المصريون في فخ شركات توظيف الأموال

11 ابريل 2015
بعض المصريين يفضلون التعامل مع شركات توظيف الأموال(الأناضول)
+ الخط -
دفع الطمع وتدني أسعار الفائدة بالمصارف، وتراجع جاذبية وفرص الاستثمار في الذهب والبورصة والعملات خاصة الدولارر مئات المصريين إلى الوقوع في فخ شركات توظيف الأموال، التي ترفع شعار الربح السريع والعالي، وهو ما جذب لها شريحة من الباحثين عن الثراء السريع حتي ولو كان علي حساب الضمان.

وتحقق السلطات المصرية هذه الأيام في عدد من قضايا النصب والاحتيال علي المواطنين، من خلال ما يسمى بشركات توظيف الأموال، والتي كان آخرها ما تقدم به أكثر من 40 مواطناً مصرياً ضد أحد رجال الأعمال، متهمين إياه بسرقة مبالغ مالية تتجاوز 20 مليون جنيه (2.6 مليون دولار).

هذه الواقعة ليست الوحيدة خلال الأيام الأخيرة، فقد تزامن معها القبض على شخص يدعى أحمد المستريَّح، جمع قرابة 200 مليون جنيه (26.2 مليون دولار) من المواطنين بحجة استثمارها في إنشاء مصنع للأسمدة بقنا جنوبي مصر.

عائد مبالغ فيه

كما كان صاحب شركة "ستار كابيتال" للخدمات المالية، هاني لطفي، بطل رواية في مسيرة شركات توظيف الأموال، حيث جمع ما يقرب من 410 ملايين دولار من 20 ألف مواطن مصري، وذلك بعد أن أقنعهم بأن الشركة توفر لهم أرباحاً شهرية تتراوح بين 5.5% و7%.

وبالفعل استمر في تقديم الفوائد المذكورة لعملائه لمدة عام ونصف، إلى أن فوجئوا بتوقف إيداع الفوائد، وبعدم قدرتهم على استرداد أموالهم التي دفعوها في البداية، فيما تعددت حالات توظيف الأموال التي تتجاوز عشرات الحالات منذ بداية العام الماضي وحده.

المصارف أمنة

وقال إسماعيل حسن، رئيس مجلس إدارة بنك مصر إيران للتنمية، والمحافظ الأسبق للمصرف المركزي المصري، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن انتشار مثل هذه الشركات ليس له علاقة بالأوضاع السياسية القائمة بالبلاد، لأن هناك فرصاً آمنة للأستثمار لدي المصارف الخاضعة لإشراف ورقابة المصرف المركزي.

وشنت السلطات المصرية في الثمانينيات حملات عنيفة على شركات توظيف الأموال مثل الريان والسعد، واللتان اتهمتهما بالاستيلاء على 3.28 مليار جنيه، فيما يقول محللون إن استهداف هذه الشركات كان لدواع سياسية واقتصادية، خاصة أنها نجحت في استقطاب شرائح كبيرة من مدخرات المصريين الذين عزفوا عن المصارف آنذاك لتدني أسعار الفائدة بها.
 
وقال حسن إنه على المواطنين اللجوء إلى وسائل استثمارية آمنة ومضمونة بدلاً مما وصفه بـ "الجشع"، الذي يدفعهم للإقبال علي مثل هذه الشركات. وأضاف "لا يوجد استثمار يمكنه تحقيق ربح 10% شهرياً"، مشيراً إلى أن المغالاة في سعر الفائدة تكشف حقيقة هذه الشركات. وشدد على أنه لا يوجد عدد محدد لهذه الشركات، لأنها لا تكون معلومة إلا إذا انكشفت حقيقة تلاعبها.
 
وتتزايد علامات الاستفهام حول أسباب لجوء الكثير من المصريين لهذه الشركات، رغم ظهور عدة حالات لم يتمكن أصحابها من سداد أموال المودعين لديهم، ورغم وجود بدائل استثمارية آمنة ومعلومة، وفق المحافظ السابق للمصرف المركزي.


الجشع في المقدمة

ولكن ما هو سر الاقبال علي مثل هذه الشركات، وهل الجشع هو السبب الوحيد؟
في دراسة للباحثة سامية محمد عمار، نشرتها في أغسطس/آب 2011، أجابت عن السؤال، حين ذكرت أن شركات توظيف الأموال نشأت في مصر لأسباب عديدة، بعضها شرعي وبعضها اقتصادي واجتماعي.

ووفقا للباحثة، فقد استطاعت هذه الشركات أن تتعرَّف مقدما إلى حاجة الأفراد إلى الدخل المرتفع، لمواجهة التضخُّم، وقامت هي بتلبية هذه الحاجة، وهو الأمر الذي تقاعست عنه البنوك بصفة خاصة، والمؤسسات الاقتصادية بصفة عامة.

وتؤكد الباحثة أن مزايا التجربة هي قدرتها الفائقة على جذب وتجميع المدَّخَرات، واكتساب ثقة المودِعين بالداخل والخارج، وحصول المودِعين على عائد يتناسب مع معدلات التضخُّم السائدة، وتعدد الأنشطة الاقتصادية التي مارستها، ومساهمتها في تدفُّق العملات الأجنبية من الخارج، بالإضافة إلى قيام المنافسة مع الجهاز المصرفي.

أما سلبيات هذه الظاهرة، فهي استثمار بعضها لجزء كبير من الأموال في بيع وشراء النقد الأجنبي، والمضاربة في البورصات العالمية، وفي الأنشطة التجارية والخدمية ذات الأولويات الإنمائية المتدنِّية، واعتماد بعضها على الإدارة بشكل فردي أو عائلي، مع غياب أو شبه غياب النظم الإدارية والمحاسبية السليمة، وغياب الضمانات الفعلية للمودِعين، وهروب بعض أصحابها بالأموال للخارج.

نظام مالي فاشل

وقالت الدكتورة عالية المهدي، عميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة سابقا، إن "هناك سببين رئيسيين لتوجه المصريين لهذه الشركات، أبرزها النظام المصرفي الفاشل والنظام السيئ للبورصة المصرية حاليا، وكلاهما يدفع المصريين إلى اللجوء لمثل هذه الشركات".

وأضافت المهدي لـ "العربي الجديد"، أن سعر الفائدة المتدني حاليا بالمصارف المصرية، والذي يعد أقل بكثير من مستويات التضخم الحالية سبب ابتعاد المصريين عن المصارف.
وتابعت "إذا استمر تعامل المصارف مع العملاء على أنهم أغبياء، واستمرار خفض سعر الفائدة بما يصب لصالح الحكومة أكبر المدينين للجهاز المصرفي، سيستمر ابتعاد المواطنين عنه".

وعن السبب الثاني وهو البورصة، قالت المهدي إنه من الواضح أن البورصة المصرية غير مستقرة، وبالتالي يمكن أن يحقق الناس منها مكاسب عالية، ولكنهم معرضون في الوقت نفسه لخسارة كل أموالهم ، موضحة أن "الناس ليست لديها الحنكة للتعامل مع تذبذب البورصة؛ وبالتالي تنفر منها".

وأكدت المهدي أن الإدارة الاقتصادية السيئة للحكومة المصرية، وعدم فتح مجالات استثمارية جديدة لصغار المستثمرين، وخلق التوجية والتدريب المناسب لهؤلاء يدفع إلى ظهور شركات توظيف الأموال.

وأكدن أنه رغم النماذج السيئة بالسابق، فإن هذه الشركات سيستمر وجودها بمصر، ويستمر انتشارها لأنها الوحيدة التي تعدهم بما يرغبون به من خلق دخل مستمر ومستقر.
ورفضت اتهام المودعين لدى شركات توظيف الأموال، بأنهم يلجأون للطرق السهلة، لتحقيق عوائد كبيرة لأموالهم.

وكانت دار الإفتاء المصرية أيدت في بيان لها في 1989 ما تقوم به شركات توظيف الأموال، التي افترضت أنها تجمع أموالها بالطرق الصحيحة والسليمة من كل جوانبها، وتستثمرها في الوجوه الحلال.

اقرأ أيضا:
تراجع الجرائم الاقتصادية في الشرق الأوسط
دلالات
المساهمون