تونس تحتوي التهريب بإنشاء منطقة حرة للتجارة المشروعة

02 مارس 2016
سوق تجارية في تونس (فرانس برس)
+ الخط -

 

في خطوة لاحتواء عمليات التهريب عبر الحدود وانتشار السوق السوداء، تكثف الحكومة التونسية مساعيها للانتهاء من إقامة منطقة حرة على الحدود مع ليبيا جنوب البلاد، في خطوة لخلق نشاط تجاري قانوني، واستيعاب قاطني هذه المناطق الذين يعمل أغلبهم في السوق السوداء.

ويأتي إنشاء المنطقة اللوجستية الحرة في مدينة بن قردان على الحدود الليبية، التي تعد من أهم المناطق الحدودية، نظرا للحركة التجارية الكبرى، التي تعرفها المنطقة عموما، حيث تعد البوابة الاقتصادية الأولى بين تونس وليبيا.

وأعلن وزير التجارة التونسي، محسن حسن، الأسبوع الماضي، أنه تم البدء بالدراسات الفنية للمشروع الذي طالما سعت إليه الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الماضية، مشيرا إلى أن تكلفته تصل إلى 120 مليون دينار تونسي (60 مليون دولار)، وأن الانتهاء من الأشغال المتعلقة سيكون خلال العام المقبل 2017.

وتعوّل الحكومة على المنطقة الحرة لتوفير 2500 فرصة عمل مباشرة و6 آلاف فرصة بصفة غير مباشرة، إضافة إلى خلق قطب اقتصادي تنموي في بن قردان لتقليص تبعية الشباب للتجارة الموازية (السوداء)، ومحاربة التهريب والإرهاب.

ويأتي اختيار مدينة بن قردان، لإنشاء مشروع المنطقة التجارية الحرة، لخصوصية المنطقة، التي يعيش قرابة 80 % من سكانها على التجارة الموازية وفق بيانات غير رسمية، إضافة إلى افتقارها إلى مشاريع صناعية أو تنموية قادرة على خلق فرص عمل للشباب المعطل.

ويعتبر الناشط المدني، معز الجماعي، أن لمدينة بن قردان خصوصيات متعددة تجعل من المنطقة الحرة مشروعا مميزا في المنطقة في حال أحسنت الحكومة إدارته، لافتا إلى أن المدينة تحتوي حاليا على أكبر سوق للصرافة الموازية.

ويشير الجماعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن سوق الصرافة تتداول يوميا نحو 8 ملايين دينار (4 ملايين دولار) على مرأى ومسمع من السلطات، رغم أن نشاط العملة خارج المصارف يعد من الأعمال المحظورة قانونيا.

ويقول إن المصادر الأمنية تؤكد أنه من الصعب حصر العدد الحقيقي للعاملين في السوق الموازية بهذه المدينة، باعتبار أنهم غير مسجلين في دفاتر المصالح الجبائية، مضيفا أن " التقديرات تشير إلى أن عددهم يتجاوز 2500 تاجر في بن قردان فقط".

وحسب الأهداف التي رسمتها الحكومة، من المنتظر أن تكون المنطقة الحرة سوقا دولية لعبور البضائع من مختلف أنحاء العالم إلى أفريقيا، مع إمكانية تطويرها إلى منطقة صناعية عالمية كبرى معدة للتصدير للبلاد الأفريقية المختلفة.

وتعد محافظات الجنوب من أقل المحافظات التونسية تنمية، وهو ما جعل الحكومة منذ عهد الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، الذي أطاحت به الثورة قبل 5 أعوام تتغاضى عن التجارة الموازية، في محاولة لامتصاص الغضب الاجتماعي وتفادي أية مصادمات مع المطالبين بالعمل.

غير أن تجاهل الحكومة لهذه الظاهرة، التي تعود إلى عشرات السنين، جعل النشاط الموازي وفق خبراء الاقتصاد، يستفحل ويتعدى حدود الاتجار بالمحروقات والمواد الإلكترونية إلى تجارة الأسلحة والعملة حاليا.

اقرأ أيضاً: وزير التجارة التونسي يغضب السياسيين بالدعوة إلى محاورة المهربين

ويعتبر مراقبون للشأن الاقتصادي أن التجارة الموازية في الجنوب التونسي، باتت أشبه ما يكون بالأخطبوط، الذي يصعب السيطرة عليه، نظرا لتشعب وحسن تنظيم شبكات التهريب، إضافة إلى تواطؤ بعض العاملين في أجهزة الدولة، على غرار الجمارك والأمن، في تسهيل عمليات التهريب.

وبحسب وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، ياسين إبراهيم، في تصريح صحافي مؤخرا، فإن من الأولويات الخمس للحكومة خلال الفترة القادمة، العمل على إرساء السوق الحرة المغاربية، وذلك بهدف حل مشكلة التهريب والأسواق غير المنظمة، والقضاء على عزلة الجهات الحدودية وخلق فرص العمل.

وأبرزت دراسة لمركز أفريقيا للدراسات والبحوث السياسية، حول التهريب بين تونس وليبيا، أن هذه الظاهرة انعكست سلبا على الاقتصاد التونسي من ناحية تهريب السلع المدعّمة للقطر الليبي، وإيجابا من ناحية دخول المحروقات وبعض الآليات الفلاحية وغيرها من المواد والبضائع، التي تستوردها تونس من الخارج بالعملة الصعبة.

وكشفت الدراسة الميدانية، التي أنجزها المركز مؤخرا، أن نسبة التوريد الموازي بلغت عام 2012 نحو 77 % بقيمة 1.63 مليار دينار (815 مليون دولار) من إجمالي التوريد الفعلي (الرسمي والموازي). وسبق أن وصلت هذه النسبة إلى حدود 92 % عام 1992، قبل أن تتراجع إلى 36 % عام 2005.

ويقول الخبير الاقتصادي، فتحي التوزري، إن الخصوصية التجارية لمنطقة بن قردان حتمت خلق هذه المنطقة اللوجستية والتجارية، التي ستدفع بالتنمية في هذه المنطقة، بالإضافة إلى القضاء على ظاهرة التهريب، لكنه أضاف أن تفعيل نشاط المنطقة الحرة يتطلب توقيع اتفاقيات للتبادل التجاري بين تونس وليبيا.

ويشدد النوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، على ضرورة الإعداد الجيد لمثل هذه المشاريع لضمان نجاحها، وحتى تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني، على اعتبار أن مناطق التبادل الحر ستوفر لخزينة الدولة عائدات جبائية مهمة.

ويشير إلى أنه ليس من السهل إنشاء مثل هذه المناطق، لا سيما في ظل ما تشهده ليبيا من عدم استقرار، مؤكدا أن نجاح هذا المشروع مرتبط بالعامل الأمني، لضمان سلامة تدفق السلع والأشخاص وجلب المستثمرين.

ولا يعد إحداث منطقة للتبادل الحر حلا جذريا لمشاكل المناطق الحدودية، وفق التوزري، الذي اعتبر أن هذه المحافظات تتطلب خلق تنمية شاملة فيها، بالإضافة إلى ضرورة تهيئة البنية التحتية من أجل استقطاب رجال الأعمال المحليين والأجانب، مع توفير كل التسهيلات التي ستحث المستثمر على الاستثمار في هذه الجهات.

وبلغت خسائر الاقتصاد التونسي جراء التهريب خلال الربع الأول من العام الماضي نحو 1.8 مليار دينار (900 مليون دولار)، وفق إحصائيات البنك الدولي، بينما تشير تقديرات وزارة التجارة التونسية إلى أن إجمالي الخسائر السنوية يصل إلى 3.6 مليارات دولار.

ويتسبب التهريب والتجارة الموازية في خسائر جبائية لخزينة الدولة بنحو 1.2 مليار دينار (600 مليون دولار)، وهو ما يرفع من نسبة الاقتصاد الموازي إلى 54 % من إجمالي السوق.

ويمثل حجم التجارة الموازية مع ليبيا أكثر من نصف المعاملات النظامية، أما مع الجزائر فتبلغ المعاملات النظامية نحو 60 % من تجارة المحروقات.

وخلال السنوات الأربع الأخيرة، تدهورت القدرة الشرائية للتونسيين، بما يناهز 40%، وفق بحث أنجزته جامعة تونس، أي بمعدل يناهز 10% سنويا، الأمر الذي اعتبره خبراء اقتصاد محفزا لشراء السلع من السوق الموازية لرخص قيمتها مقارنة بمثيلاتها في السوق الرسمية.

 

 


اقرأ أيضاً:
تونس تستعين بتجارب أجنبية لمكافحة السوق السوداء
ضعف الرقابة على المنافذ ينعش تهريب السلع في ليبيا

دلالات
المساهمون