرلمان الكويتي، التي ستجري اليوم، وسط تصاعد الجدل حول قرارات تقشفية بإلغاء الدعم ورفع أسعار الوقود اتخذتها الحكومة لامتصاص الغضب الشعبي احتجاجاً على هذه القرارات.

واستغل المرشحون تداعيات الوثيقة الاقتصادية التي تسببت في تأزم الأوضاع المعيشية، لاستقطاب أصوات الناخبين. إذ أطلقوا وعوداً بالعمل على الحد من أضرار هذه الوثيقة التي أقرت العديد من القرارات الصعبة على المواطنين، بل ولجأ البعض إلى مغازلة الناخبين عبر وعود بفرض ضرائب على الوافدين للحد من استنزاف موارد الدولة، حسب زعمهم.

وحل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، البرلمان في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ممهّدا الطريق لإجراء انتخابات جديدة.

وعود المرشحين

وصبت غالبية وعود المرشحين خلال ندواتهم الانتخابية وحملاتهم الدعائية على انتقادات حادة
لتداعيات الوثيقة الاقتصادية والتصدي لها والعمل على تحسين أوضاع المواطنين في حال فوزهم.

وأعلن المرشح للانتخابات البرلمانية، سعود بوصليب، رفضه خطط التقشف الحكومية، والتي أطلق عليها اسم "وثيقة الإفلاس"، وأكد للناخبين أنه "يرفضها جملة وتفصيلاً"، وتعهد بـ"التصدي لها".

من ناحيته، وصف النائب السابق والمرشح في الانتخابات الحالية جمال العمر، العجز في الميزانية بأنه "دفتري وليس حقيقياً". واعتبر أن وثيقة الإصلاح الاقتصادي "اجتهاد حكومي غير موفق"، وجاء نتيجة ضغوطات اقتصادية وسياسية ما أدى إلى إيجاد حلول "غير استراتيجية" لا تبنى على "واقع اقتصادي وسياسي واجتماعي حقيقي".

وفي السياق نفسه، انتقد مرشح الدائرة الخامسة، الصيفي مبارك الصيفي، أداء الحكومة ومجلس الأمة المنحل، واعتبر أن البرلمان السابق فشل في معظم الملفات الاقتصادية التي طرحت عليه.

وقال الصيفي إنه "أسوأ مجلس مر في تاريخ الكويت"، مؤكداً أنه لم ينجح في تحديث "البنية التحتية" وحل مشاكل السكن. واعتبر الصيفي أن مشاريع المجلس "حبر على ورق".
وأظهرت بيانات رسمية، الأربعاء الماضي، ارتفاع معدل أسعار المستهلك بنسبة 3.62% خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي على أساس سنوي.

وقالت الإدارة المركزية للإحصاء الكويتية إن الرقم القياسي العام ارتفع بنسبة 0.07% خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مقارنة مع سبتمبر/ أيلول السابق عليه.

وتحاول الحكومة منذ بداية هبوط أسعار النفط قبل نحو سنتين، إجراء إصلاحات اقتصادية تقول إنها ضرورية بالتشاور مع صندوق النقد الدولي، لكنها سوف تنال من مزايا اقتصادية تمتع بها المواطنون الكويتيون على مدى عقود من خلال الوثيقة التي شرعت في تطبيقها وأثارت موجة غضب واسعة في الشارع الكويتي.

جدل حول الوثيقة

وقبل الانتخابات بفترة وجيزة، أثارت دعوة وزير المالية، أنس الصالح، المواطنين الكويتيين للمشاركة في استبيان عام على موقع الوزارة حول وثيقة الإجراءات الداعمة لمسار الإصلاح الاقتصادي، الكثير من الجدل، حيث رأى مواطنون أن تلك الخطوة جاءت متأخرة للغاية.

وحسب مصدر مسؤول في وزارة المالية، فضل عدم الإفصاح عن هويته، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن مؤشرات الاستبيان المبدئية تشير إلى رفض نسبة كبيرة من المواطنين للوثيقة، ما يدعو إلى التساؤل: إذا ما خرج الاستبيان برفض للقرارات الحكومية بشكل نهائي، فهل ستتراجع الحكومة عن خطوات دافعت عنها باستماتة ورأت فيها طوق النجاة من أزمة تهاوي أسعار النفط؟ حسب محللين.

وجاء الاستبيان من 13 سؤالاً، منها 23% حول إجراءات تم اعتمادها ودخلت حيّز التنفيذ بالفعل، مثل زيادة أسعار البنزين على المواطنين والمقيمين وزيادة الكهرباء والماء على المقيمين، بالإضافة الى أسئلة أخرى حول الضريبة على الشركات والقيمة المضافة، وبالطبع لن تلقي ترحيبا يذكر، كونها ستكون خطوات ناسفة لفكرة دولة الرفاه التي تمتعت بها الكويت طيلة سنوات طويلة.

ويرى خبراء أن خطوة الاستبيان واستشراف آراء المواطنين هي من أهم الخطوات التي تسبق الإجراءات الحساسة التي تمس حياتهم، ولكن لا بد أن تسبق القرارات، لا أن تكون عقب التنفيذ فتفقد أي معنى أو تأثير يذكر.

محاور الوثيقة الاقتصادية
وقال وزير المالية، في تصريح سابق له، إن "أية خطة إصلاح اقتصادي في الكويت لا يجب أن تمر من دون موافقة شعبية تامة، ممثلة في البرلمان الكويتي، لكننا في المقام الأول يجب أن نوعّي الشعب الكويتي حول مدى أهمية هذه الوثيقة وتأثيرها الدائم في حفظ الاقتصاد الكويتي من الانهيار".

وأقر مجلس الوزراء الكويتي ما يعرف بوثيقة الإجراءات الداعمة لمسار الإصلاح المالي والاقتصادي في منتصف مارس/ آذار 2016، وشملت 6 محاور، هي: الإصلاح المالي، إعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد الوطني، زيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، مشاركة المواطنين في تملّك المشروعات، إصلاح سوق العمل ونظام الخدمة المدنية، الإصلاح التشريعي.

وكان رئيس مجلس الأمة السابق، مرزوق الغانم، قد أجرى استفتاءً على الوثيقة مشابهاً للاستفتاء الذي تقوم به وزارة المالية، وخلص استبيان البرلمان في مؤشراته الأولية، إلى تخوّف المواطنين من الحسم من الرواتب وقطع مكافأة نهاية الخدمة ووثيقة الإصلاح الاقتصادي، لكن نتيجة الاستبيان وتوصياته بقيت حبيسة الأدراج حتى الآن.

ضرائب الوافدين

وفي إطار استغلال الملفات الاقتصادية لحشد الناخبين، لعب بعض المرشحين على وتر
استهداف الوافدين بضرائب إضافية للحد من "استنزاف الوافدين موارد الدولة باستهلاكهم الدعم المقدم لبعض المواد الأساسية"، حسب زعم المرشحين.

كما لوح مرشحون آخرون بتخصيص مستشفى جابر للمواطنين فقط، بالإضافة إلى تغييرات على نظام التأمين الصحي، بحيث يدفع الوافد تكاليف علاجه.
وقال مرشح عن الدائرة الثالثة، النائب والوزير السابق يعقوب الصانع، في ندوته الانتخابية، إن "مستشفى جابر الذي تم الانتهاء من بنائه، يجب أن يكون خاصاً للكويتيين دون الوافدين، ويجب على الوافدين أن يدفعوا أموال تأمينهم".

وأضاف الصانع في ندوة جماهيرية عقدها أخيراً: "يجب أن يكون لكل وافد علاج على حساب التأمين الصحي وليس على حساب الدولة، لأن أموال الحكومة يجب أن تذهب إلى أبناء الوطن فقط، والوافدون يستنفدون جزءاً كبيراً من اقتصاد الدولة، وخصوصاً أننا نعاني من عجز كبير في الميزانية".

وقال مرشح الدائرة الخامسة، سامي الدبوس، في ندوة انتخابية: "بدلاً من رفع أسعار البنزين على المواطنين، يجب أن نفرض رسوماً على تحويلات الوافدين بمقدار 5%".
وأكد المرشح عبدالكريم الكندري في ندوته، على ضرورة إعادة تقييم أعداد الوافدين في الدولة، إذ يعجز بعض الكويتيين عن إيجاد وظيفة في ظل الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تواجه البلاد.

عجز في الميزانية

وحسب التقارير الرسمية، سجلت الكويت عجزاً في الميزانية هذا العام هو الأول منذ 16
عاماً، وبلغ عجز الميزانية العامة 4.6 مليارات دينار (15.3 مليار دولار)، وهو الأول منذ السنة المالية 1998-1999.

وقال مراقبون اقتصاديون إن نواباً سابقين ومرشحين حاليين فشلوا في وقف تمرير الوثيقة الاقتصادية التي أقرتها الحكومة وفي وقف قانون رفع سعر الكهرباء والماء، كما أنهم فشلوا في وقف رفع سعر الوقود، الذي مرر رغماً عنهم، فقاموا بالهجوم على الوافدين وتحميلهم المشكلة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد لأغراض انتخابية بحتة، لتجنب لوم السياسات التقشفية الحكومية.

وكانت الحكومة قد رفضت اقتراح مجموعة من النواب بفرض ضريبة على التحويلات، إذ قال مسؤولو الدولة الماليين إنه إجراء قد يساهم في تنشيط سوق العملات السوداء في البلاد وهو ما ينعكس سلباً على الاقتصاد الكويتي.

وقال وافد مصري يعمل في شركة خاصة، أحمد رشيد، لـ"العربي الجديد": "كنا نأمل أن يدافع المرشحون عن الوافدين والعمال الذين تنتهك الشركات الخاصة والمصانع حقوقهم وتحملهم ما لا طاقة لهم به، لكن وللأسف الشديد، نجدهم يهاجموننا ويرموننا بأسباب الفشل الاقتصادي ورفع سعر الوقود، ويتجاهلون في الوقت نفسه أننا نقبل الكثير من الوظائف التي أجورها بخسة جداً وهو ما يفيدهم تجارياً".

وقال معلم تربية إسلامية، عصام حميد الدين، لـ"العربي الجديد": "في الشهرين الأخيرين تم تخفيض رواتبنا بنسبة 30%، والآن يهددون زوجتي التي تعمل كسكرتيرة بالتسريح من العمل في وزارة الإعلام، ورغم ذلك يهاجمنا المرشحون للانتخابات في أرزاقنا".

ويبلغ عدد الوافدين في الكويت أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون وافد، حيث يشكلون الأغلبية الكاسحة من سكان الكويت، وتبلغ تحويلاتهم السنوية أكثر من 18 مليار دولار، ولا تفرض الحكومة الكويتية أية ضرائب مباشرة على الوافدين سوى رسوم بسيطة على الكفالة واستخراج التأمين الصحي الذي تدعمه الدولة بأموالها.

زيادة الإنتاج النفطي

وبينما تتمتع الكويت بأدنى سعر تعادل للنفط في الميزانية بين الدول الخليجية، وتمتلك أصولاً مالية وحكومية ضخمة، إلا أنها الأكثر اعتماداً على النفط بين الدول الخليجية، حسب تقارير رسمية.

وتشكل الإيرادات النفطية نحو 90% من إيرادات الموازنة العامة للدولة، والكويت عضو بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتزيد قدرتها الإنتاجية حاليا بقليل عن ثلاثة ملايين برميل يوميا، وتهدف الحكومة للوصول إلى قدرة إنتاجية قدرها أربعة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2030.

وتملك الكويت صندوقا سياديا يقدر بأكثر من 600 مليار دولار ويستثمر غالبية أمواله في الخارج، وفي الوقت نفسه أعلنت الحكومة عزمها اقتراض خمسة مليارات دينار (الدولار = 0.3 دينار)، لتمويل عجز الميزانية العامة للسنة المالية الحالية 2016/ 2017 التي تنتهي في 31 مارس/ آذار المقبل.


المساهمون