بعد اتفاق "أوبك"... أين تتجه أسعار النفط في العام المقبل؟

13 ديسمبر 2018
محطة وقود أميركية (Getty)
+ الخط -

إلى أين تتجه أسواق النفط في العام المقبل، 2019، وإلى أي مدى سيتمكن اتفاق "أوبك" والمنتجون خارجها الأخير من امتصاص التخمة النفطية التي تكونت في السوق؟

تساؤل يشغل بال المستثمرين في أسواق الطاقة من مصارف وتجار نفط، كما يؤثر على ميزانيات الدول المنتجة وربحية شركات النفط العالمية وأسهم الطاقة في أسواق المال التي خسرت حوالى ترليون دولار خلال دورة الانهيار الأخيرة، بين أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني.

حتى الآن لم تستجب أسواق الطاقة بدرجة كافية لاتفاق منظمة "أوبك" والمنتجين خارجها الذي وقع الأسبوع الماضي في فيينا وقرر خفض الإنتاج بحوالى 1.2 مليون برميل يومياً ابتداءً من يناير/ كانون الثاني المقبل، حيث راوحت أسعار النفط حول مستوياتها قبل الاتفاق.

وحسب وكالة رويترز، بلغ سعر العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت، في تعاملات الثلاثاء، في لندن، 60.30 دولارا، فيما بلغ الخام الأميركي، خام غرب تكساس، 51.19 دولارا للبرميل.

وهذا يعني أن أسواق النفط تجاهلت الاتفاق إلى حد ما، أي أنه غير ذي أثر يذكر في السوق، ولم يحرك الاتفاق الأسواق إلا بمعدل ضئيل جداً. ولكن ما هي أسباب هذا التجاهل وكيف ينظر خبراء الطاقة والمصارف لمستويات الأسعار في العام الجديد؟

في هذا الصدد، يقول مصرف "غولدمان ساكس"، وهو من كبار المضاربين على أسعار النفط، في تعليقه على الاتفاق: "إن الاتفاق سيخفف الضغوط التنازلية على أسعار النفط، ولكن الأسعار ربما تهبط مستقبلاً بسبب الاضطرابات". 

من جانبه، يرى مصرف "ستاندرد تشارترد" البريطاني في مذكرة للعملاء "أن قرار خفض الإنتاج سيقود إلى توازن السوق".

وتوازن السوق يعني في اللغة الحسابية أنه سيوقف الانهيار الجاري في أسعار النفط، ولكنه لا يعني أن أسعار النفط سترتفع.

وفي هذا الصدد، يقول تاماس فارجا، من مؤسسة "بي.في.إم أويل أسوشيتس"، إنه عدا تراجع الدولار قليلاً، لا يرى أي سبب يبرر ارتفاع السوق النفطية في الوقت الحالي.

ويلاحظ أن المعدل الضئيل للارتفاع الذي شهدته أسعار النفط يوم الثلاثاء، حدث لأسباب أخرى غير الاتفاق النفطي، من بينها إغلاق حقل الشرارة الليبي الذي سحب حوالى 315 ألف برميل يومياً من الأسواق، حسب ما ذكرت مؤسسة النفط الليبية، الثلاثاء.

ويرى العديد من المحللين أن هذا الخفض غير كافٍ لامتصاص الفائض في السوق والسماح للأسعار بالارتفاع وسط عوامل النزاع التجاري المتوتر بين واشنطن وبكين، كما أن فيه العديد من العيوب، من بينها أن خفض 1.2 مليون برميل (800 ألف برميل من دول أوبك و400 ألف برميل من روسيا ودول أخرى غير أعضاء بالمنظمة)، يقل عن التخمة التي تكونت في السوق بأكثر من 1.4 مليون برميل يومياً.

وحسب تعليقات نشرة "أويل برايس"، فإن على منظمة أوبك إذا كانت ترغب فعلاً في انتعاش الأسعار، أن تخفض الإنتاج بين 1.4 و1.8 مليون برميل يومياً.

أما العيب الثاني في الاتفاق النفطي الأخير، فحدث بسبب إنتاج دول "أوبك" في شهر أكتوبر/ تشرين الأول، الذي رفعت فيه السعودية الإنتاج إلى أكثر من 1.2 مليون برميل يومياً، وكذلك دولة الإمارات التي رفعت إنتاجها بشكل كبير. يضاف إلى ارتفاع إنتاج النفط الروسي الذي تسيطر عليه شركات، ومن الصعب تلبية الخفض في الشتاء.

وتم رفع إنتاج النفط في شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين، تلبية لضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي كان يتخوف من تأثير ارتفاع أسعار الوقود في أميركا على نتائج حزبه، الحزب الجمهوري، وبالتالي فإن الخفض الذي أقرته "أوبك" لم يكن خفضاً حقيقياً وإنما تم من الإنتاج الإضافي الذي كان سبباً في التخمة. ويذكر أن هذا الخفض الذي أقره المنتجون سيبدأ في يناير/ كانون الثاني المقبل.


أما على صعيد توقعات أسعار النفط في العام المقبل، 2019، فيلاحظ أن هنالك ثلاثة عوامل رئيسية ستساهم في تحديد الأسعار، أهم هذه العوامل هو الطلب العالمي على النفط والذي سيحدد وفقاً للنمو الاقتصادي العالمي. 

وحتى الآن يؤثر التوتر التجاري بين بكين وواشنطن والشكوك حول توجهات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ما يعرف بـ"بريكست"، إضافة إلى اضطرابات فرنسا ومشاكل إيطاليا المالية على النمو العالمي.

ويقدر تقرير مصرف "غولدمان ساكس" للنمو الاقتصادي في 2019، أن ينخفض معدل النمو العالمي في العام المقبل من 3.8% الحالي إلى 3.5%، وفي أوروبا من 1.9% إلى 1.6%، وفي الصين من 6.5% إلى 6.3%، كما يشير كذلك إلى احتمال تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي. 

يذكر أن الطلب النفطي العالمي المقدر حالياً بحوالى 100 مليون برميل يومياً، حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، يعتمد بدرجة كبيرة على نمو الاقتصادات الكبرى، خاصة الصين وأميركا وأوروبا، وبالتالي فالتقديرات تشير إلى احتمال انخفاض الطلب العالمي على النفط من مستوياته الحالية.

أما العامل الثاني المؤثر في توقعات أسعار النفط، فهو مستوى إنتاج النفط الصخري في أميركا. ومنذ ثورة "الحفر الأفقي" و"التكسير الصخري"، لإطلاق النفط المحبوس في الصخور، أصبح النفط الصخري الأميركي اللاعب الرئيس في أسعار النفط، بل أصبح يلعب دور"المنتج المرجح" بدلاً عن السعودية.

في هذا الصدد، تشير مؤسسة المسح والجيولوجيا الأميركية في إحصائيات أطلقتها هذا الأسبوع، إلى ارتفاع كبير في تقديرات النفط الصخري المؤكد في حقل "برميان" بولاية تكساس الذي يعد الأغنى والأكبر في أميركا، حيث رفعت الاحتياطات المؤكدة إلى 46.3 مليار برميل من النفط و20 مليار برميل من النفط السائل، وذلك وفقاً للبيان الذي أصدرته يوم الاثنين، كما أن نشرة "أويل برايس" ترى أن كلف الإنتاج في حقل برميان ستقل كثيراً بعد هذه الاكتشافات.

من جانبها، ترى وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج النفط الأميركي مرشح للارتفاع حتى العام 2025. وترى وكالة الطاقة الدولية أن إنتاج الخامات الصخرية في أميركا سيتضاعف من مستوياته الحالية إلى 9.2 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2025. وستمثل زيادة إنتاج النفط الأميركي "التقليدي والصخري"، نسبة 75% من إجمالي زيادة الإنتاج العالمي من النفط، وبالتالي تتوقع أن يرتفع إنتاج النفط الأميركي بنحو 1.3 مليون برميل يومياً خلال العام المقبل، 2019.

أما العامل الثالث، فهو احتمال الغش في حصص الخفض الذي اعتادت عليه دول "أوبك" وروسيا واحتمالات الضغوط الأميركية على السعودية.


في مقابل هذه العوامل السالبة التي من المتوقع أن تعوق حدوث أي ارتفاع في أسعار النفط خلال النصف الأول من العام المقبل، هنالك من يرى أن أسعار النفط ربما ترتفع بحوالى 10 دولارات خلال العام المقبل، لأسباب تعود إلى الاضطرابات السياسية في ليبيا والعصابات في نيجيريا التي تتخصص في سرقة النفط ومنع الشركات الغربية من الإنتاج، وكذلك تطور عدم الاستقرار السياسي في فنزويلا.

ويقدر مصرف "بانك أوف ـ أميركا ـ ميريل لينش"، أن تساهم هذه العوامل في سحب 500 ألف برميل يومياً من السوق النفطي، ولكنها تظل احتمالات. والمصرف، من بين المصارف القليلة التي ترى أن الاتفاق سيرفع أسعار النفط بحوالى 10 دولارات في أحسن الأحوال، وهو ما يعني أن خام برنت سيرتفع في العام المقبل إلى 70 دولاراً.

أما العامل الآخر المتوقع أن يساهم في ارتفاع سعر النفط، فهو تواصل انخفاض سعر صرف الدولار. وكان الدولار، الذي ارتفع 5% منذ بداية 2018 بفضل صعود أسعار الفائدة الأميركية، عاملاً معاكساً للنفط أيضاً وغيره من السلع الأولية المُستخدمة في الصناعة، والتي عادة ما تستفيد من انخفاض العملة الأميركية.

يذكر أن النفط يباع بالدولار، ولذلك كلما ارتفع سعر صرف الدولار، كلما أصبح سعر النفط مرتفعاً على الدول الناشئة، وبالتالي تقلل المشتريات منه، والعكس صحيح.
المساهمون